تعتبر سوريا لوحة فنية رائعة رسمتها الطبيعة بألوانها الزاهية وتضاريسها المتنوعة، ومن أبرز لوحاتها الطبيعية هما منطقتا برج إسلام وصليب التركمان اللتان تتميزان بجمال خلاب يجمع بين سحر الجبال وهدوء البحر، ففي برج إسلام يرتفع البرج التاريخي شاهدًا على عراقة المنطقة، بينما تمتد شواطئ صليب التركمان الذهبية كحزام من اللؤلؤ على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
Contents
برج إسلام
تقع منطقة برج إسلام في الجزء الشمالي من محافظة اللاذقية وتعتبر واحدة من أجمل المناطق الساحلية في سوريا، حيث يبعد عنها شاطئ البحر الأبيض المتوسط بمسافة 1 كم باتجاه الشمال الغربي، كما يوجد إلى الشمال الغربي منها جزيرة نعمان، وتتميز بموقعها الاستراتيجي الذي يجمع بين الجبال الشاهقة والشواطئ الرملية الذهبية مما يجعلها وجهة سياحية جذابة، تتبع منطقة برج إسلام إلى ناحية عين البيضا وتبعد 8 كم شمالًا عن محافظة اللاذقية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 40 ألف نسمة غالبيتهم من التركمان، كما تضم القرية العديد من المساجد القديمة التي تعكس الطابع الإسلامي للمنطقة.
وتقع القرية في أرض سهلية متموجة منحدرة نحو الشمال الغربي وهي جزء من المصطبة الساحلية الوسطى، كما تظهر في غرب القرية حواف صخرية تدل على حدود المصاطب البحرية بوضوح، بالإضافة إلى ذلك فتتميز القرية بتربتها الكلسية البيضاء الضحلة وتكثر فيها مظاهر الحت الساحلي من نتوءات ومغاور.
يتميز شاطئ برج إسلام برماله الناعمة ومياهه الصافية، وهو مثالي للاسترخاء والسباحة وممارسة الرياضات المائية، ويعتبر البرج المعلم الأبرز في القرية وهو عبارة عن برج قديم يعود تاريخه إلى العصور الوسطى، وتم ترميمه ليصبح مكانًا للزيارة والاستمتاع بإطلالات بانورامية على البحر.
يعود تاريخ قرية برج إسلام إلى عصور قديمة، حيث عثر فيها على آثار تعود إلى الحضارات السابقة مثل الحضارة الرومانية والبيزنطية، ومرت القرية أيضًا بالعديد من الحضارات والشعوب مما ترك بصماته الواضحة على معمارها وتراثها.
اقرأ أيضًا: جزيرة أرواد… جوهرة البحر الأبيض المتوسط
أصل تسمية برج إسلام
لا يوجد دليل تاريخي مؤكد وموثق بشكل كامل حول السبب المباشر لتسمية قرية برج إسلام بهذا الاسم، ومع ذلك هناك عدة نظريات محتملة يمكن أن تفسر هذا التسمية:
- وجود برج: قد يكون وجود برج قديم في القرية هو السبب الرئيسي لتسميتها، وربما كان يستخدم هذا البرج لأغراض دفاعية أو للإشراف على المنطقة، وقد أُضيف إليه لفظ “إسلام” للدلالة على الفترة الإسلامية التي بني فيها أو التي شهدت أهمية لهذا البرج.
- الطابع الإسلامي للقرية: ربما تم تسمية القرية نسبة إلى الطابع الإسلامي السائد فيها، سواء كان ذلك بسبب غالبية سكانها المسلمين أو بسبب وجود مسجد أو جامع كبير فيها.
اقرأ أيضًا: معلولا… لؤلؤة آرامية شامخة بين الجبال
صليب التركمان
تقع منطقة صليب التركمان في شمال محافظة اللاذقية بين قريتي الشبطلية وبرج إسلام، وتتميز بموقعها الاستراتيجي الذي يجمع بين جمال الجبال وسحر البحر مما يجعلها وجهة سياحية جذابة، وتبعد القرية عن محافظة اللاذقية حوالي 22 كم، ويمكن الوصول إليها من أوتوستراد كسب مرورًا بالشبطلية، كما ترتفع 90 متر عن سطح البحر.
أما بالنسبة لسكان صليب التركمان فيبلغ عددهم حوالي 30 ألف نسمة وهم من الطائفة التركمانية وهم مسلمون سنة، كما يتميزون بتسامحهم وعيشهم بسلام مع مختلف الطوائف في المنطقة، ويتحدث السكان اللغة العربية إلى جانب اللغة التركمانية وهي لغة عثمانية قديمة كما أنها لغة شفهية أكثر من كونها كتابية.
كما يتميز أهل القرية بكرم الضيافة والترابط الاجتماعي القوي، ويعتمدون بشكل كبير على الزراعة وصيد الأسماك كمصدر رزق.
وتتوفر في القرية جميع الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وغيرها كما تحوي مدرستان للتعليم الأساسي والثانوي، بالإضافة إلى ذلك تحوي مرفأ تتشارك فيه مع قرية برج إسلام تم إنشاؤه منذ حولي ثلاث عقود، ويعتبر المرفأ متوسط الحجم ومجهز لاستقبال القوارب الصغيرة والمتوسطة، كما يستخدم بشكل أساسي من قبل الصيادين المحليين ويستقطب هواة الرياضات المائية والسياح، ويحيط به جمال طبيعي خلاب حيث يمكن للزوار الاستمتاع بمنظر الغروب الخلاب فوق البحر، كما يتميز المرفأ بوجود رصيف اسمنتي يحيط به من جهة واحدة، في حين تركت الجهة الأخرى على حالها وهي صخرية بيضاء مما أعطاه جمالًا خلابًا.
اقرأ أيضًا: مقام الأربعين… شاهدًا على التاريخ وحاضنًا للروحانيات
أصل تسمية صليب التركمان
يعود أصل تسمية قرية صليب التركمان إلى عدة تفسيرات محتملة، ولكن أبرزها يتعلق بالتركمان الذين استوطنوا المنطقة وتأثيرهم على تسميتها، ولعل أبرز التفسيرات الشائعة على تسميتها كالتالي:
- التركمان والأرض: يرى بعض الباحثين أن كلمة “صليب” في هذه التسمية لا تدل على الصليب الديني، بل هي تحريف لكلمة آرامية تعني “الأرض” أو “الحقل”، وبالتالي فإن معنى الاسم يكون “أرض التركمان” أو “حقل التركمان”، وذلك للإشارة إلى أن هذه الأرض كانت مملوكة أو مستوطنة بشكل كبير من قبل قبائل التركمان.
- الوجود التركي التاريخي: يشير هذا التفسير إلى أن التركمان كانوا موجودين في المنطقة منذ فترة طويلة، وأنهم تركوا بصمة واضحة على التسميات الجغرافية والمناطقية، وقد يكون وجود صليب أو علامة مميزة للتركمان في هذه المنطقة هو السبب وراء تسميتها بهذا الاسم.
- التركمان والزراعة: يرتبط التركمان تاريخيًا بالزراعة، وقد يكون اسم “صليب التركمان” إشارة إلى أن هذه الأرض كانت تشتهر بزراعة نوع معين من المحاصيل أو الفواكه التي كانت تميزها عن المناطق المجاورة.
باختصار، يمكن القول إن تسمية قرية صليب التركمان تعكس الوجود التاريخي للتركمان في المنطقة وكذلك برج إسلام وتأثيرهم على التسميات الجغرافية، سواء كان الاسم يشير إلى ملكية الأرض أو إلى وجود علامة مميزة للتركمان، فإنها في النهاية تدل على ارتباط وثيق بين القرية وقبائل التركمان، ومن الجدير بالذكر أن التركمان جزء من مكونات الشعب السوري وقد استوطنوا في تلك المنطقة بعد هجرتهم من أواسط آسيا عام 723 للميلاد.
اقرأ أيضًا: منتجع لابلاج العائلي… واحة سياحية على ساحل اللاذقية
طبيعة وتضاريس ومناخ صليب التركمان
تتميز القرية بتنوع طبيعي فريد، حيث تجمع بين البيئة الساحلية والجبلية في آن واحد، ويوفر هذا التنوع مناظر طبيعية خلابة تشمل الشواطئ الرملية والجبال الشاهقة والوديان الخضراء، كما يمتد شاطئ صليب التركمان على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط ويتميز برماله الناعمة ومياهه الصافية، ويعتبر هذا الشاطئ من أجمل الشواطئ في المنطقة حيث يمكن للزوار الاستمتاع بالسباحة والتشمس وممارسة الرياضات المائية.
وفي اكتشاف جيولوجي نادر، تم الكشف عن أكبر كهف مائي في تلك المنطقة وهذا الكهف الفريد ليس مجرد تشكيل جيولوجي مثير للإعجاب بل إنه يعتبر أيضًا مأوىً رئيسيًا لـ “فقمة الناسك” المتوسطية، وهي من الكائنات النادرة التي تعيش في هذا البحر، ويتميز الكهف بتشكيلاته الصخرية النادرة وحجمه الكبير مما يجعله معلمًا جيولوجيًا مهمًا، ويبلغ عمق الكهف أكثر من 50 متراً داخل الجبل وارتفاعه نحو 24 متراً منها جزء كبير مغمور تحت الماء، كما يتميز الكهف ببوابة واسعة قطرها يصل إلى نحو 10 أمتار تؤدي إلى دهليز طويل داخل الجبل، بالإضافة إلى ذلك يحتوي الكهف على تشكيلات رملية فريدة وترشيحات مياه نقية، ويشير وجود ترشيح مياه نقية من سقف الكهف إلى وجود نظام مائي تحت الأرضي في المنطقة، مما يفتح آفاقًا جديدة للدراسات الجيولوجية والهيدرولوجية.
كما تدخل أشعة الشمس إلى المغارة من خلال فتحات صغيرة في سقفها، مما يخلق أضواءً طبيعية خلابة تلعب على جدران المغارة وتخلق أجواءً رومانسية.
بالإضافة إلى ذلك تحيط بالقرية وقرية برج إسلام جبال شاهقة تغطيها الغابات الكثيفة، مما يوفر أجواءً طبيعية هادئة ومناسبة للمشي لمسافات طويلة وركوب الدراجات الجبلية.
أما بالنسبة للمناخ فيتميز مناخ صليب التركمان بأنه معتدل على مدار العام، حيث تكون الحرارة معتدلة في الصيف وباردة في الشتاء، فيكون الصيف حارًا ورطبًا نسبيًا، ولكن نسيم البحر يخفف من حدة الحرارة ويكون الشتاء معتدلًا و ممطر، وتسقط الأمطار على شكل زخات متفرقة كما يتميز الربيع والخريف باعتدال طقسهما، وهما من أفضل الأوقات لزيارة القرية والاستمتاع بجمال طبيعتها.
تزخر سوريا بكنوز طبيعية لا تُعد ولا تُحصى، ومن بين هذه الكنوز تبرز منطقتا برج إسلام وصليب التركمان، ففي هذه المناطق تتلاقى الجبال الشاهقة مع البحر الأبيض المتوسط في لوحة فنية ساحرة، ويمكن للسائح أن يستمتع بجمال الشواطئ الرملية ويهيم في الغابات الكثيفة ويستكشف الكهوف الخفية، ليجد نفسه في عالم من السحر والجمال.