بوابة سوريا

مقام الأربعين… شاهدًا على التاريخ وحاضنًا للروحانيات

موضع الدم

يعتبر مقام الأربعين من أقدم وأهم المعالم الدينية والتاريخية في مدينة دمشق، حيث يحمل في طياته الكثير من الحكايات والأساطير التي توارثتها الأجيال، كما يعتبر مكانًا مقدسًا لدى العديد من الديانات والأديان، في هذا المقال، سنتعرف على تاريخ مقام الأربعين وموقعه وقصته، وسنستكشف الأهمية الدينية والتاريخية لهذا المكان.

موقع مقام الأربعين

يقع مقام الأربعين على قمة جبل قاسيون على ارتفاع أكثر من 1100 م عن سطح البحر حيث يعتبر أعلى نقطة في مدينة دمشق، ويمكن الوصول إلى المقام عن طريق سُلّم طويل يتكون من حوالي 750 درجة ابتدءً من جامع الشيخ عبد الغني النابلسي في منطقة ركن الدين، كما يستغرق الصعود إلى القمة حوالي ساعة، ويوفر المقام إطلالة بانورامية خلابة على مدينة دمشق بأكملها.

مغارة الدم

اقرأ أيضًا: قلعة حلب

تاريخ مقام الأربعين

يعود تاريخ مقام الأربعين إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث كانت المغارة التي يقع فيها المقام تُستخدم كمعبد وثني للآراميين، ثم تحولت إلى كنيسة في العهد الروماني، وفي العهد الإسلامي تم تحويلها إلى مسجد صغير وأصبحت تعرف باسم مقام الأربعين.

وذكر مقام الأربعين كثيرًا في كتب التاريخ حيث ذكره أبو أحمد الغرناطي في عام 1160 م عندما زار دمشق، وقال عنه ابن عساكر في كتابه “تاريخ دمشق” إن “موضع الدم في الجبل موضع شريف، كان فيه يحيى بن ذكريا وأمه 40 عامًا، وصلى فيه عيسى بن مريم والحواريون”.

كما ذكره أيضًا ياقوت الحموي في كتابه “معجم البلدان” فقال عنه “قاسيون جيل مقدس، فيه مغارة الدم، التي قتل قابيل أخاه هابيل فيها، ومغارة الجوع ويزعمون أنه مات فيها أربعون نبيًا”.

جبل قاسيون

اقرأ أيضًا: بصرى الشام … لؤلؤة الجنوب السوري

أسباب تسميته بمقام الأربعين

هناك عدة روايات حول سبب تسمية هذا المكان بمقام الأربعين، من أبرزها:

  • الأربعون محرابًا: يضم المقام أربعين محرابًا، ويُعتقد أن هذه المحاريب كانت مخصصة لأربعين من الأولياء الصالحين الذين تعاقبوا على إدارة هذا المكان واسم كل منهم عبد الله، حيث أنهم لجؤوا إلى مغارة الدم هربًا من بطش أحد الملوك وعندما داهمهم الخطر شق الله طريقًا في الجبل ليخرجوا تاركين خلفهم روائح المسك والعنبر التي بقيت في الصخر.
  • أربعون عامًا: يُقال إن النبي يحيى بن زكريا وأمه أمضيا أربعين عامًا في هذا المكان.
  • أربعون حواريًا: يعتقد البعض أن الحواريين الذين كانوا مع النبي عيسى عليه السلام قد زاروا هذا المكان وكان عددهم أربعين.
معالم دينية

اقرأ أيضًا: تدمر … جوهرة الصحراء السورية

مغارة الدم

تربط الأساطير الشعبية مغارة الدم في جبل قاسيون بحدث قتل قابيل لأخيه هابيل، حيث يعتقد الكثيرون أن هذه المغارة هي المكان الذي وقعت فيه الجريمة، وأن الدم الذي سال من هابيل لطخ صخور الجبل مما أعطاها لونها الأحمر المميز.

وتعتبر قصة مقتل قابيل لأخيه هابيل من أقدم القصص التي وردت في الديانات الإبراهيمية، وتحمل في طياتها دلالات عميقة حول الشر والقتل والحسد، وتروي قصة قابيل وهابيل في القرآن الكريم أن الله أمر كل واحد منهما بأن يقدم قربانًا، فتقبل الله قربان هابيل ورفض قربان قابيل، فحقد قابيل على أخيه وقتله ثم حمل جثته وسار بها نحو الغرب لأيام حتى تعلم من الغراب كيفية دفن أخيه، وفي منطقة الزبداني مقام يعتقد أنه قبر “النبي هابيل”، وكانت هذه الحادثة أول جريمة قتل ارتكبت على الأرض، وأصبحت رمزًا للشر والعنف، كما ذُكرت في القرآن الكريم وتحديدًا في سورة المائدة.

وتقول الأساطير أن الجبل اهتز من هوله وأوشك على السقوط ويُقال أن الملك جبريل أمسك الجبل بيديه كيلا يسقط، ويوجد في سقف المغارة أثار يد يُقال أنها أثار يد جبريل، وليس بعيدًا عن أثار اليد يتشكل في السقف لفظ الجلالة كلمة الله.

كما يأخذ الجبل شكل الفهم ويُروى أنه شهق من هول الحادثة ومثلت فيه تفاصيل الفم الدقيقة من وجود اللسان إلى الأضراس، وفي المغارة أيضًا قطعة صخر يُقال أنها جزء من الحجر الذي استخدمه قابيل لقتل أخيه، بالإضافة إلى ذلك يوجد في المغارة محرابان أحدهما لسيدنا إبراهيم عليه السلام والآخر لسيدنا الخضر عليه السلام.

كما يُلاحظ للزوار نزول قطرات ماء من سقف المغارة بشكل دائم وتقول الروايات أنها دموع الجبل على مقتل هابيل.

وعلى سطح المغارة أُقيم مسجد صغير على يد أبو الفرج محمد بن عبد الله المعلم عام 370 هجري، حيث رأى الملك جبريل في المنام وأمره بأن يبني هذا المسجد، وأطلق عليه لاحقًا مسجد الأربعين وذلك يعود إلى ما ذكرناه في الأعلى من أسباب وأقاويل وأساطير سابقة.

على الجانب الآخر تذكر بعض الروايات أن هذه المغارة تسمى ب”مغارة الجوع”، وذلك يعود ذكره إلى أن الأربعين صالحًا تواجدوا يومًا في هذا المكان مع رغيف خبز واحد، ورفض أي منهم تناول هذا الرغيف تفضلًا لنفسه على الآخر، مما أدى بهم المطاف إلى وفاتهم جميعًا من الجوع.

قابيل وهابيل

اقرأ أيضًا: قلعة الحصن

أفضل وقت لزيارة مقام الأربعين

تعتبر زيارة مقام الأربعين تجربة روحانية فريدة، ولكن اختيار الوقت المناسب لهذه الزيارة له تأثير كبير على هذه التجربة وأحد العوامل التي تلعب دورًا في هذه التجربة هو الطقس فيعتبر فصلا الربيع والخريف من أفضل الفصول لزيارة المقام، حيث يكون الجو معتدلًا، والأجواء مريحة للتجول والتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة لجبل قاسيون، على عكس فصلي الصيف والشتاء حيث يكون الجو حارًا ورطبًا في الصيف مما قد يجعل الصعود إلى المقام شاقًا، وقد تشهد دمشق أمطارًا وثلوجًا في الشتاء مما يعيق الأمر كذلك.

كما يعتبر وقتا الفجر والغروب من أفضل الأوقات لزيارة المقام، حيث يمكنك الاستمتاع بجمال شروق الشمس وغروبها مع إطلالة بانورامية على مدينة دمشق.

مقام الأربعين

الأهمية السياحية والدينية لمقام الأربعين

يعتبر مقام الأربعين مكانًا مقدسًا لدى العديد من الديانات والأديان، حيث يزوره المسلمون والمسيحيون واليهود على حد سواء ويعتبر هذا المكان رمزًا للتسامح الديني والتعايش السلمي بين مختلف الأديان كما يشهد المقام العديد من الفعاليات الدينية التي تجمع المؤمنين من جميع الطوائف فتقام فيه حلقات الذكر والأذكار وصلوات الجماعة ويتم الاحتفال فيه بالأعياد والمناسبات الدينية وغيرها، كما يعتبر المقام من أهم الوجهات السياحية في مدينة دمشق حيث يأتي إليه الزوار من جميع أنحاء العالم للاستمتاع بالمناظر الخلابة والتاريخ العريق وخضع المقام لعدة عمليات تجديد على مر العصور وكان آخرها في القرن العشرين وقد تم ترميم المغارة والمسجد وإضافة بعض المرافق الأخرى.

في الختام، يمكننا القول إن مقام الأربعين أكثر من مجرد مكان، إنه رمز وقصة وجزء من هويتنا، وفي خضم الزحام والضوضاء، يوفر المقام ملاذًا للروح، حيث يمكن للمرء أن يستعيد توازنه ويجد السلام الداخلي، ففيه تتجسد قيم التسامح والتعايش، وتتلاشى الفوارق بين الأديان والثقافات.

السابق
قلعة الحصن.. رمز القوة التاريخية في سوريا
التالي
معلولا… لؤلؤة آرامية شامخة بين الجبال