بوابة سوريا

كنيسة المشبك: تحفة معمارية صامدة في قلب سوريا

كنيسة المشبك

تُعد كنيسة المشبك المعروفة أيضًا باسم كنيسة ملقبيس بالسريانية واحدة من أبرز المعالم الأثرية في سوريا، وشاهدًا حيًا على عراقة التاريخ المسيحي في المنطقة.

حيث تقع هذه الكنيسة القديمة في منطقة جبل سمعان بمحافظة حلب، على بعد حوالي 28 كيلومترًا غرب مدينة حلب، وتتربع ضمن تجمع أثري واسع يُعرف باسم “المدن المنسية”، ويعود تاريخ بناء هذه الكنيسة إلى القرن الخامس الميلادي وتحديدًا حوالي عام 470 ميلادي، مما يجعلها إحدى أقدم الكنائس البيزنطية وأكثرها حفظًا في سوريا.

صُممت الكنيسة بطريقة فريدة لتقاوم الهزات الأرضية التي كانت شائعة في منطقة أنطاكية آنذاك، وهو ما أكسبها اسمها “المشبك” دلالة على تماسك حجارتها وتشابكها الذي ضمن لها الصمود عبر القرون في وجه الكوارث الطبيعية والحروب.

تاريخ وموقع كنيسة المشبك

يعود تاريخ بناء كنيسة المشبك إلى النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي، حوالي عام 470 ميلادي في فترة كانت فيها المنطقة جزءًا من الإمبراطورية البيزنطية، هذا التاريخ المبكر يجعلها واحدة من أقدم الكنائس المسيحية في سوريا، وشاهدًا على انتشار المسيحية وتطورها المعماري في تلك الحقبة.

حيث تقع الكنيسة في موقع استراتيجي على هضبة مرتفعة إلى الغرب من مدينة حلب على بعد حوالي 28 كيلومترًا منها، هذا الموقع لم يكن عشوائيًا فقد بنيت الكنيسة على الطريق المؤدية إلى معبد سمعان العمودي الذي كان مقصدًا للحجاج في ذلك الوقت، مما يشير إلى دورها كمحطة دينية مهمة على طريق الحج.

وتُعرف المنطقة المحيطة بالكنيسة بـ “المدن المنسية”، وهي مجموعة من المستوطنات القديمة التي ازدهرت في العصور البيزنطية ثم هُجرت تدريجيًا، وقد تم إدراج كنيسة المشبك إلى جانب هذه المدن في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2011، تقديرًا لقيمتها التاريخية والمعمارية الاستثنائية ولصمودها كنموذج فريد للعمارة البيزنطية في المنطقة.

كنيسة المشبك

أقرأ أيضًا: مدينة سرجيلا الميتة: شاهد على حضارة سورية عريقة

سبب التسمية

يُعزى اسم “المشبك” الذي أُطلق على الكنيسة إلى طريقة بنائها الفريدة التي اعتمدها المهندس المعماري لمواجهة التحديات الطبيعية في المنطقة، حيث كانت أراضي أنطاكية التي تقع كنيسة المشبك ضمن نطاقها الجغرافي الأوسع تشهد هزات أرضية وزلازل متكررة.

لذلك صمم المهندس الكنيسة باستخدام حجارة كلسية صلبة تم تشبيكها وتثبيتها بطريقة محكمة للغاية، مما أدى إلى تماسك البناء وقدرته على الصمود في وجه هذه الكوارث الطبيعية.

هذه التقنية المعمارية المبتكرة لم تضمن فقط بقاء الكنيسة لقرون طويلة بل أصبحت أيضًا جزءًا من هويتها، حيث يعكس اسمها “المشبك” هذا الإنجاز الهندسي الذي يجمع بين المتانة والجمال.

كنيسة المشبك

اقرأ أيضًا: قلعة نجم: حارسة الفرات التي تحدت الغزاة والزمن

الوصف المعماري والتصميم الداخلي

تُعد كنيسة المشبك مثالًا رائعًا على فن العمارة البيزنطية في شمال سوريا وتتميز بتصميمها الذي يجمع بين المتانة والجمال والوظيفة الدينية، حيث بُنيت الكنيسة بالكامل من حجارة كلسية صلبة تم نحتها وتشكيلها بدقة وتشبيكها بطريقة تضمن لها مقاومة العوامل الطبيعية والبشرية على مر العصور.

وينقسم التصميم الداخلي للكنيسة إلى ثلاث أسواق (أروقة)، وهو تصميم شائع في الكنائس البازيليكية السوق الأوسط، وهو الأكبر والأكثر اتساعًا كان مخصصًا للرجال بينما خُصص السوقان الجانبيان للنساء.

هذا التوزيع يعكس التنظيم الاجتماعي والديني للمصلين في تلك الحقبة يرتكز سقف الكنيسة على عشرة أعمدة ضخمة خمسة على كل جانب، وتتصل هذه الأعمدة ببعضها البعض بواسطة قناطر حجرية أنيقة كل عمود من هذه الأعمدة نُحت من قطعة واحدة من الحجر.

كما كان السقف الأصلي لـ كنيسة المشبك مصنوعًا من الخشب ومغطى بقطع القرميد الحمراء، وهو ما كان شائعًا في بناء الكنائس والبيوت في المنطقة الساحلية السورية في تلك الفترة.

كنيسة المشبك

اقرأ أيضًا: في حضرة الزهد… دير القديس سمعان العمودي كما لم تعرفه من قبل

المذبح والمظهر الخارجي لـ كنيسة المشبك

يقع المذبح في الجزء الشرقي من كنيسة المشبك وهو مبني فوق مائدة مربعة الشكل، ويعلو المذبح قبة صغيرة تم فتح نافذتين فيها لتوفير الإضاءة الطبيعية للمذبح وللكنيسة بشكل عام.

كما تتميز الكنيسة بوجود عدد كبير من الشبابيك والنوافذ، مما يعكس الرغبة في توفير أقصى قدر من النور الساطع داخل الكنيسة أثناء الصلاة وهو عنصر مهم في الطقوس المسيحية.

من الخارج تتميز كنيسة المشبك بواجهاتها المزخرفة والمصممة بعناية تحتوي الواجهة الجنوبية على بابين لكل منهما نافذة خاصة به.

أما الواجهة الشمالية فتضم بابًا مزخرفًا بنجمة وتحيط به نافذتان من كل جانب الباب الرئيسي للكنيسة كان يقع في الواجهة الغربية، وكان يتميز بنجمة فريدة تحتوي على ثلاثة أقراص يحمل كل منها إشارة الصليب على جانبي هذه النجمة رُسمت شجرة على الطرف الأيسر ورمز لأحد النساك العموديين على الطرف الأيمن، مما يضيف بعدًا رمزيًا وفنيًا للمدخل الرئيسي.

كما تتميز الواجهة الغربية بوجود صفين من النوافذ يتكون كل صف من ثلاث نوافذ ترمز إلى الأقانيم الثلاثة في العقيدة المسيحية، وينتهي الصف العلوي من هذه النوافذ بنصف دائرة وهي سمة معمارية مميزة لكنائس النصف الأول من القرن الخامس الميلادي، مما يؤكد تاريخ بناء الكنيسة وأصالتها.

سوريا

ختامًا، تشكل كنيسة المشبك واحدة من أروع الشواهد على عبقرية العمارة البيزنطية وصمود التراث السوري في وجه الزمن، فهي ليست مجرد مبنى حجري قديم بل ذاكرة حية تحكي قصة إيمان وفن وحضارة امتدت لأكثر من خمسة عشر قرنًا، ورغم ما تعانيه اليوم من الإهمال يبقى الأمل قائمًا بأن تُرمم وتعود لتأخذ مكانها المستحق كمنارة ثقافية وروحية، تذكّر الأجيال القادمة بأن الإرث الإنساني مسؤولية مشتركة لا يجوز التفريط بها.

السابق
“أنت قوة مذهلة” – جين سينسيرو
التالي
جسمك يتذكر كل شيء