بوابة سوريا

حمام النحاسين حلب تحفة عمرانية في قلب المدينة العتيقة

حمام النحاسين

في زقاقٍ من أزقة حلب القديمة، حيث يتشابك عبق التاريخ مع أنفاس الحاضر، يقف حمام النحاسين حلب شاهدًا على عراقة المدينة وأصالتها.

هذا الحمام العثماني العتيق، الذي نَحت الزمن جدرانه وحَفِظَ أسراره، يُعدّ تحفة معمارية تروي قصصًا من الحياة الاجتماعية والثقافية التي عاشها أهل حلب عبر القرون.

أكمل معنا هذا المقال لتتعرف على حمام النحاسين حلب الذي يمزج بين الفن الإسلامي والهندسة العثمانية.

الموقع الجغرافي لحمام النحاسين حلب

يقع حمام النحاسين حلب في قلب مدينة حلب القديمة، داخل أسواقها التاريخية العريقة، وتحديدًا بالقرب من سوق النحاسين الذي يُعد أحد أبرز الأسواق التقليدية في المدينة.

يتميز بموقعه الاستراتيجي ضمن نسيج المدينة العمراني القديم، حيث يحيط به عدد من المعالم الأثرية والتجارية المهمة، مثل الجامع الأموي الكبير وسوق العطارين وقلعة حلب الشهيرة.

يُعتبر حمام النحاسين حلب من الحمامات العامة التقليدية (الحمامات العثمانية) التي انتشرت في المدن الإسلامية خلال العصر العثماني.

كان حمام النحاسين جزءًا من الحياة الاجتماعية في حلب، حيث كان يُستخدم للاسترخاء والاجتماعات، كما ارتبط بطقوس العناية بالجسد قبل المناسبات الدينية والاجتماعية. اليوم، يُعد من الوجهات السياحية التي تعكس تراث المدينة الحضاري،

حمام النحاسين

اقرأ أيضًا: خان أسعد باشا العظم دمشق… محطة في التاريخ السوري

التاريخ العريق لحمام النحاسين حلب

يمثل حمام النحاسين حلب تحفة معمارية نادرة تعود إلى العهد المملوكي المتأخر وبدايات العصر العثماني في بلاد الشام.

حيث يعود تاريخ بنائه إلى العقد الأول من القرن السادس عشر الميلادي (حوالي عام 1505م) في عهد السلطان المملوكي قانصوه الغوري، مع بعض المصادر التي تشير إلى اكتماله في بداية العهد العثماني بعد عام 1516م.

شُيّد الحمام بالقرب من سوق النحاسين الشهير، الذي منحه اسمه، الذي اشتهر بصناعاته المعدنية التقليدية، مما أضفى على المنطقة طابعاً اقتصاديًا واجتماعيًا مميزًا.

كما ارتبط تاريخ حمام النحاسين حلب بحياة المدينة اليومية، حيث كان مقصدًا للتجار والزوار بعد عناء العمل في الأسواق، كما احتفظ بدور اجتماعي مهم في المناسبات كالأعراس والاحتفالات الدينية.

ورغم تعرضه لأضرار خلال الأزمات الأخيرة، ظل حمام النحاسين حلب شاهدًا على التحولات التاريخية للمدينة، من العصر المملوكي إلى العثماني ثم الحديث، ورغم التحديات التي واجهها، فإن جهود الترميم تسعى للحفاظ على هذا الإرث الحضاري الفريد الذي يمثل ذاكرة حية لتاريخ حلب الغني.

حمام النحاسين

اقرأ أيضًا: مدينة أفاميا الأثرية… مدينة الأعمدة الخالدة وسحر التاريخ

العمارة والتخطيط العمراني لحمام النحاسين حلب

يُمثل حمام النحاسين حلب نموذجًا رفيعًا للعمارة الإسلامية التقليدية، حيث يتجلى في تصميمه الذكاء الهندسي والوظيفي الذي ميز الحمامات العامة في العصر المملوكي والعثماني.

تميزت عمارة حمام النحاسين حلب باستخدام الحجر البازلتي الأسود الذي تشتهر به مدينة حلب، مع قباب مزخرفة بنقوش إسلامية جميلة تسمح بدخول الضوء عبر فتحات صغيرة.

كما زينت جدرانه الداخلية بالزخارف الجصية والأشكال النباتية والهندسية الإسلامية والألوان الترابية التقليدية التي تظهر كمزيج من الأصفر والأحمر والأزرق المستمد من الأصباغ الطبيعية، ضمن نسيج حضري متكامل يربط بين الأسواق التجارية (سوق النحاسين، سوق العطارين) والمباني الدينية (الجامع الأموي الكبير) والمنشآت المدنية (الخانات والحمامات الأخرى)

تبدأ الرحلة في حمام النحاسين حلب من مدخل منكسر مصمم بحائط عازل لمنع تسرب الهواء البارد والحفاظ على الدفء الداخلي وواجهة خارجية متواضعة تحافظ على الخصوصية، يؤدي إلى سلسلة من المساحات المتدرجة في حرارتها ووظائفها.

في البراني (القسم البارد) توجد مساحة استقبال مزودة بمقاعد حجرية وفتحات الإضاءة الخافتة ونظام تهوية طبيعي عبر فتحات علوية بالإضافة إلى أرضية من الرخام الملون

ثم تنتقل إلى الوسطاني (القسم الفاتر) الذي يعمل كمنطقة وسيطة بزخارفه الجصية ونقوشه الإسلامية يحتوي على أجنحة للخلع والراحة حيث تهيىء الجسم لاستقبال الدفء التدريجي.

تتوج الرحلة في الجواني(القسم الساخن) حيث تتعانق الأناقة المعمارية مع الوظيفية في قبة شاهقة تتدلى منها قطرات الضوء عبر الكوات الزجاجية الصغيرة.

هنا تحت القبة التي تعلو ثمانية أمتار، تكتشف عبقرية النظام الحراري القديم، حيث تنتشر الحرارة بانتظام من خلال الأرضية المدفأة والقنوات المخفية،

بينما تحافظ الجدران السميكة المبنية من الحجر البازلتي على توازن دقيق بين الدفء والرطوبة.

حمام النحاسين

اقرأ أيضًا: قصر الزهراوي في حمص

كل زاوية في حمام النحاسين حلب تحكي قصة التكامل بين الجمال والوظيفة، من نظام التهوية الذكي الذي ينظم تدفق الهواء، إلى الزخارف الهندسية التي تبعث على السكينة، وصولًا إلى الأحواض الرخامية التي صممت بدقة لتوفير الراحة المثالية. بالإضافة إلى نظام التدفئة تحت الأرضية المكون من أرضية مرتفعة على دعائم حجرية، تسمح بمرور الهواء الساخن من الفرن المركزي.

إنه تحفة معمارية تختزل قرونًا من الخبرة في العمارة الإسلامية، حيث لا ينفصل الجمال عن الذكاء الهندسي، ولا الوظيفة عن الروحاني

السابق
إلى حبيبين مرآة الزواج بين النضج والحب
التالي
في قلبي أنثى عبرية رواية إيمان يتنفس وجع