بوابة سوريا

متحف حلب الوطني: كنز حضاري يروي تاريخ سوريا العريق

متحف حلب الوطني

يُعد متحف حلب الوطني أحد أبرز الصروح الثقافية والتاريخية في سوريا وشاهدًا حيًا على عراقة الحضارات التي تعاقبت على هذه الأرض الطيبة، حيث يضم المتحف بين جنباته كنوزًا أثرية لا تقدر بثمن تحكي قصصًا من آلاف السنين بدءًا من عصور ما قبل التاريخ وصولًا إلى الفترات الإسلامية الحديثة.

إن زيارة هذا المتحف هي رحلة عبر الزمن تتيح للزائر فرصة استكشاف التنوع الحضاري والفني الذي يميز سوريا وتحديدًا مدينة حلب، التي كانت ولا تزال مركزًا للإشعاع الثقافي والحضاري.

أكمل معنا هذا المقال لتتعرف أكثر على تفاصيل هذا المتحف…

الموقع الجغرافي لـ متحف حلب الوطني

تأسس متحف حلب الوطني عام 1931م في قلب المدينة الحديثة بحلب، حيث اختير موقعه بعناية على الطرف الغربي للمدينة القديمة ليكون نقطة وصل بين التراث التاريخي والنسيج العمراني الحديث.

ويتموضع المتحف بمحاذاة الحديقة العامة الكبرى مقابل فندق الشيراتون وبالقرب من ساحة سعد الله الجابري وشارع بارون التاريخي، كما يجاوره من الشمال شارع فيصل التجاري ومن الجنوب نهر قويق.

علمًا أن هذا التموضع إلى جانب تاريخه الممتد منذ أوائل القرن العشرين جعله مؤسسة ثقافية مركزية تجمع بين الطابع الأكاديمي البحثي والدور الحضاري في صون التراث السوري.

متحف حلب الوطني

اقرأ أيضًا: المتحف الوطني في حماة: جسر بين التاريخ والتراث الشعبي

تاريخ متحف حلب الوطني

تعود جذور متحف حلب الوطني إلى بدايات القرن العشرين إذ بدأت تتشكل نواته الأولى خلال فترة الانتداب الفرنسي عبر جمع بعض المكتشفات الأثرية من مواقع شمال سوريا، ولا سيما من تل حلف وتل أحمر، وفي عام 1931 افتُتح المتحف رسميًا في مدينة حلب واتخذ من قصر عثماني صغير مقرًا له رغم أن هذا المبنى لم يكن مؤهلًا من حيث المساحة أو التصميم، ليكون متحفًا بالمعايير الحديثة.

ركّزت مجموعاته الأولى على عرض آثار العصور القديمة السابقة للفترة اليونانية–الرومانية، مما جعله مرجعًا مهمًا لدراسة حضارات شمال سوريا قبل التأثيرات الهلنستية.

ومع تزايد الاكتشافات الأثرية في منطقة الجزيرة والفرات بدا واضحًا أن المبنى المؤقت لم يعد قادرًا على استيعاب المقتنيات المتنامية فتم اتخاذ قرار عام 1966 بهدمه والشروع في إنشاء مبنى جديد.

وقد جرى العمل على هذا المشروع بين عامي 1966 و1967 ليُفتتح المقر الحديث أخيرًا عام 1972 بوصفه مؤسسة متحفية متكاملة، تضم قاعات عرض واسعة ومختبرات للترميم ومكتبة متخصصة، لتغدو رسالة المتحف أكثر شمولية تجمع بين الحفظ والبحث والعرض في آن واحد.

متحف حلب الوطني

اقرأ أيضا: قصر العظم في دمشق

الهيكل العام لمتحف حلب الوطني وأقسامه الرئيسية

يتّبع متحف حلب الوطني هيكلًا معماريًا وتنظيميًا يراعي التتابع الزمني والحضاري للمقتنيات المحلية، مما يساعد الزائر على تتبّع تطور الحضارات التي نشأت في شمال سوريا عبر مختلف العصور.

ويتكون المبنى من طابقين رئيسيين يشمل كلّ منهما أجنحة عرض متخصصة، بالإضافة إلى باحتين داخلية وخارجية لعرض القطع الأثرية الضخمة وفرص الاستكشاف المفتوح.

الطابق الأرضي ينقسم إلى جناحين أساسيين وهما جناح آثار ما قبل التاريخ، حيث يُشكّل هذا الجناح مدخلًا إلى أقدم فترات التاريخ الإنساني في المنطقة، ويعرض أدوات حجرية عظامًا متحجرة وأجزاء من مستوطنات بشرية، أبرزها نموذج مأوى من موقع مُرَيْبَت يعود إلى حوالي 8500 ق.م، وهو أقدم دليل على الاستيطان الحضري في سوريا.

والجناح الثاني في متحف حلب الوطني فهو للحضارات السورية القديمة (الشرق القديم)، ويشمل هذا الجناح معروضات أثرية من حضارات العصور البرونزية والحديدية في سوريا موزعة عبر مجموعة من القاعات المخصصة لكل منطقة جغرافية مثل تلال الجزيرة ماري حماة، أوغاريت، تل حلف أرسلان طاش، تل أحمر، وقلعة إيبلا، بالإضافة إلى قاعة مستقلة للتماثيل والنصوص المسمارية.

تسعى هذه القاعات إلى تقديم عرض زمني ومنطقي لتاريخ شمال سوريا عبر نحو 20,000 قطعة أثرية.

الطابق العلوي يضم ثلاثة أجنحة متخصصة:

جناح الآثار الكلاسيكية في متحف حلب الوطني يعرض آثارًا من العصور اليونانية والهيلينستية والرومانية والبيزنطية، بما في ذلك أدوات فخارية نقود خزفيات زجاجيات وموزاييك، ومن أبرز معروضاته منحوتات جنائزية من منبج وفسيفساء زجاجية.

وجناح التاريخ العربي الإسلامي الذي حتوى على مقتنيات تشمل النقود الإسلامية من عصور الأموية إلى المملوكية المخطوطات أوانٍ فخارية وزجاجية، بالإضافة إلى قبر إسلامي من القرن الثاني عشر، وأسطرلاب من نفس الحقبة.

وبالإضافة إلى ما سبق لدينا جناح الفن الحديث، وهو مخصّص للفن المعاصر يضم لوحات وتماثيل لفنانين سوريين، إلى جانب نموذج مصغر للمدينة القديمة وأرضية فسيفسائية من القرن السادس الميلادي (فسيفساء صرين).

الباحات (الساحة الداخلية والخارجية):

الباحة الداخلية: تحتوي على تماثيل بازلتية ضخمة لشخصيات من الحضارة الحيثية والرومانية، بالإضافة إلى فسيفساء كبيرة من القرن الثالث الميلادي.

الباحة الخارجية: تُعرض فيها آثار أثرية ضخمة ومونومنتات تصل إلى فترات آرمية وبيزنطية وإسلامية، أبرزها الحجر البازلتي الذي يصوّر رجلين مجنحين حول الشمس والقمر، والذي ينتمي إلى المعبد الحثّي في قلعة حلب (القرن التاسع ق.م).

متحف حلب الوطني

ختامًا يُعد متحف حلب الوطني بمثابة سجل حي لتاريخ الحضارات التي ازدهرت في سوريا من خلال أقسامه المتنوعة، يُقدم المتحف رحلة شاملة عبر العصور من فجر التاريخ وحتى الفن الحديث، حيث إن كل جناح في المتحف يروي قصة فريدة ويُسلط الضوء على جانب من جوانب التراث الثقافي الغني للمنطقة

ومما لا شك فيه أن زيارة هذا المتحف ليست مجرد جولة في قاعات عرض، بل هي تجربة تعليمية وثقافية عميقة تُعزز فهمنا للتاريخ الإنساني وتُقدر الإبداع البشري عبر العصور.

السابق
بيت السحيمي جوهرة التراث المصري بالقاهرة
التالي
“رجال في الشمس” – غسان كنفاني