بوابة سوريا

غابة النبي متى… واحة في قلب الدريكيش

غابات الساحل السوري

ربمّا قد سمعت يومًا عن غابة النبي متى، هذه التحفة الطبيعية الخلابة التي تقع في قلب منطقة الدريكيش في محافظة طرطوس السورية، والتي تعتبر من أهم المحميات الطبيعية في البلاد، حيث أعلنت محمية طبيعية بموجب القرار رقم 211 تاريخ 29\9\2009، وتشتهر هذه الغابة بجمالها الآخاذ وتنوعها البيولوجي الغني وبمناخها الرائع أيضًا، وتذخر أرضها بيانبيع مياه عذبة تعد الأنقى في المنطقة مما يجعلها وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والمغامرة.

موقع غابة النبي متّى

تقع غابة النبي متى على ارتفاع 1100 متر فوق سطح البحر، وعلى بعد حوالي 20 كيلومتر من مركز مدينة الدريكيش و53 كيلومتر عن محافظة طرطوس، وتعتبر من أكبر الغابات في سوريا حيث تغطي مساحة تقدر بـ 650 هكتار محرج وذلك وفق مشروع التحريج الذي أُقيم عام 1976م منها 450 هكتار تحريج اصطناعي، وتحيط بها من جميع الجهات جبال شاهقة وتتخللها العديد من الوديان والأودية الصغيرة، مما يضفي عليها منظرًا خلابًا.

تتبع غابة النبي متى إداريًا إلى ناحية دوير رسلان وتعتبر قرية المحيلبة الأقرب إلى الغابة والتي تقع إلى الشرق منها، أما غربًا فيحدها كل من قريتي بمنة وحيلاتا، وجنوبًا يحدها قرى عين بستان والقليعة وبيرة الجرد، ومن الجدير بالذكر أن الغابة تقع ضمن المناطق العقارية لكل من قرى المحيلبة والقليعة وحيلاتا.

جمال الغابات السورية

اقرأ أيضًا: برج إسلام وصليب التركمان… رحلة إلى الجنة المنسية

سبب تسمية غابة النبي متى

تُعزى تسمية غابة النبي متى بهذا الاسم إلى وجود ضريح يُعتقد أنه يعود إلى النبي متى أحد تلاميذ السيد المسيح الإثني عشر، والذي يُنسب إليه إنجيل متى، ويقع هذا الضريح على قمة الجبل الذي تقع عليه الغابة، وهو مقصد ديني مهم للكثير من الزوار من سوريا ولبنان.

وتحكي حياته قصة تحول مدهشة من كونها عشارًا أي جابي ضرائب إلى أحد أتباع المسيح وأقربائه، حيث كان العشار في ذلك الزمن شخصية مكروهة من قبل الشعب اليهودي، وذلك لتعاونه مع الرومان المحتلين وجبايته الضرائب المرتفعة من الشعب، وكانوا يعتبرونهم خونة وخائنين لدينهم، وتروي الأناجيل أن المسيح كان يسير بالقرب من مكان عمل متى فرآه ودعاه ليتبعه فلم يتردد متى وترك كل شيء وراءه ليلحق بالمسيح، فكانت هذه اللحظة نقطة تحول في حياة متى حيث ترك حياة الخطيئة والظلم وانضم إلى جماعة المسيح.

بعد صعود المسيح واصل متى عمله كرسول وبشر بالإنجيل في العديد من الأماكن، وهناك روايات تقول أنه توجه إلى بلاد مصر والحبشة وبشر هناك وهناك استشهد.

طرطوس

اقرأ أيضًا: مقام الأربعين… شاهدًا على التاريخ وحاضنًا للروحانيات

التنوع البيولوجي

تتميز غابة النبي متى بتنوع بيولوجي غني، حيث تضم العديد من الأنواع النباتية والحيوانية النادرة، ومن أهم الأشجار التي تنمو في الغابة:

  • أشجار الكستناء: تشتهر غابة النبي متى بأشجار الكستناء التي تغطي مساحات واسعة منها، ويقوم المعنيون بتوليد غراس جديدة منها ورفدها للسوق بأكثر من 15000 غرسة سنويًا.
  • الصنوبريات: توجد العديد من أنواع الصنوبريات في الغابة مثل البروتي والثمري والكناري والأسود والحلبي.
  • أشجار الروبينيا الشوكية: وهي نوع من الأشجار الشوكية التي تتميز بقدرتها على التكيف مع الظروف البيئية القاسية.
  • أشجار الأرز اللبناني: تعتبر شجرة الأرز اللبناني من الأشجار النادرة والمعمرة، وتوجد في بعض مناطق الغابة.
  • أشجار السرو العمودي والأفقي: تتميز هذه الأشجار بشكلها الجمالي وأخشابها القوية.
  • أشجار الشوح: وهي نوع من الأشجار الصنوبرية التي تنمو في المناطق الجبلية.
  • الأشجار الأصلية الطبيعية: وهي عدة أنواع مثل الغار والسنديان والزعرور والبلان الشوكي والعليق والسرو والسرخس، بالإضافة إلى الكثير من الأعشاب الحولية المعمرة والتي ينتمي بعضها للفئة الطبية والعطرية، وكذلك الكثير من أنواع الفطور التي تظهر بعد تساقط الأمطار في فصل الشتاء.
التنوع البيولوجي في غابة النبي متى

أما بالنسبة للحيوانات، فتضم الغابة العديد من الأنواع مثل الثعالب والأرانب والحيوانات البرية المحلية مثل الخنازير والضباع وابن آوى والقنفذ، بالإضافة إلى أنواع الطيور المختلفة مثل الهدهد والسمان والدوري والقبرة المتوجة، فضلًا عن أنواع متعددة من الحشرات والزواحف.

كما ويُشتهر جبل النبي متى بوجود العديد من الينابيع الطبيعية التي تتدفق على مدار العام، مما يجعلها مصدرًا دائمًا للمياه العذبة، ويبلغ عددها 365 نبع عذب على عدد أيام العام تتفاوت بين الدائم والموسمي، وتغذي هذه الينابيع الأنهار الصغيرة والجداول التي تسير عبر الغابة، مما يخلق مناظر طبيعية خلابة ويوفر بيئة مناسبة للحياة البرية، وتشكل هذه المياه مصدر دخل رئيسي لسكان القرى المجاورة حيث يتم تعبئتها بعبوات معقمة ونظيفة ونقلها بواسطة أكثر من 500 شاحنة يوميًا إلى المناطق التي تعاني من نقص المياه أو تكلسها وغير صلاحيتها للشرب في أرجاء المحافظات السورية.

أشجار غابة النبي متى

اقرأ أيضًا: الجامع الأموي في دمشق… جوهرة التراث الإسلامي

المناخ في غابة النبي متى

تتراوح درجات الحرارة في غابة النبي متى بين البرودة الشديدة في فصل الشتاء والدفء الربيعي في فصل الصيف، ويجعل هذا التنوع في الطقس من الغابة وجهة مثالية للزيارة في مختلف فصول السنة ولكل فصل سحره الخاص، حيث تتساقط الثلوج على قمة جبل النبي متى وتصل سماكتها في بعض الأحيان إلى 60 مم، مما يجذب أعداد هائلة من سكان المحافظة لممارسة النشاطات المختلفة والاستمتاع بمناظر الثلوج الرائعة، كما ويصل معدل الأمطار إلى حوالي 1800 مم سنويًا وتنخفض درجات الحرارة إلى ما دون ال 0 في بعض شهور الشتاء، وكذلك يكون الطقس دافئًا ورطبًا في فصل الصيف مع هطول أمطار متقطعة، ويعتبر فصل الربيع من أجمل الأوقات لزيارة الغابة، أما بالنسبة للتربة فهي متجانسة بازلتية رسوبية خالية من الكلس.

غابات

اقرأ أيضًا: منتجع لابلاج العائلي… واحة سياحية على ساحل اللاذقية

المشاريع المقامة حول غابة النبي متى

تحتضن جنبات جبل النبي متى اليوم، عالمًا من السحر والجمال، حيث تزدان الطبيعة بأبهى حُلّتها لتستقبل زوارها، فمع كل خطوةٍ تتقدمها في هذا المكان الساحر، ستكتشف كنوزاً طبيعية خلابة وتنعم بهواءٍ نقيٍّ وهدوءٍ يبعث الراحة في النفس.

تم مؤخرًا إنشاء العديد من الفعاليات السياحية في جبل النبي متى، والتي تجذب أعدادًا كبيرة من السياح و محبي الطبيعة والهدوء، حيث تم إنشاء مجمع سياحي أُطلق عليه “مجمع أرض الأحلام” ونادي فروسي يحوي العديد من الخيول العربية الأصيلة، مما يتيح للزوار إمكانية ركوب الخيل والقيام بجولات في الغابة بأسعار رمزية، ويقدم المجمع العديد من الخدمات والفعاليات مثل ألعاب الأطفال ومسبح وصالات صيفية وشتوية تطل على أجمل المناظر الطبيعية في الغابة، كما يحوي مطعم يقدم الكثير من الأطباق الشعبية والتقليدية وكذلك المشروبات وغيرها، بالإضافة إلى ذلك تُقام العديد من الحفلات والفعالية الغنائية المميزة، ويعد موسم الصيف من أكثر المواسم استقبالا للكروبات السياحية وذلك بفضل طقس الغابة الرائع والمميز والخالي من الرطوبة.

كما تُحيي غابة النبي متى تقاليد التخييم والرحلات الكشفية، حيث تقام العديد من المخيمات الشتوية التي تعكس روح المغامرة والتحدي، فينصب المشاركون خيامهم في أحضان الغابة ويتشاركون في إعداد الطعام وإشعال النيران في تجربةٍ تعيدهم إلى جذورهم.

خيول

في الختام وفي أعماق غابة النبي متى حيث يلتقي السماء بالأرض توجد جوهرة الطبيعة التي لا تُقدر بثمن، فيها تستنشق عبير الحياة وتستمع إلى همس الأشجار، وتشرب من ينابيعها العذبة، فهي أكثر من مجرد غابة إنها لوحة فنية تتجدد ألوانها مع كل فصل، وملاذًا آمنًا لكل من يبحث عن لحظة صفاء وسلام داخلي.

السابق
الجامع الأموي في دمشق… جوهرة التراث الإسلامي