يقع خان أسعد باشا العظم دمشق في قلب المدينة القديمة داخل أسوار العاصمة السورية، ويتميّز بموقعه المحوري في سوق البزورية، أحد أعرق أسواق دمشق التاريخية.
يبعد الخان خطوات قليلة عن الجامع الأموي من الجهة الجنوبية الشرقية، وتحيط به معالم أثرية بارزة مثل المدرسة التنكزية وحمّام نور الدين شمالًا وسوق الورق جنوبًا، وزقاق نزل معاوية شرقًا، ما يمنحه موقعًا استراتيجيًا ضمن النسيج العمراني القديم.
أُنشئ خان أسعد باشا العظم دمشق في القرن الثامن عشر ليكون محطة رئيسية لاستقبال القوافل التجارية القادمة من مختلف المدن الكبرى، مثل بغداد، حلب، وبيروت، مما عزز من دوره الاقتصادي في المدينة.
وقد بُني على مقربة من قصر العظم، ما يعكس أهمية هذا الموقع في خطط التوسع العمراني والإداري في دمشق خلال الحكم العثماني.
اليوم يُعد خان أسعد باشا العظم دمشق من أبرز المعالم السياحية والثقافية، حيث يجمع بين القيمة التاريخية والموقع الجغرافي المميز الذي يجسّد عراقة مدينة دمشق القديمة وعبق تجارتها وتاريخها المعماري.

اقرأ أيضًا: قلعة شيزر
تاريخ التأسيس والبناء
تأسس خان اسعد باشا العظم دمشق في منتصف القرن الثامن عشر بأمر من والي دمشق العثماني أسعد باشا العظم، الذي حكم بين عامي 1743 و1757م و الذي عُرف برؤيته العمرانية الطموحة وسعيه لتطوير البنية التحتية في المدينة.
جاء إنشاء الخان في زمن كانت فيه دمشق تُعدّ محطة محورية على طرق التجارة بين الشرق والغرب، وقد أراد الوالي من خلال هذا المشروع أن يؤسس مركزًا تجاريًا متكاملًا يستقبل القوافل والتجار ويوفر لهم الراحة والحماية وسط قلب المدينة القديمة.
حيث بدأ بناء خان أسعد باشا العظم دمشق في شتاء عام 1751م، واستغرق العمل فيه حوالي 14 شهرًا فقط ليُفتتح في أواخر أكتوبر 1753م، مما يجعله واحدًا من أسرع المشاريع العمرانية في تلك الحقبة.
يقع خان أسعد باشا العظم في سوق البزورية بدمشق القديمة، وقد بُني على أنقاض قيساريتين ومبانٍ مملوكية قديمة، مساحته تقارب 2500 متر مربع، حيث يتميز بتصميم معماري فريد يعتمد على نظام الأبلق الدمشقي مع تسعة أقسام مغطاة بقباب ضخمة، تتوسطها باحة مركزية كبيرة مغطاة بقبة مثمنة الشكل.
شُيد الخان ليكون مركزًا تجاريًا واستراحة للقوافل التي كانت تمر بدمشق، واستقبل التجار والمسافرين القادمين من بغداد وحلب وبيروت، مما عزز مكانة دمشق كعاصمة تجارية إقليمية في العهد العثماني.
لم يكن خان أسعد باشا العظم دمشق مجرد مكان لتخزين البضائع، بل ضم أيضًا غرف إقامة، مسجدًا صغيرًا، ومساحات للإسطبلات، مما جعل منه مجتمعًا متكاملاً لخدمة التجار.
ومع مرور الزمن، أصبح خان أسعد باشا العظم دمشق من أبرز المعالم التاريخية التي توثق فصولًا مهمّة من تاريخ المدينة، وحافظ على مكانته كأحد أجمل الخانات العثمانية في بلاد الشام وأكثرها اكتمالًا من حيث الطراز والتخطيط
بعد زلزال 1759م الذي أدى إلى تدمير أجزاء منه، تعرض الخان لتغيرات وتحويلات متعددة حتى أُدرج ضمن المواقع الأثرية التي خضعت للترميم في القرن العشرين،
ليصبح اليوم رمزًا بارزًا من رموز التراث المعماري والتجاري في دمشق القديمة.اليوم، يُستخدم خان أسعد باشا كـسوق سياحي للصناعات التقليدية، كما يُقام فيه العديد من المعارض الفنية والتراثية، ليكون شاهدا حيا على عراقة دمشق وتاريخها التجاري الزاخر.

اقرأ أيضًا: سد الدريكيش في طرطوس… الوجهة الرائعة لعشاق الطبيعة والهدوء
العمارة والتخطيط العمراني
يُعد خان أسعد باشا العظم دمشق من أبرز النماذج المعمارية التي تجسّد فخامة الطراز الدمشقي العثماني في القرن الثامن عشر، إذ بُني بتصميم هندسي متقن يعكس تطور العمارة والتخطيط العمراني في تلك الحقبة.
استخدم في بنائه نمط “الأبلق الدمشقي” الذي يجمع بين الأحجار البيضاء والسوداء بتناغم زخرفي فني، إلى جانب تفاصيل الأرابيسك التي تزيّن المداخل والنوافذ والمقرنصات.
يتألف خان أسعد باشا العظم دمشق من طابقين يحيطان بفناء داخلي واسع تتوسطه بركة مثمنة الشكل، لا تُضفي فقط بعدًا جماليًا، بل تسهم أيضًا في تحسين التهوية والإضاءة الطبيعية.
وقد قُسّمت المساحة إلى تسعة أقسام مربعة؛ ثمانية منها مغطاة بقباب مرتفعة موزعة بتناظر دقيق، بينما القسم التاسع مفتوح على السماء ليوفر مصدرًا مباشرًا للضوء.
في الطابق الأرضي، توزعت بين 21 إلى 23 غرفة ومخزنًا حول الباحة، استُخدمت لتخزين البضائع وعقد المعاملات التجارية، إضافة إلى مكاتب صغيرة ومسجد داخلي يقع في أحد الزوايا، ما يعكس الجانب الروحي ضمن البيئة التجارية.
كما احتوى هذا الطابق على ممرات تؤدي إلى إسطبلات خُصصت لدواب القوافل القادمة من مدن كبرى مثل بغداد، حلب، وبيروت، مما يدل على أهمية الخان كمركز حيوي للتجارة الإقليمية.
أما الطابق العلوي، خُصص لإقامة التجار والمسافرين، وضمّ أكثر من 40 غرفة مجهزة بمرافق تضمن الراحة والإقامة الطويلة.
ومن أبرز مكونات هذا الطابق “غرفة الخانجي” – وهو المشرف على الخان – التي تطل على سوق البزورية مباشرة، مما يمكّنه من مراقبة الحركة اليومية.
وتُبرز الزخارف الحجرية، والنقوش النباتية، والأسقف المزينة في هذا الطابق التمازج الفني بين الطرازين المملوكي والعثماني، ليُصبح خان أسعد باشا العظم دمشق شاهدًا خالدًا على روعة العمارة الإسلامية وعبقرية البناء الدمشقي في أوج ازدهاره.

اقرأ أيضًا: قلعة مصياف
دور خان أسعد باشا العظم دمشق اليوم
يؤدي خان أسعد باشا العظم دمشق اليوم دورًا ثقافيًا وسياحيًا بارزًا، بعد أن تحوّل من مركز تجاري للقوافل في العهد العثماني إلى واحد من أهم المعالم الأثرية في قلب دمشق القديمة.
فقد خضع الخان لعمليات ترميم دقيقة أعادت إليه رونقه المعماري، ليُفتتح أمام الزوار كموقع سياحي يعكس عبق التاريخ وروعة العمارة الدمشقية التقليدية.
يجتذب خان أسعد باشا العظم دمشق اليوم آلاف السياح سنويًا، الذين يأتون لاكتشاف تفاصيله الهندسية الفريدة، من القباب الضخمة المزخرفة، إلى الباحة الواسعة التي تتوسطها بركة ماء، مرورًا بالغرف والأروقة التي تحكي قصص التجارة والسفر في القرن الثامن عشر. كما يُستخدم الخان أحيانًا كمكان للفعاليات الثقافية والمعارض الفنية،
مما يضفي عليه طابعًا معاصرًا دون أن يفقد هويته التاريخية.وبفضل موقعه الحيوي في سوق البزورية، يشكل خان أسعد باشا العظم دمشق نقطة جذب رئيسية تربط بين التراث الدمشقي الأصيل والحياة السياحية الحديثة في المدينة.
