بوابة سوريا

مغارة جوعيت في سوريا: كنز طبيعي يحمل أسرارًا فريدة

نبع مغارة جوعيت

في قلب الطبيعة السورية، بين الجبال والوديان الخضراء، تقع واحدة من أجمل المغاور الطبيعية التي لم تأخذ حقها الكامل من الشهرة والاهتمام، إنها مغارة جوعيت.

وتُعد هذه المغارة تحفة طبيعية استثنائية، تشكلت عبر آلاف السنين بفعل التفاعلات الجيولوجية، مما جعلها مقصدًا مميزًا لعشاق المغامرة والاستكشاف، وفي هذا المقال، سنلقي نظرة تفصيلية على مغارة جوعيت، موقعها، تكوينها الجيولوجي، تاريخها، وأهميتها السياحية والبيئية.

موقع مغارة جوعيت

تقع مغارة جوعيت في قرية جوعيت التابعة لمنطقة الشيخ بدر في محافظة طرطوس السورية، على بُعد حوالي 7 كيلومترات جنوب مدينة الشيخ بدر، ويحدها من الشمال قريتا حميص والفندارة، ومن الجنوب قريتا القليعات وكرفس، ومن الشرق قرية بشمس، ومن الغرب قريتا كفرية والديريني، وتحيط بالمغارة غابات كثيفة من أشجار البلوط والسنديان، بالإضافة إلى بساتين الليمون وكروم العنب، مما يضفي على المنطقة جمالًا طبيعيًا ساحرًا.​

المغاور في سوريا

اقرأ أيضًا: مغارة بيت الوادي (مغارة عاصي الزند)

التكوين الجيولوجي للمغارة

تُعتبر مغارة جوعيت واحدة من أجمل المغاور الطبيعية في سوريا، وتتميز بتكويناتها الصخرية الفريدة كما يُعتقد أنها تمتد لمسافات كبيرة تحت الأرض رغم أن أجزاءً منها لم تُستكشف بعد بشكل كامل، وتقع وسط تضاريس جبلية تتسم بالتنوع والجمال، حيث تحيط بها التلال والغابات الكثيفة، مما يمنحها طابعًا مميزًا من العزلة والسحر الطبيعي.

ومن المعروف أيضًا أن المغارة تشكلت عبر آلاف السنين بفعل التعرية والتفاعلات الكيميائية بين المياه والصخور الكلسية، مكوّنةً دهاليز وممرات طبيعية تمتد في عمق الجبل، كما أن جدرانها مزينة بصواعد وهوابط كلسية تتدلى بأشكال رائعة، وتتفاوت ارتفاعاتها لتشكل قاعات طبيعية متفاوتة الاتساع، كما تحتوي المغارة على تشكيلات صخرية تُعرف بالزبدية، وهي ظاهرة نادرة عالميًا، ومن الجدير بالذكر أن ارتفاع مغارة جوعيب يصل إلى حوالي 300 متر عن سطح البحر.

وعند دخول مغارة جوعيت وبعد 90 مترًا من مدخلها يواجه المستكشفون بحيرة طبيعية تشكل حاجزًا داخل الكهف، وتنساب منها مياه غزيرة باردة صيفًا ومعتدلة الحرارة شتاءً، تُستخدم في ري الأراضي الزراعية المحيطة بها، وعند الغوص عبر فتحة في قاع البحيرة ثم الزحف لمسافة 30 مترًا، يصلون إلى بهو شاسع يمتد لأكثر من 3000 متر تحت مدينة الشيخ بدر.

وتتوالى داخل المغارة الصالات واحدة تلو الأخرى، تبدأ بـ “صالة الاستقبال” ذات التشكيلات الصخرية المذهلة، ثم ممر “النازل العملاق”، تليه “الكلكة”، و”الحلقة المذهلة”، وصولًا إلى “الشلال الأحمر” و”جدار السهام”، وأخيرًا “صالة الحبوب” التي تضم ثلاث بحيرات رائعة، تضيف للمغارة سحرًا خاصًا.

وتجدر الإشارة إلى أن المناخ داخل مغارة جوعيت بارد ورطب على مدار العام، حيث تحتفظ الصخور بحرارتها المنخفضة، مما يجعلها مكانًا مناسبًا للهروب من حرارة الصيف، كما أن وجود المياه الجوفية يضفي عليها حيوية دائمة، حيث تشكل بركًا صغيرة وتدفقات مائية خفيفة تعكس الإضاءة، مما يزيد من سحر المكان.

مغارة جوعيت

اقرأ أيضًا: قلعة مصياف

تاريخ الاستشكافات داخل المغارة

رغم وجود مغارة جوعيت منذ آلاف السنين، إلا أن اكتشافها العلمي بدأ حديثًا، حيث قامت عدة بعثات استكشافية بدراستها ومحاولة الوصول إلى نهاياتها:

  • البعثة البلغارية (1995): حاولت هذه البعثة استكشاف المغارة، لكنها لم تتمكن من التقدم أكثر من كيلومترين، حيث وصلت إلى أربعة تجاويف كبيرة وبقيت النهاية غير معروفة.
  • الباحث السوري إياد السليم: تمكن من التوغل لحوالي 3 كيلومترات داخل المغارة، موثقًا بعض التشكيلات الجيولوجية الفريدة.
  • الدراسات المحلية: تم العثور على لقى وأوانٍ فخارية داخل المغارة تعود إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، مما يدل على أن الإنسان القديم استخدمها كمأوى.
مغارة جوعيت

اقرأ أيضًا: جبل قاسيون.. الحارس الأبدي لدمشق

السياحة في مغارة جوعيت

على الرغم من جمالها الفريد، لا تزال مغارة جوعيت غير مستثمرة سياحيًا بالشكل الأمثل، حيث أن الزوار القلائل الذين يصلون إليها يندهشون من سحر التكوينات الطبيعية بداخلها، كما أن بعض الجهات المحلية بدأت تعمل على تحسين البنية التحتية حول المغارة، مثل إنشاء ممرات آمنة للزوار وتأمين الإضاءة داخل بعض أجزائها، بالإضافة إلى المغارة نفسها يحيط بها متنزه شعبي يمتد على ثلاث مصاطب في سفح الجبل ويُعتبر وجهة محببة للعائلات، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة، والهواء النقي، وأصوات المياه المتدفقة من ينابيع المغارة.

مغارة جوعيت

في الختام، تُعد مغارة جوعيت كنزًا طبيعيًا فريدًا في سوريا، يجمع بين الجمال الطبيعي والتاريخ العريق، كما أن زيارتها تُقدم تجربة استثنائية للمستكشفين وعشاق الطبيعة، وتُبرز غنى وتنوع التراث الطبيعي السوري الذي يستحق المزيد من الاهتمام والحماية.​

السابق
مسجد أصلم السلحدار
التالي
مغارة الضوايات: رحلة إلى عالم سحري في قلب الطبيعة