عندما يفكر الإنسان في الهروب من صخب المدن وضغوط الحياة اليومية، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو مكان هادئ، نقي، يجمع بين سحر الطبيعة ودفء الضيافة.
وكل هذه الصفات تجتمع في مكان واحد ألا وهو مصيف مشتى الحلو، فلم تَعُد السياحة في مصيف مشتى الحلو مجرّد رحلةٍ للاسترخاء، بل أصبحت تجربة متكاملة تمتزج فيها روعة الطبيعة بجمال الريف، والمهرجانات الثقافية بالخدمات السياحية المتطورة، ففي هذه البلدة الصغيرة الواقعة بين جبال طرطوس، تنطق الطبيعة، ويهمس التاريخ، ويستقبلك أهلها بمحبة لا تُشبه سوى مشتى الحلو.
أكمل معنا مقالنا التالي للتعرف أكثر على مصيف مشتى الحلو وموقعها وغير ذلك.
Contents
الموقع الجغرافي لمشتى الحلو والمناخ
بلدة ومصيف مشتى الحلو هي بلدة سياحية تقع في ريف محافظة طرطوس الشمالي الشرقي في سوريا، ضمن منطقة صافيتا، وتتميز بموقع جغرافي جميل ومعتدل ساهم بشكل كبير في تنشيط السياحة في مشتى الحلو، وهي واحدة من أهم المصايف السورية.
وتقع بلدة ومصيف مشتى الحلو في جبال الساحل السوري، على السفوح الغربية لسلسلة جبال الساحل السوري، ويبلغ ارتفاعها حوالي 600-650 متر فوق سطح البحر، وتبعد حوالي 35 كم شرق مدينة طرطوس، كما تبعد حوالي 220 كم عن دمشق، و60 كم جنوب شرق اللاذقية، و15 كم عن صافيتا.
ويحيط بمصيف بمشتى الحلو عدد من القرى مثل عين البيضاء، بحوزي، بصيرة، عين الجاش، والمزينة تقع ضمن منطقة جبلية خضراء، وتشتهر بغطائها النباتي الكثيف وهوائها النقي، ما يجعل السياحة في مصيف مشتى الحلو مقصدًا للجميع.
يتميز مناخ مصيف مشتى الحلو بالاعتدال واللطف خلال فصل الصيف، حيث يقصدها السياح للاستمتاع بالهواء النقي والهروب من حرارة المناطق المنخفضة، أما في فصل الشتاء، فتكون الأجواء باردة إلى شديدة البرودة، مع احتمالية تساقط الثلوج في بعض الأحيان، حيث أن هذا التنوع المناخي بالإضافة إلى الطبيعة الخلابة والينابيع العذبة المحيطة بالبلدة، يجعلها مقصدًا سياحيًا هامًا على مدار العام.

اقرأ أكثر عن: مغارة جوعيت في سوريا: كنز طبيعي يحمل أسرارًا فريدة
لماذا سميت بلدة مشتى الحلو بهذا الاسم؟
تعود تسمية بلدة “مشتى الحلو” إلى أصول سريانية، حيث يُرجح أن الاسم مأخوذ من الكلمة السريانية “أوشتي” التي تعني “الأرض الغنية بالينابيع”، أو من الكلمة “مشتو” التي تعني “النبع العذب”، وهو ما ينسجم مع طبيعة المنطقة المعروفة بكثرة ينابيع المياه العذبة فيها.
أما بالنسبة لإضافة كلمة “الحلو” إلى اسم البلدة، فتُروى قصة محلية مفادها أن البلدة كان فيها مختاران؛ الأول يُدعى “ديب إبراهيم الأسبر” من عائلة الحلو وكان ختمه يحمل اسم “مشتى الحلو”، والثاني يُدعى “توفيق سليمان الخوري” وكان ختمه يحمل اسم “المشتى”، وبعد وفاة المختار الثاني بقي اسم “مشتى الحلو” متداولًا وشائعًا، وذلك ارتباطًا باسم المختار الأول.
ومن الجدير ذكره عند الحديث عن مشتى الحلو، أن سكانها يتفاخرون بشجرة عملاقة تتوسط البلدة ويُقال أن عمرها أكثر من 50 عامًا، كما يبلغ محيط جذعها حوالي 6 أمتار وارتفاعها 25 مترًا، ولذلك أطلقوا على ساحة البلدة اسم “ساحة الدلبة” وكما لديهم أيضًا “مقهى الدلبة” و”نبع الدلبة” وغيرها.

اقرأ أكثر عن: قلعة صافيتا… ببرجها العريق تروحي حكايات الزمن
السياحة التاريخية والأثرية في مصيف مشتى الحلو
يُعدّ مصيف مشتى الحلو من أبرز الوجهات السياحية في سوريا، ليس فقط لطبيعته الساحرة ومناخه المعتدل، بل لما يحتضنه من معالم تاريخية وأثرية تعكس عمق الجذور الحضارية للمنطقة، حيث تمتزج في مشتى الحلو أصالة التاريخ بجمال الطبيعة، ويمكن للسائح المتلهف لاكتشاف آثار وتاريخ مشتى الحلو زيارة عدة أماكن فيها والتي هي:
مغارة الضوايات
تقع مغارة الضوايات شمال مصيف مشتى الحلو، وتُعتبر من التحف الطبيعية الفريدة، حيث اكتُشفت عام 1914 ويُقدّر عمرها بحوالي 20 مليون سنة، وتتميز المغارة بتشكيلات صخرية رائعة وسبع فتحات في سقفها تسمح بدخول الضوء، مما أكسبها اسم “الضوايات”، وقد تطرقنا للحديث عن هذه المغارة في مقال مفصل يمكنكم الاطلاع عليه.
اقرأ أكثر عن: مغارة الضوايات: رحلة إلى عالم سحري في قلب الطبيعة
جبل السيدة وكنيسته التاريخية
يقع جبل السيدة في بلدة ومصيف مشتى الحلو، ويحمل الجبل اسمه نسبةً إلى السيدة مريم العذراء والدة السيد المسيح، كما يكتسب مكانة روحية خاصة لدى المسيحيين، إذ تتوضع في قمته كنيسة صغيرة تاريخية تُعد مقصدًا للزوار، خصوصًا خلال المناسبات الدينية كعيد انتقال السيدة العذراء في الخامس عشر من آب، حيث تُقام الصلوات والاحتفالات الشعبية سنوياً.
ويمتاز جبل السيدة بطبيعته البركانية وتشكله الجيولوجي الذي يعود إلى ملايين السنين، وعلى سفح الجبل ينتصب تمثال للسيدة العذراء الذي يُشكّل نقطة جذب بصري وروحي للزوار.
الطواحين المائية القديمة
كانت بلدة ومصيف مشتى الحلو تضم عددًا من الطواحين المائية التي تعمل على مجاري الينابيع والأنهار، ومن بين هذه الطواحين كانت هناك طواحين معروفة مثل “طاحونة أبو خليل”، “طاحونة الدلبة”، “طاحونة يونس”، و”طاحونة بشور”، وعلى الرغم اندثار معظمها إلا أن بعضها لا يزال قائماً كشاهد على التراث الصناعي للمنطقة.
معمل الحرير التاريخي
في قلب بلدة مشتى الحلو، كان ينبض معمل للحرير يُعدّ من أقدم وأهم المعامل في الشرق الأوسط، والذي أُسس عام 1855 وبدأ المعمل رحلته الإنتاجية بـ 40 دولابًا لحلّ الشرانق، وكان يشغّل نحو 400 عامل وعاملة أغلبهم من النساء، بإدارة السيد “ديلوم” الذي أرسلته شركة فرنسية خصيصًا للإشراف على العمل.
لم يقتصر دور المعمل على مشتى الحلو فحسب، بل كان يستقبل الشرانق من مناطق واسعة كـوادي العيون، القدموس، ريف مصياف، قرى عكار، والدريكيش، ما جعله مركزًا إنتاجيًا نشِطًا ذا امتداد واسع، وقد اشتهر بإنتاج خيوط حرير عالية الجودة يصل ثخنها إلى 7/8، وهي من أفضل أنواع الخيوط المستخدمة في صناعة المظلات وأشرعة السفن.
ورغم أن المعمل توقف عن العمل بعد جلاء الفرنسيين عن سوريا، إلا أن عبق تاريخه ما زال حيًّا في ذاكرة أهل البلدة، وقد أُعيد إحياء هذا الإرث من خلال مهرجان سنوي يحمل اسم “عيد الحريرة والكركة”، يحتفي بتراث مشتى الحلو العريق في تربية دودة القز وصناعة الحرير.
وبالإضافة إلى هذه المعالم، تُحيط ببلدة ومصيف مشتى الحلو مواقع تاريخية أخرى مثل برج صافيتا وقلعة الحصن وقلعة مصياف، مما يجعلها نقطة انطلاق مثالية لاستكشاف التراث الغني للمنطقة.

اقرأ أكثر عن: قلعة مصياف
المنتجعات السياحية والمطاعم في مصيف مشتى الحلو
تُعتبر بلدة ومصيف مشتى الحلو من أبرز الوجهات السياحية في سوريا، حيث تجمع بين جمال الطبيعة وتوافر المنشآت السياحية المتنوعة، وفيما يلي أبرز المنتجعات، الفنادق، والمطاعم في البلدة:
منتجع مشتى الحلو السياحي
يُعد من أبرز المنشآت السياحية في المنطقة، حيث أُعيد افتتاحه في سبتمبر 2023 بعد إعادة تأهيله بالتعاون بين وزارة السياحة والقطاع الخاص، ويمتد المنتجع على مساحة 25,000 متر مربع، ويضم 66 شاليهًا، 30 غرفة، و8 أجنحة، بالإضافة إلى ملاعب، مطاعم، ومسابح، كما يوفر المنتجع حاليًا حوالي 150 فرصة عمل تزداد إلى 300 فرصة خلال ذروة الموسم السياحي.
فندق بانوراما المشتى
يقع على الطريق الغربي لبلدة ومصيف مشتى الحلو، ويتميز بموقعه المطل على الوادي، ويبعد الفندق حوالي 300 متر عن الحديقة المحلية، مما يوفر للضيوف سهولة الوصول إلى المناطق الطبيعية والترفيهية القريبة، ويضم 52 غرفة وجناحًا، كما أنه مجهز بمرافق مثل التكييف والتلفاز، ويضم كذلك مطعم “الأحلام الصيفي” الذي يتسع لأكثر من 500 شخص، ومطعم “فينيسيا” الذي يقدم وجبات في جميع الفصول ويتسع لأكثر من 300 شخص.
فندق الكرم
يقع فندق الكرم عند المدخل الشرقي لبلدة ومصيف مشتى الحلو، ويتميز بإطلالة ساحرة على البساتين المحيطة، كما يضم مطعمًا يقدم وجبات متنوعة ويقيم حفلات مميزة بشكل دائم، وبالإضافة إلى ذلك يُقدّم الفندق مسبحًا خارجيًا يُعاد افتتاحه سنويًا خلال موسم الصيف.
فندق مونتانا
يقع فندق مونتانا عند المدخل الغربي للبلدة، ويضم أجنحة فندقية، مطعم، كافتيريا، وصالة ألعاب، بالإضافة إلى تجهيزات ترفيهية للأطفال.
مطعم زهرة التوليب
حصل مطعم على رخصة تأهيل سياحي في فبراير 2021، ويعتبر من المطاعم من فئة نجمتين، يقع في بلدة مشتى تبلغ كلفته الاستثمارية 300 مليون ليرة سورية، بطاقة استيعابية 60 كرسي إطعام و15 طاولة، ويوفر فرص عمل عديدة لخريجي المعاهد الفندقية.
كما يقدم المطعم مجموعة متنوعة من المأكولات الشرقية والغربية، بالإضافة إلى الأسماك البحرية والبيتزا، ويقع في نهاية نزلة منتجع مشتى الحلو، ويوفر خدمة التوصيل المجاني للمنازل.
مطعم رأس النبع
يُعتبر مطعم رأس النبع من المنتزهات والمطاعم الشهيرة في بلدة ومصيف مشتى الحلو، حيث يقدم مجموعة متنوعة من الأطباق المحلية ويتميز بجلساته الخارجية المطلة على الطبيعة.
مطعم نبع العروس
يقع مطعم نبع العروس بالقرب من أحد الينابيع الشهيرة في المنطقة، ويُقدم تجربة طعام فريدة بجوار المياه الجارية.
وبالإضافة إلى كل ما ذكرناه توجد أيضًا العديد من المطاعم والفنادق والمنتجعات ولعل أبرز المطاعم غير التي ذكرناها هي مطعم ومقهى “ليالينا” الذي يُوفر أجواء مميزة للزوار مع تقديم المشروبات والحلويات الشرقية، بالإضافة إلى مقهى “كان ياما كان” الذي يتميز بديكوره التراثي، كما يقدم تجربة مميزة للزوار الباحثين عن الأجواء التقليدية، فضلًا عن مطعم ومنتجع “جنة ورد” الذي تم افتتاحه مؤخرًا.
ويحرى بنا التطرق إلى أجمل المواقع السياحية في مصيف مشتى الحلو ألا وهو ملتقى النهرين، حيث يقع ملتقى النهرين في قلب الطبيعة الساحرة، على بُعد حوالي 4 كيلومترات من البلدة و18 كيلومترًا من مدينة صافيتا، ويشتهر هذا المكان بتلاقي نهرين وسط غابة من الأشجار الكثيفة، ما يضفي عليه جمالًا فريدًا وهدوءًا يجذب الزوار من مختلف المناطق. يُعد الملتقى وجهة مثالية لمحبي الاسترخاء في أحضان الطبيعة، حيث تنتشر الجلسات على ضفاف النهر وترافق الزائر أصوات المياه العذبة وهي تنساب بين الصخور.


اقرأ أكثر عن: السياحة في الكفرون: جنة المصايف الجبلية في سوريا
وليس ببعيد كذلك عن بلدة ومصيف مشتى الحلو استضافتها للعديد من الفعاليات والمهرجانات التي تعزز السياحة في المنطقة مثل مهرجان دلبة مشتى الحلو للثقافة والفنون وهو فعالية ثقافية سنوية تُقام في مصيف مشتى الحلو، حيث تأسس المهرجان في عام 2012، ويُقام عادةً في ساحة الدلبة تحت شجرة الدلب الكبيرة التي تُعتبر رمزًا للمحبة والحياة والأمل والتجدد، ويتضمن المهرجان مجموعة متنوعة من الأنشطة الثقافية والفنية، مثل العروض الموسيقية، والمعارض التشكيلية، وورش العمل، وعروض منتجات الحرير الطبيعي، بالإضافة إلى أنشطة رياضية. في الدورة الحادية عشرة للمهرجان، التي أُقيمت في يوليو 2023 تحت عنوان “صدى التوت والحرير”، تم عرض منتجات الحرير الطبيعي، وتقديم عرض حي لتربية دودة القز بالتعاون مع مديرية التراث اللامادي في وزارة الثقافة.

في الختام، تبقى بلدة ومصيف مشتى الحلو وجهةً سياحيةً متكاملة تجمع بين سحر الطبيعة، وعبق التاريخ، ودفء الضيافة، فبين غاباتها الخضراء وهوائها النقي وكنوزها الأثرية وتراثها العريق، يجد الزائر فيها ملاذًا هادئًا ومتنفسًا روحيًا لا يُنسى.










