تقف قلعة الخوابي شامخة كشاهد على تاريخ عريق وحضارات متعاقبة مرت على الأراضي السورية، حيث تقع هذه القلعة الأثرية في محافظة طرطوس وتحديدًا في منطقة الشيخ بدر على بعد حوالي 20 كيلومترًا شمال شرق مدينة طرطوس.
وتتميز القلعة بموقعها الاستراتيجي الحصين وسط سلسلة الجبال الساحلية محاطة بالوديان العميقة مما جعلها مركزًا عسكريًا مهمًا عبر العصور.
أصل تسمية قلعة الخوابي والموقع
تتعدد الروايات حول أصل تسمية الخوابي، حيث يُعتقد أن الاسم مشتق من “الخابية” وهي الجرار الفخارية الكبيرة التي كانت تستخدم لتخزين الماء والزيت، والتي وُجدت بكثرة في القلعة.
كما ورد في مصادر أخرى اسم “الجوابي” وهي كلمة آرامية تعني مكان الحفظ والتخزين، مما يؤكد على وظيفتها التخزينية والاستراتيجية، حيث تقع القلعة على ارتفاع استراتيجي وإن كان أقل من قمم الجبال المحيطة بها، مما يوفر لها حماية طبيعية.
كما يبلغ طولها حوالي 350 مترًا وعرضها 200 متر، ويمكن الوصول إليها عبر مدخل وحيد من الجهة الشرقية من خلال درج حجري، وهو تصميم دفاعي شائع في قلاع تلك الفترة.

اقرأ أيضًا: قلعة القدموس: دراسة تاريخية ومعمارية لأحد أهم الحصون في سوريا
التاريخ والأهمية الاستراتيجية
يعود تاريخ بناء قلعة الخوابي إلى القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين (القرن الرابع والخامس الهجري)، وقد مرت القلعة بمراحل تاريخية مفصلية جعلتها من أهم القلاع الإسماعيلية في سوريا:
ففي الفترة المبكرة والتسليم للصليبيين كانت القلعة في البداية بحوزة محمد بن علي بن حامد، الذي سلمها للصليبيين حوالي عام 1109م، ثم سيطر الإسماعيليون النزاريون على عدة حصون في جبال الساحل في عام 1140م، من ضمنها الخوابي وأصبحت جزءًا مما عُرف بـ “قلاع الدعوة”.
كما قام القائد الإسماعيلي الشهير رشيد الدين سنان (المعروف بشيخ الجبل) بتجديد بناء القلعة وتحصينها في عام 1160م، مما زاد من منعتها وأهميتها العسكرية.
وفي عام 1213م حاصرها بوهيموند الثاني أمير أنطاكية ثأرًا لمقتل ابنه على يد الإسماعيليين، ولكن الحصار رُفع بوساطة من الظاهر غازي أمير حلب.
ومع ضعف قوة الإسماعيليين بسبب الخلافات الداخلية استولى السلطان المملوكي الظاهر بيبرس على القلعة وباقي قلاع الدعوة حوالي عام 1273م، لتنتقل السيطرة عليها إلى المماليك، وفي العصر العثماني أصبحت القلعة مركزًا لناحية الخوابي التابعة لسنجق طرابلس.

اقرأ أيضًا: الجامع العمري في درعا… أحد أقدم جوامع بلاد الشام
الوصف المعماري لـ قلعة الخوابي
تُعتبر قلعة الخوابي نموذجًا شبه متكامل للقلعة الإسماعيلية، وتتميز بتصميمها العسكري الفريد الذي استغل التضاريس الصعبة لصالحها.
حيث تنقسم القلعة بشكل أساسي إلى حارتين: حارة سنان راشد الدين التي تقع في الجزء العلوي من القلعة، وكانت تضم مركز القيادة وعلى الرغم من أن الكثير من معالمها الأصلية قد تأثرت ببناء مساكن حديثة في القرن العشرين، إلا أنها لا تزال تحتفظ ببعض الأقبية ومرابط الخيل ومسجد تم تجديده في العهد العثماني.
حارة السقي: هذا الجزء من القلعة لم يتبق منه سوى أطلال لبيوت سكنية قديمة، حيث كانت القلعة مصممة للصمود أمام الحصارات الطويلة وكانت أنظمة تجميع المياه والإمدادات الغذائية متطورة للغاية، كما أن وجود مدخل وحيد محصن وسلالم ضيقة يزيد من صعوبة اقتحامها
وعلى الرغم من أهميتها التاريخية عانت القلعة من الإهمال وتأثرت أجزاء منها بالبناء السكني الحديث الذي أقيم داخل أسوارها، مما أدى إلى طمس الكثير من معالمها الأثرية.
وفي السنوات الأخيرة قامت دائرة آثار طرطوس ببعض أعمال الصيانة والترميم التي شملت السور الخارجي وبرج البوابة الرئيسي والدرج، بالإضافة إلى تدعيم بعض الكتل الصخرية.

ختامًا، تمثل قلعة الخوابي إرثًا تاريخيا ومعمارياً لا يقدر بثمن، فهي ليست مجرد حصن عسكري، بل هي سجل حي لتاريخ الطائفة الإسماعيلية في سوريا والصراعات التي شهدتها المنطقة خلال العصور الوسطى، إن الحفاظ على ما تبقى من هذه القلعة وترميمها بشكل علمي هو ضرورة ملحة لاستعادة بريقها كجوهرة من جواهر التراث السوري.