تقف قلعة القدموس شامخة على صخرة طبيعية عالية في قلب الجبال الساحلية السورية، شاهدة على تاريخ حافل بالأحداث والصراعات، تقع القلعة في بلدة القدموس التابعة لمحافظة طرطوس على بعد حوالي 70 كيلومترًا شمال شرق مدينة طرطوس، حيث إنها لم تكن مجرد حصن عسكري بل كانت مركزًا سياسيًا ودينيًا بالغ الأهمية خصوصًا خلال فترة سيطرة النزاريين، حيث أصبحت أحد مقراتهم الرئيسية في بلاد الشام.
أكمل معنا هذا المقال لتتعرف على تاريخ القلعة وأهميتها الاستراتيجية ووصف بنيتها المعمارية واستعراض وضعها الراهن.
الأهمية الجغرافية والاستراتيجية
بُنيت قلعة القدموس على مرتفع صخري طبيعي معزول عما يحيط به ويرتفع حوالي 1000 متر عن سطح البحر، هذا الموقع الفريد منحها حصانة طبيعية استثنائية وجعل السيطرة عليها أمرًا صعبًا.
كما أتاح لها موقعها المتوسط على الطريق الواصل بين بانياس ومصياف التحكم في الممرات الجبلية الحيوية والإشراف على مناطق واسعة من حولها، مما أكسبها دورًا استراتيجيًا بارزًا في مراقبة الطرق التجارية والعسكرية.
اقرأ أيضًا: قلعة شيزر
ترتبط تسمية “القدموس” بأسطورة فينيقية قديمة عن الملك “قدموس” الذي يُقال إنه انطلق من هذه المنطقة إلى اليونان ونشر فيها الأبجدية، كما تشير بعض الروايات إلى أن الموقع كان معبدًا فينيقيًا قبل أن يتحول إلى قلعة في العهد الروماني.
ويعود تاريخ البناء الأساسي للقلعة بصيغتها الحصينة إلى القرن الحادي عشر الميلادي على يد المسلمين، حيث شكلت سيطرة الإسماعيليين على القلعة نقطة تحول في تاريخها.
ففي عام 1131 م (525 هـ) باعها “عبد الملك بن عمرون الدمشقي” للداعية “أبي الفتح” لتصبح القلعة مركزًا مهمًا في الشام، وازدادت أهميتها في عهد “راشد الدين سنان” المعروف بـ “شيخ الجبل” الذي يُعتقد أنه اتخذ من القلعة مكانًا للإقامة والتعبد والتخطيط.
وخلال فترة الحروب الصليبية تنازعت القوى المحلية والفرنجة على القلعة وقد احتلها الصليبيون لفترة وجيزة عام 1195م.
لاحقًا فرض عليها السلطان المملوكي الظاهر بيبرس ضرائب باهظة وعيّن عليها حاكمًا من قبله مما قلص من نفوذ الإسماعيليين.
ثم خضعت قلعة القدموس للحكم العثماني في عام 1517م، وفي عام 1838م تعرضت القلعة للتدمير على يد قوات إبراهيم باشا، مما أدى إلى تهدم أجزاء كبيرة من أسوارها وتحصيناتها.

الوصف المعماري والبقايا الأثرية
ما يميز قلعة القدموس هو أنها تتكون أساسًا من صخرة طبيعية تم تحصينها لم يتبقَ من القلعة اليوم سوى أجزاء قليلة أبرزها البوابة الرئيسية، بالاضافة إلى أجزاء متهدمة من السور المحيط بالقلعة.
كما يوجد على سطح القلعة بئران قديمان محفوران في الصخر لجمع مياه الأمطار لالإضافة إلى بناء حجري قديم ذو مدخل عقدي يُعرف محليًا بـ “مقام سنان”، ويُعتقد أنه كان مكان إقامة راشد الدين سنان، يتألف من ثلاثة أروقة ذات سقوف عقدية.
وعلى سفوح قلعة القدموس يوجد بناءان قديمان هما جامع وحمام أثري وقد تأثر الجامع المعروف بجامع “حسن جلال الدين” وتصدعت مئذنته بفعل زلزال عام 2023، الذي أدى إلى حدوث انهيارات صخرية جزئية في الجرف الحامل للقلعة وتصدعات في بعض الأبنية الأثرية المجاورة مما يزيد من خطورة وضعها.

اقرأ أيضًا: مدينة أفاميا الأثرية… مدينة الأعمدة الخالدة وسحر التاريخ
ختامًا، تمثل قلعة القدموس نموذجًا فريدًا للقلاع الجبلية التي جمعت بين الحصانة الطبيعية والأهمية الاستراتيجية والدور الديني والسياسي، وعلى الرغم من الدمار الذي لحق بها عبر العصور فإن ما تبقى من أطلالها لا يزال يروي قصة تاريخ غني ومعقد من الأساطير الفينيقية إلى كونها معقلًا من أهم معاقل النزاريين في العصور الوسطى.