بوابة سوريا

مغارة بيت الوادي (مغارة عاصي الزند)

مغارة بيت الوادي دريكيش

تُعد مغارة بيت الوادي، المعروفة محليًا باسم “مغارة عاصي الزند”، واحدة من أجمل التحف الطبيعية في منطقة الدريكيش التابعة لمحافظة طرطوس، حيث تمتزج فيها عظمة التكوين الجيولوجي مع جمال الطبيعة الساحر، فتتميز المغارة بتكويناتها الفريدة من الصخور الكلسية المتداخلة مع رواسب المياه عبر آلاف السنين، ما جعلها مقصدًا لعشاق الطبيعة والمغامرة، وأحد أبرز المعالم السياحية في الساحل السوري، حيث تقع مغارة بيت الوادي في السلسة الجبلية الساحلية بسوريا على الحدود الشرقية لمحافظة طرطوس بين الدريكيش ومصياف ووادي العيون، وهي تابعة إداريًا لناحية دوير رسالن على بعد 18 كم من الدريكيش وترتفع عن سطح البحر نحو 540 م، وتتوسط المغارة واديًا جميلًا تحيط به الغابات الكثيفة والأشجار الباسقة، ما يمنح المكان جوًا من السكينة والجمال.

التكوين الجيولوجي والوصف الداخلي

تُظهر المغارة تكوينات جيولوجية فريدة حيث تتكون جدرانها من الحجر الكلسي والجيري، ويخترقها نهر كبير والذي يسمى بنهر الدلبة والذي يروي إحدى عشرة قرية منها المحيلبة ودوير رسلان وبشمشة وبمنة وعين بالوج، وتتميز بوجود صواعد ونوازل كلسية بأشكال وألوان متنوعة، تشكلت عبر ملايين السنين نتيجة لتراكم الترسبات الكلسية. وتُعتبر هذه التكوينات من أجمل ما يمكن رؤيته في المغارات الطبيعية والتي تشكل نسبة 70% من المغارة، حيث تأخذ أشكالًا تشبه القرنبيط والإنسان والحيوان مما يضفي على المغارة جمالًا وسحرًا خاصًا.​

وتتميز مغارة بيت الوادي دريكيش بمساحات وفراغات كبيرة تصل إلى 3000 متر مربع، وتُحافظ على درجة حرارة ثابتة تبلغ 18 درجة مئوية صيفًا وشتاءً، كما تمتد على عمق نحو 600-700 متر وما زالت حدودها غير معروفة بشكل دقيق، حيث تمر بها مجموعة من السواقي والشلالات المائية الصغيرة، مما يضفي عليها جمالًا وروعة، وعند التقدم إلى الأمام ضمن المدخل نحو 200 متر نصل إلى مدخلين أحدهما تخرج منه مياه النبع والآخر جاف، وعند السير في المدخل الجاف يمكننا مشاهدة الصواعد والنوازل داخل المغارة.

أما بالنسبة لفتحتها الخارجية فهي بارتفاع مترين ونصف، والمدخل عبارة عن تشكيلات كلسية ويوجد في الداخل أيضًا طبقة طينية تشكلت عبر الأزمان من براز الخفافيش.

مغارة بيت الوادي دريكيش

اقرأ أيضًا: الغابة الاستوائية في طرطوس

الاكتشاف والتاريخ الأثري

تم اكتشاف مغارة بيت الوادي في يوليو 1982، ومنذ ذلك الحين أُجريت فيها العديد من الدراسات الأثرية والجيولوجية، فعُثر داخل المغارة على بقايا فخارية مكسرة تعود إلى العصر الكالكوليتي (4500-3400 قبل الميلاد)، بالإضافة إلى بقايا عظام إنسانية متناثرة في عدة أماكن داخل المغارة، كما وُجدت كتابات على الجدران والصخور في وسط الصالات، بعضها غير مقروء أو مفهوم، مما يشير إلى أن المغارة كانت مأهولة أو مستخدمة من قبل الإنسان في عصور ما قبل التاريخ.

واشتهرت المغارة مؤخرًا باسم “مغارة عاصي الزند” وذلك بعد أن تم تصوير مشاهد من مسلسل “الزند: ذئب العاصي” داخلها. هذا المسلسل، الذي قام ببطولته الفنان تيم حسن حظي بشعبية كبيرة وعُرض خلال شهر رمضان 2023، وبسبب المشاهد المؤثرة التي تم تصويرها داخل المغارة ارتبطت المغارة باسم شخصية “عاصي الزند”، وصارت تُعرف بهذا الاسم بين الناس وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ومع أن اسمها الأصلي هو مغارة بيت الوادي، إلا أن شهرة المسلسل ساهمت في الترويج لها سياحيًا وربطها بالأحداث الدرامية التي جرت فيها.

وعلى الرغم من جمالها وأهميتها التاريخية، إلا أن مغارة بيت الوادي لم تُستثمر سياحيًا بشكل كامل حتى الآن، ففي عام 2006 عُرض مشروع استثمار المغارة في ملتقى الاستثمار الثاني إلا أن المشروع لم يرَ النور بعد، وتُعزى الأسباب إلى أن المغارة غير مدروسة بشكل علمي ومتكامل حتى الآن، بالإضافة إلى المخاوف من حصول انهيارات أو تساقط حجارة، مما يجعلها غير آمنة للزيارة حاليًا.​

ولعل أفضل وقت لزيارة مغارة بيت الوادي هو في فصل الربيع (مارس – مايو) حيث يكون الطقس لطيفًا، وتكون الطبيعة المحيطة بالمغارة في أجمل حالاتها مع المساحات الخضراء وتدفق المياه، ويمكن زيارتها أيضًا في فصل الصيف (يونيو – سبتمبر) فتُعتبر المغارة ملاذًا رائعًا للهروب من الحرّ، حيث تحافظ على درجة حرارة ثابتة حوالي 18 درجة مئوية كما ذكرنا .

مغارة بيت الوادي

اقرأ أيضًا: صلنفة

ختامًا، تمثل مغارة بيت الوادي كنزًا طبيعيًا وتاريخيًا في منطقة الدريكيش، يجمع بين جمال التكوينات الجيولوجية والأهمية الأثرية، وعلى الرغم من التحديات التي تحول دون استثمارها سياحيًا حتى الآن، إلا أن الجهود المستمرة والدراسات المستقبلية قد تفتح آفاقًا جديدة لاستغلال هذا الكنز الطبيعي، مما يُسهم في تعزيز السياحة البيئية والثقافية في المنطقة، ويُبرز غنى التراث الطبيعي والتاريخي لسوريا.​

السابق
دار الأوبرا المصرية
التالي
“عداء الطائرة الورقية: رواية عن الخطيئة والفداء “