يعد المتحف الوطني في حماة واحدًا من أبرز المؤسسات الثقافية والأثرية في سورية، حيث يجمع بين التراث التاريخي العميق للمدينة وثراء تقاليدها الشعبية.
كما يمثل المتحف مساحة حية لتوثيق مراحل تطور الحياة الإنسانية في حوض نهر العاصي منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصور الإسلامية، إضافة إلى عرض الموروث الثقافي والحرفي لسكان المنطقة عبر القرون.
ويتميز المتحف بتصميمه الذي يوازن بين الجانب العلمي الأثري والجانب التراثي الشعبي، ما يجعله مركزًا هامًا للبحث والدراسة ومقصدًا سياحيًا وثقافيًا يعكس الهوية التاريخية والحضارية لحماة.
Contents
الموقع الجغرافي للمتحف الوطني في حماة
يتمتع المتحف الوطني في حماة بموقع جغرافي استراتيجي ومميز في قلب مدينة حماة السورية التي تقع بدورها في المنطقة الوسطى من سوريا، ويقع تحديدًا في الجهة الشمالية للمدينة على مقربة من نهر العاصي الذي يُعد شريان الحياة للمنطقة، مما يضفي على الموقع أهمية تاريخية وجغرافية خاصة هذا الموقع المركزي يجعله نقطة جذب للباحثين والزوار على حد سواء.
حيث يمكنهم استكشاف تاريخ المدينة وحضاراتها المتعددة في مكان واحد يجمع بين الأصالة والمعاصرة، حيث يتوسط منطقة غنية بالآثار تعود إلى عصور متعددة بدءًا من عصور ما قبل التاريخ مرورًا بالممالك الآرامية واليونانية والرومانية ووصولًا إلى الفترات الإسلامية المتعاقبة.

اقرأ أيضًا: قصر ابن وردان: شاهد بيزنطي يجمع بين الإدارة والدين والدفاع في بادية حماة
تاريخ المتحف الوطني في حماة
يتميّز المتحف الوطني في حماة بتاريخ مزدوج يجمع بين قيمة المبنى وقيمة المقتنيات، فقد اتخذ المتحف مقره في قصر العظم الذي شيّده والي دمشق أسعد باشا العظم عام 1740م على الطراز العثماني، ليكون قصرًا فخمًا يجمع بين الإقامة والإدارة، ومع مرور الزمن تعرّض القصر لتغييرات متعددة إلى أن جرى ترميمه وتحويله عام 1956 إلى متحف أثري.
منذ افتتاحه لعب المتحف الوطني في حماة دورًا مهمًا في حفظ وعرض اللقى الأثرية المكتشفة في مدينة حماة ومناطقها المجاورة، وقد نُظّمت قاعاته وفق تسلسل زمني يوضح تطور الحضارة في وادي العاصي.

اقرأ أيضًا: حي الصالحية: قلب دمشق التاريخي بين الروحانية، التعليم، والحياة الحضرية
أقسام المتحف
يتألف المتحف الوطني في حماة من عدة قاعات صُممت لتعكس التاريخ العميق للمدينة والمنطقة المحيطة بها وتشمل الآثار القديمة والتقاليد الشعبية وهي :
القاعة الأولى:
تضم هذه القاعة مقتنيات متنوعة مرتبة وفق تسلسل زمني من عصور ما قبل التاريخ حتى العصور الإسلامية، وتعرض القطع المكتشفة في تل حماة وأفاميا والمناطق المحيطة بالعاصي بما في ذلك أدوات حجرية فخاريات تماثيل نقوش وأوانٍ معدنية، إضافة إلى قطع أثرية رومانية وبيزنطية وإسلامية توضح تطور الحياة اليومية والفنية في المنطقة عبر آلاف السنين.
القاعة الثانية في متحف حماة الأثري:
تُبرز ملامح عصر الحديد مع تركيز خاص على الإرث الآرامي الذي شكّل إحدى أهم المحطات الحضارية في تاريخ المنطقة.
ومن أبرز معروضاتها مجموعة من اللقى الفخارية والتجهيزات الجنائزية التي عُثر عليها في المقبرة الكبرى بحماة، لتكشف عن تقاليد الدفن ومظاهر الحياة الروحية في ذلك الزمن.
كما تحتضن القاعة تحفة فنية فريدة هي تمثال أسد ضخم من البازلت الذي يمثل رمزًا للقوة في الثقافة الآرامية.
القاعة الثالثة في المتحف الوطني في حماة:
تحمل طابعًا خاصًا إذ خُصصت لتسليط الضوء على طقوس الدفن وممارسات الجنائز في الحقب الهلنستية والرومانية والبيزنطية.
ومن أبرز معروضاتها مجموعة من المصوغات الذهبية التي عُثر عليها في قبر امرأة في موقع كازو شمال غرب حماة، ويعود تاريخها إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين حيث تعكس هذه القطع مستوى الرفاه الاجتماعي والفني في تلك المرحلة.
كما تضم القاعة ناووسًا خشبيًا فريدًا جُلب من منطقة حماة الجنوبية ويرجع إلى القرن الأول قبل الميلاد، وهو مثال نادر على استخدام الخشب في صناعة التوابيت الجنائزية.
وتعرض القاعة أيضًا فخاريات وزجاجيات وسرجًا زيتية تم الكشف عنها في القبر البيزنطي ذي الغرف بمدينة محردة والمؤرخ إلى القرنين السادس والسابع الميلاديين، لتقدم بذلك صورة متكاملة عن تنوع تقاليد الدفن وتطورها عبر العصور الكلاسيكية المتعاقبة.

القاعة الرابعة في متحف حماة الأثري:
تُجسّد ثراء الفنون والعمارة في الحقب الهلنستية والرومانية والبيزنطية حيث تعرض مجموعة واسعة من القطع التي تعكس تنوع الحياة الدينية والاجتماعية والفنية في تلك الفترات.
تضم القاعة تماثيل ومنحوتات نافرة إضافًة إلى أعمدة وتيجان وسواكف تكشف عن روعة العمارة الكلاسيكية، إلى جانب معروضات من الخوذ البرونزية والفخاريات والزجاجيات والنقود التي تلقي الضوء على جوانب الحياة اليومية والعسكرية.
وتُعدّ أبرز مقتنيات القاعة في المتحف الوطني في حماة قطعة فسيفساء أرضية كبيرة اكتُشفت في قاعة استقبال ضمن دار سكنية في موقع المريميـن، وتعود إلى أواخر القرن الثالث الميلادي، حيث تُمثل نموذجًا فنيًا مميزًا يعكس مهارة الصنّاع ودقة التصوير الفني في تلك المرحلة.
القاعة الخامسة:
خصّصن القاعة الخامسة في المتحف الوطني في حماة لإبراز ملامح الحقبة الإسلامية المبكرة في المدينة وتضم مجموعة من القطع الفريدة التي تعكس ازدهار الفن والحياة اليومية آنذاك.
ويتصدّر المعروضات منبر جامع النوري الذي قُدم عام 559هـ/1163م والذي يُعد شاهدًا على روعة فنون الخشب الإسلامي ودقة الصياغة الزخرفية.
كما تتيح القاعة للزائر فرصة التعرّف على آلية عمل النواعير التي اشتهرت بها حماة على ضفاف العاصي حيث جرى توثيق طريقة استخدامها للري ونقل المياه. وتكتمل الصورة بعرض مختارات مميزة من البرونزيات والزجاجيات والخزف المزجج معظمها من مكتشفات تل حماة لتقدّم القاعة لوحة متكاملة عن الفنون والابتكارات التقنية التي ازدهرت في حماة خلال العصر الإسلامي.

في الختام، يمثل المتحف الوطني في حماة جسراً بين الماضي والحاضر، حيث يتيح للزائرين فرصة استكشاف التاريخ العريق للمدينة وفهم تطور حياتها الاجتماعية والثقافية عبر العصور. من خلال أقسامه المتنوعة التي تجمع بين الآثار والتقاليد الشعبية، يقدم المتحف رؤية شاملة لهوية حماة وتراثها الغني، مؤكداً دوره كمركز علمي وثقافي وسياحي يسهم في حفظ الذاكرة التاريخية وتعزيز الوعي بالموروث الحضاري للمنطقة.