يعتبر الصابون الحلبي المعروف أيضًا بصابون الغار كنزًا من كنوز مدينة حلب السورية، فهو ليس مجرد منظف بل هو حكاية من التراث والأصالة تمتد لآلاف السنين.
هذا المنتج الطبيعي الذي حافظ على طريقة صناعته التقليدية حتى اليوم استطاع أن يعبر الحدود ويصل إلى كل أنحاء العالم حاملًا معه سر جودته وفوائده.
Contents
رحلة عبر الزمن تاريخ الصابون الحلبي
يُعتبر الصابون الحلبي من أقدم أنواع الصابون في العالم حيث يعود تاريخه إلى أكثر من ألفي عام.
نشأ في مدينة حلب، التي كانت آنذاك مركزًا مزدهرًا على طريق الحرير وملتقى للحضارات والتجارة.
كما اعتمد الحرفيون الحلبيون في صناعته على مكونات طبيعية متوفرة في بيئتهم أهمها زيت الزيتون وزيت الغار، وابتكروا وصفة فريدة خالية من المواد الكيميائية والعطور الصناعية، ما جعل الصابون الحلبي يُعرف بخصائصه العلاجية واللطيفة على البشرة.
ومع ازدهار الحضارة الإسلامية تطورت صناعة الصابون في حلب وظهرت “المدابغ” التي كانت تُطبخ فيها الزيوت في قدور نحاسية ضخمة، ثم تُترك لتجف وتُقطّع وتُختم يدويًا.
وخلال الحروب الصليبية انتقل هذا الصابون إلى أوروبا حيث ألهم صناعة الصابون الحلبي في مرسيليا والبندقية ليُعرف لاحقًا بـ “الصابون على الطريقة الحلبية”.
وعلى مر العصور بقيت حلب مركزًا لصناعة هذا الصابون الذي يُعد جزءًا أصيلاً من تراثها وبقي الصابون الحلبي رمزًا حيًا للصمود،
واستمر تصنيعه في مناطق مختلفة من سوريا وتصديره إلى أنحاء العالم حيث يُقدَّم اليوم كمنتج فاخر طبيعي وعضوي يجمع بين البساطة والفعالية، ويعكس عبق التراث السوري العريق.
اقرأ أيضًا: حلاوة الجبن: سُكر الشام وعبق الذاكرة

سر الجودة مكونات طبيعية خالصة
يكمن سر تميز الصابون الحلبي في بساطة مكوناته الطبيعية ونقائها حيث يخلو تماماً من أي مواد كيميائية أو عطور صناعية.
وتعتمد تركيبته بشكل أساسي على زيت الزيتون الذي يُعد المكون الأساسي والأكثر وفرة في الصابون الحلبي، حيث يمنح الصابون خصائصه المرطبة والمغذية الفائقة للبشرة.
- زيت الغار:
يعتبر زيت الغار المكون السحري الذي يميز الصابون الحلبي ويمنحه رائحته العطرية الفريدة وخصائصه العلاجية.
فهو يُستخرج من ثمار شجرة الغار كما تختلف نسبة زيت الغار في الصابون الحلبي فكلما زادت النسبة زادت فوائده العلاجية، وأصبح أكثر ملاءمة للبشرة الحساسة والمصابة بمشاكل جلدية.
- هيدروكسيد الصوديوم (الصودا الكاوية)
هي مادة قلوية أساسية لعملية التصبن (Saponification) وهي التفاعل الكيميائي الذي يحول الزيوت إلى صابون.
وعلى الرغم من طبيعتها الكاوية إلا أنها تتفاعل بالكامل مع الزيوت أثناء عملية الطبخ وتختفي تمامًا من المنتج النهائي تاركة وراءها صابونًا آمنًا ولطيفًا على البشرة.
- الماء:
يُستخدم الماء النقي في عملية الطبخ للمساعدة في إذابة هيدروكسيد الصوديوم وتسهيل عملية التصبن.
حيث يتم تبخير معظم الماء أثناء عملية التجفيف الطويلة مما يترك الصابون صلبًا ومركزًا.
تتضافر هذه المكونات البسيطة والطبيعية لإنتاج الصابون الحلبي الفريد من نوعه، الذي يجمع بين النظافة الفعالة والعناية اللطيفة بالبشرة والشعر مما يجعله خيارًا مفضلًا للكثيرين حول العالم.

اقرأ أيضًا: خميس الحلاوة الحمصية… تقليد شعبي ينبض بالمحبة في قلب مدينة حمص
طريقة الصنع التقليدية
تُصنع قوالب الصابون الحلبي باتباع طريقة تقليدية دقيقة تبدأ بطهو زيت الزيتون مع الماء وهيدروكسيد الصوديوم على نار هادئة لعدة أيام.
حتى يتحوّل المزيج إلى مادة صابونية طبيعية ثم يُضاف زيت الغار في المرحلة الأخيرة لمنح الصابون خصائصه العلاجية.
يُسكب الخليط على أرضية حجرية ليبرد ويتماسك ثم يُقطّع يدويًا إلى قوالب ويُختم بختم الحرفي. بعدها تُترك القوالب لتجف وتتعتّق في أماكن مظللة وجافة لمدّة تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة.
وهي خطوة أساسية تمنح الصابون الحلبي صلابته ولونه الذهبي المميز من الخارج مع احتفاظه بقلبه الأخضر النقي في الداخل.

كنز من الفوائد للبشرة والشعر
يتميّز الصابون الحلبي بفوائده الجمالية المتعددة للبشرة والشعر بفضل مكوناته الطبيعية الخالية من أي مواد كيميائية.
فهو يرطّب ويغذي البشرة بعمق بفضل زيت الزيتون وينقّيها بلطف دون أن يسبّب جفاف، بينما يساهم زيت الغار في مكافحة البكتيريا والالتهابات الجلدية.
مما يجعله مفيدًا لحالات مثل حب الشباب والإكزيما والصدفية. كما يُعدّ خيارًا مثاليًا للبشرة الحساسة بما في ذلك بشرة الأطفال، إذ لا يحتوي على أي عطور أو إضافات صناعية.
أما للشعر فيعمل على تنظيف فروة الرأس بفعالية دون أن يجرّدها من زيوتها الطبيعية ويُساعد في التخلّص من القشرة والحكة،
مع تقوية الجذور وتحفيز النمو مما يمنح الشعر نعومة ولمعانًا طبيعيًا، ومع الاستخدام المنتظم، يصبح هذا الصابون رفيقًا يوميًا يُغني عن الكثير من المنتجات التجارية.

أنواع الصابون الحلبي
تتنوع أنواع الصابون الحلبي بحسب نسبة زيت الغار المستخدمة فيه، فهناك أنواع تحتوي على 5% فقط من زيت الغار وتُستخدم للاستعمال اليومي العادي.
بينما الأنواع التي تتراوح نسبتها بين 10% و20% تكون مناسبة للبشرة العادية والمختلطة وتوفر توازنًا بين التنظيف والترطيب.
أما الأنواع الأعلى تركيزًا التي تصل إلى 30% أو 40% من زيت الغار فتُعتبر فاخرة وتُستخدم غالبًا لعلاج مشاكل البشرة مثل الإكزيما والصدفية وحب الشباب.
وإلى جانب ذلك هناك أنواع معطّرة طبيعيًا بزيوت مثل اللافندر أو النعناع تمنح الصابون رائحة منعشة دون الإخلال بنقائه.
كما يُنتَج صابون مخصص للشعر بتركيبة أخف. وقد طُوّرت أيضاً نسخة سائلة من الصابون التقليدي لتناسب الاستخدام العملي اليومي خاصة لغسل اليدين.
وتبقى أجود الأنواع هي تلك التي تُعتّق لأشهر طويلة إذ تصبح صلبة وفعالة وتدوم طويلاً وتُعرف بلونها الذهبي الخارجي وقلبها الأخضر النقي.

في الختام، يبقى الصابون الحلبي شاهدًا على تاريخ عريق وحرفة أصيلة ويستمر في تقديم فوائده الطبيعية للعالم ليثبت أن البساطة والجودة هما سر الجمال الدائم.