في قلب جبال بلودان المكسوة بسحر الطبيعة وعبق التاريخ، تبرز مغارة موسى بلودان كتحفة نحتتها الأيدي البشرية والصخور على مدى أكثر من قرن، فتحولت من موقع بسيط لاستخراج الرمل إلى معلم سياحي متكامل، يدهش الزوار بتفاصيله، ويأخذهم في رحلة عبر الممرات الحجرية والبرك المائية والإضاءات الساحرة.
أكمل معنا هذا المقال لتتعرف أكثر على مغارة موسى بلودان والتي تمتزج فيها روعة التكوين الطبيعي مع لمسة الإبداع البشري.
Contents
أين تقع مغارة موسى في سوريا؟
تقع مغارة موسى بلودان عند سفوح جبل بلودان، إلى الغرب من العاصمة السورية دمشق، على الطريق الواصل بين “الزحلات” و”الشقيف”، كما وتمتد هذه المغارة الرائعة على مساحة تُقدّر بنحو 7000 متر مربع، ويبلغ عمقها حوالي 300 متر، ما يجعلها من أضخم المغارات اليدوية في المنطقة.
وتتميز مغارة موسى بلودان بمناخها اللطيف والبارد صيفًا شتاءً، الأمر الذي يجعل منها مقصدًا سياحيًا جذابًا طوال أيام السنة.
كما تُعبر العبارة المنقوشة على مدخل المغارة “عندما تدخل يد الإنسان مع الطبيعة في صنع المعجزات” على التناغم الساحر بين الإبداع البشري وجمال التكوين الطبيعي، وكيف يستطيع الإنسان تحوّيل مكان طبيعي إلى تجربة فريدة بلمسته الفنية دون أن يضر أو يشوّه جوهر المكان.

التاريخ والنشأة
ظهرت ملامح مغارة موسى بلودان في أواخر القرن التاسع عشر، حين شرع أهالي بلودان بحفرها يدويًا بهدف استخراج رمل “المازار” الذي كان يُستخدم في أعمال البناء، وبأدوات بدائية وجهود متواصلة امتدت لأكثر من مئة عام، أخذت المغارة شكلها الحالي تدريجيًا.
ففي بداية التسعينيات وتحديدًا عام 1990م بدأ موسى المرعي العمل على تطوير المكان وتحويله إلى وجهة سياحية مميزة، إلى أن تم افتتاح مغارة موسى بلودان رسميًا للزوار في عام 2006، لتصبح اليوم من أبرز معالم السياحة في المنطقة.
أما بالنسبة لتكوينها فتحوي مغارة موسى بلودان ممرات متعرجة محفورة بالصخر، بعضها ضيّق ويحتاج إلى المشي بحذر وبعضها يتسّع ليوصلك لقاعات أوسع، بالإضافة إلى ذلك يوجد أقواس تشبه البوابات وتعطي إحساس بوجودك في عصور قديمة.
كما تتوزع داخل مغارة موسى بلودان تشكيلات صخرية تُشبه في هيئتها وجوهًا بشرية، وحيوانات، وتتدلّى كذلك من سقف المغارة تكوينات صخرية تُعرف بالـ”ستالاكتيت”، بينما ترتفع من أرضيتها أخرى تُسمى “ستالاغمايت”، ومع مرور الزمن تلتقي هذه التكوينات لتُشكّل أعمدة كلسية ضخمة تضيف إلى روعة المكان، وقد أفاد بعض الزوّار بأنهم رأوا تشكيلات تُشبه “وجه إنسان” أو “راهبة” أو حتى “نسر”، الأمر الذي يختلف باختلاف زاوية الرؤية ومخيلة كل شخص.
وفي نقطة معينة داخل مغارة موسى بلودان يمكن أن تجد تجمع مائي يشبّه بحيرة اصطناعية صغيرة، الماء فيها صافية وباردة جدًا ويعكس التكوينات الحجرية بشكل ساحر، وهي بالفعل عبارة عن بحيرتين واحدة تسمى بحيرة “الأمنيات” حيث يقوم الزائر برمي قطعة نقدية وهو يتمتى أمنية ما، أما البحيرة الأخرى فتسمى بحيرة “البركة” تيمنًا بالسيدة مريم العذراء.
كما تم تزويد المغارة بنظام إضاءة فني ملوّن يُبرز التشكيلات الصخرية بطريقة درامية، مما يجعل تجربة الزائر أقرب إلى الحلم، وتتغيّر الإضاءة بين ألوان متعددة، وتُسلّط أضواء مركّزة “سبوت لايت” على أبرز المجسّمات داخل المغارة، لإضفاء طابع جمالي يُعمّق من شعور الزائر بروعة المكان.
وجُهّزت مغارة موسى بلودان بأنظمة تهوية تمتد من أعماق الأرض حتى سطحها، كما تتوزع في أرجائها أماكن للجلوس، حيث نُحتت الطاولات والكراسي من الصخور لتوفر للزائر استراحة هادئة بعد جولة طويلة داخل أروقة المغارة. ولم تقتصر العناية على ذلك، بل أُضيف إليها مطعم يقدم أشهى الوجبات التقليدية في المنطقة، ما يجعل من زيارة المغارة تجربة متكاملة تجمع بين الطبيعة والراحة والذوق المحلي.
وبالإضافة إلى كل ما ذكر تحوي المغارة أيضًا غرف لتبريد الخضار والفواكة والتي تشتهر بها منطقة بلودان الجبلية فيتم تقديمها طازجة للزوار في كل الفصول.

الأنشطة والخدمات المتاحة في مغارة موسى بلودان
توفّر مغارة موسى بلودان لزوارها تجربة متكاملة من الترفيه والاستكشاف، من خلال مجموعة واسعة من الأنشطة والخدمات، أبرزها:
- رحلات القوارب: يمكن للزائر خوض مغامرة داخلية فريدة عبر جولة بالقارب بين البحيرات الهادئة التي لا يزيد عمقها عن ثلاثة أمتار في أعماق المغارة، مما يضفي على الزيارة طابعًا خاصًا ومميزًا.
- الركن الحرفي التقليدي: يضم هذا الركن تشكيلة متنوعة من الصناعات اليدوية التي تعكس أصالة المنطقة، مثل الفخار، والزجاج الملوّن، والنحاسيات المنقوشة، ليحصل الزائر على تذكار فريد من نوعه.
- المعارض الفنية الدائمة: داخل أروقة المغارة، تُعرض لوحات وأعمال فنية لفنانين محليين، تروي قصص المكان وتعكس التراث الثقافي والفني للبلاد.
- أماكن الاستراحة والضيافة: تنتشر في محيط المغارة مطاعم ومقاهي توفّر خيارات متعددة من الأطعمة والمشروبات، ضمن أجواء مريحة تضيف لمسة دفء على تجربة الزيارة.

مقالات مختارة
- مغارة بيت الوادي (مغارة عاصي الزند)
- مصيف بلودان… الوجهة المثالية لعشاق الطبيعة والتاريخ
- مغارة جوعيت في سوريا: كنز طبيعي يحمل أسرارًا فريدة
- مغارة الضوايات: رحلة إلى عالم سحري في قلب الطبيعة
- اكتشف سحر السياحة في مصيف مشتى الحلو: درة المصايف السورية
وهكذا، تبقى مغارة موسى بلودان أكثر من مجرد كهفٍ نحته الزمن، إنها قصيدةٌ صامتة كتبتها الطبيعة وأعاد الإنسان ترتيلها بصبرٍ وشغف، ففي ظلال صخورها الباردة، وبين أروقتها المضيئة، يكتشف الزائر أن الجمال ليس وليد اللحظة، بل نتاج آلاف السنين من الانتظار، ويدٍ بشرية آمنت أن المعجزات لا تُمنح، بل تُصنع.