بوابة سوريا

معلولا… لؤلؤة آرامية شامخة بين الجبال

ريف دمشق

تعتبر مدينة معلولا من أبرز الوجهات السياحية والثقافية في سوريا، فهي تحمل في أحشائها تاريخًا عريقًا وثقافةً متميزة، وتتمثل أبرز ملامحها في كونها إحدى القرى القليلة في العالم التي ما زالت تحتفظ بلغتها الأم الآرامية، لغة السيد المسيح عليه السلام.

موقع معلولا الجغرافي

تقع معلولا في محافظة ريف دمشق على بعد 56 كم من مدينة دمشق، وترتفع حوالي 1500 متر فوق سطح البحر، بين سلسلتين جبليتين في منطقة القلمون، مما يضفي عليها مناخًا معتدلًا صيفًا وباردًا شتاءً كما تقع المدينة في وادٍ أخضر خصيب يشتهر بزراعته للعنب والتين والزيتون، وتنتشر في محيط معلولا العديد من الكهوف المنحوتة في الصخر والتي كانت تستخدم قديمًا مساكن وسراديب.

وبلغ عدد سكان المدينة حسب أخر الإحصائيات التي أُقيمت في عام 2004 حوالي 2762 نسمة وهم من الغالبية المسيحية مع القليل من المسلمين، وما زال سكانها إلى اليوم يتحدثون بلغة السيد المسيح الذي خاطب ربه قائلًا له (إيلي… إيلي … لمّا شبقتني) أي بما معناه ( إلهي … إلهي … لماذا تركتني).

سياحة دينية

اقرأ أيضًا: قلعة حلب

تاريخ معلولا العريق

تعتبر مدينة معلولا من أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم وتتميز بتاريخها العريق وثقافتها الفريدة، حيث يعود تاريخ استيطان الإنسان في معلولا إلى عصور ما قبل التاريخ، كما تم اكتشاف آثار تعود إلى العصر الحجري، وتشير الدلائل الأثرية إلى أن الإنسان عاش في معلولا منذ عصور ما قبل التاريخ، واستخدم الكهوف والمغارات كمأوى له.

وفي العصرين البرونزي والحديدي شهدت المدينة تطورًا ملحوظًا وأصبحت مركزًا تجاريًا مهمًا، وبعد سيطرة الرومان على المنطقة أصبحت جزءًا من الإمبراطورية الرومانية وأخذت اسم “بنكرابوليس”.

ازدهرت معلولا خلال العصر البيزنطي، وأصبحت مركزًا دينيًا هامًا وشهدت بناء العديد من الأديرة والكنائس، أما بعد الفتح الإسلامي فعاشت المدينة فترة من الاستقرار والازدهار واحتفظت بتراثها الديني والثقافي.

كما تم تصنيفها من قبل منظمة اليونيسكو على أنها من أهم الآثار المسيحية في العالم وأقدمها، حيث تقوم معظم كنائس المدينة على أنقاض معابد وثنية تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد، مثل هيكل (حمام الفسق) الذي بنيت في موقعه (كنيسة التوبة) وكذلك المغاور التي هي نفسها معابد “إله الشمس” التي تحولت فيما بعد إلى معابد للمسيحين.

دير مار تقلا

اقرأ أيضًا: تدمر … جوهرة الصحراء السورية

تسمية مدينة معلولا

لتسمية “معلولا” أصول آرامية قديمة تحمل في طياتها دلالات عميقة ترتبط بموقعها الجغرافي وطبيعتها، حيث يعتقد أن اسم “معلولا” مشتق من الجذر الآرامي “علل” والذي يعني “دخل” أو “مر”، ويرجح أن هذا الاسم يشير إلى الفجوات الجبلية الضيقة التي تحيط بالمدينة والتي كانت بمثابة مداخل أو ممرات إليها، كما هناك رأي آخر يشير إلى أن الاسم قد يدل على ارتفاع المدينة ووقوعها في مكان مرتفع.

اقرأ أيضًا: بصرى الشام … لؤلؤة الجنوب السوري

معالم معلولا الأثرية

تتميز مدينة معلولا بتنوعٍ كبير في معالمها الأثرية والدينية التي تسحر الناظر وتحير العقل من شدة روعتها وقصصها التي ستعيش لتروى لأجيال وأجيال ولعل أبرز هذه المعالم:

  • دير مار تقلا: يُعدّ من أقدم الأديرة المسيحية في العالم، ويحتوي على بقايا كنيسة بيزنطية قديمة ومقام القديسة تقلا حيث، يعتقد البعض أن تقلا هربت إلى صيدنايا بعد اضطهادها من قبل والدها في أيقونية وذلك بسبب اعتناقها الديانة المسيحية على يد القديس بولس، واختارت تقلا هذه المدينة الهادئة لتكمل حياتها الروحية، كما يعتبر دير مار تقلا في معلولا مقصدًا للحجاج المسيحيين من مختلف أنحاء العالم الذين يأتون لزيارة المكان والتبرك بشفاعة القديسة.
  • دير القديسين سيرجيوس وباخوس: بنى الدير في القرن الرابع عشر الميلادي على أنقاض معبد وثني ويعتبر من أقدم المعالم في المنطقة، سمي باسم الفرسان سرجيوس وباخوس الذين كانا قائدين في الجيش الروماني وحكم عليهما بالموت لاعتناقهما المسيحية عام 297 م، وبجانب الدير توجد كنيسة مار سركيس وهي عبارة عن مصلى صغير توجد فيه معالم معمارية تعود إلى العصر البيزنطي، كما يوجد خلف الكنيسة بقايا أضرحة منحوتة في الصخر.
  • فج مار تقلا: يعتبر الفج معلولا من أبرز المعالم التاريخية والدينية في هذه المدينة، وهو عبارة عن شق طبيعي ضيق وطويل في الصخر، يقع في منطقة جبلية وعرة ويربط بين طرفي الجبل، ويرتبط هذا الفج بأسطورة القديسة تقلا، حيث يقال أنها قد حفرته بيديها للهروب من ملاحقيها، وفي هذا الفج ساقية ماء تزداد وتنقص وفق الفصول والمواسم ويروى أن مياهه تشفي الأمراض وتبارك النفوس.
دير مار سرجيوس وباخوس

اقرأ أيضًا: قلعة الحصن

بيوت معلولا المميزة

أكثر ما يميز هذه المدينة العريقة حقًا هو الطابع المعماري الفريد لبيوتها، فيمكننا القول إنها ليست مجرد مآوى بل هي جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي والتاريخي للمدينة، كما أنها شاهدة على تفاعل الإنسان مع الطبيعة الصعبة.

فتتميز بيوت معلولا بأنها محفورة في الصخر أو مبنية عليه مباشرة، هذا الأسلوب البنائي كان ضروريًا للتكيف مع التضاريس الجبلية الوعرة للمنطقة وحماية البيوت من العوامل الجوية القاسية، بالإضافة إلى أن أبواب ونوافذ البيوت صغيرة الحجم نسبيًا، وهذا يعود إلى عدة أسباب منها الحماية من البرد الشديد في الشتاء، والحفاظ على درجة حرارة معتدلة داخل البيت، كما تستخدم السقوف المقببة أو المسطحة في بناء البيوت وذلك حسب طبيعة الصخر وتضاريس الأرض.

بيوت أثرية

اقرأ أيضًا: مقام الأربعين… شاهدًا على التاريخ وحاضنًا للروحانيات

اللغة الآرامية

اللغة الآرامية لغة سامية قديمة كانت لغة الدين والثقافة في بلاد الشام منذ آلاف السنين، كما كانت اللغة التي تحدث بها السيد المسيح عليه السلام، وعلى الرغم من مرور القرون إلا أن بعض المجتمعات في المنطقة ما زالت تتحدث هذه اللغة، ومن بين هذه المجتمعات كانت معلولا السورية.

ولسوء الحظ، فإن اللغة الآرامية في معلولا شأنها شأن العديد من اللغات الأصيلة في العالم، تواجه خطر الانقراض وذلك لعدة عوامل أبرزها التأثير العربي السائد في المنطقة، فضلًا عن الاندماج اللغوي مع العالم الخارجي ووسائل الإعلام المختلفة.

لغة السيد المسيح

معلولا جوهرة سوريا المخبأة، تتميز بتراثها الفريد وعمرانها الحجري الذي يعود لآلاف السنين، فهي ليست مجرد مدينة بل إنها تجربة سياحية فريدة تجمع بين التاريخ والدين والطبيعة الخلابة، فمن يرغب في استكشاف الحضارات القديمة وتعلم لغة جديدة، والتمتع بجمال الجبال، فإن معلولا هي وجهته المثالية.

السابق
مقام الأربعين… شاهدًا على التاريخ وحاضنًا للروحانيات
التالي
جزيرة أرواد… جوهرة البحر الأبيض المتوسط