تقع بلدة مشقيتا في محافظة اللاذقية على الساحل السوري، وتُعدّ من أجمل المناطق الطبيعية التي تزخر بها سوريا، حيث تحتضنها سلسلة من التلال الخضراء وتُحاط ببحيرات سبع تُضفي عليها سحرًا خاصًا يجعلها مقصدًا للزوار والسياح من داخل البلاد وخارجها، وتعد هذه المنطقة من أهم المعالم السياحية والطبيعية في سوريا، إذ تجمع بين جمال الطبيعة الساحر والهواء النقي والمياه العذبة، مما يجعلها ملاذًا لكل من يبحث عن الهدوء والاسترخاء بعيدًا عن صخب المدن.
الموقع الجغرافي والأهمية
تقع مشقيتا على بُعد حوالي 23 كيلومترًا إلى الشمال الشرقي من مدينة اللاذقية وتُعتبر من القرى التابعة إداريًا لها، وتتميز هذه البلدة بارتفاعها عن سطح البحر حيث يبلغ ارتفاعها حوالي 260م عن سطح البحر مما يمنحها مناخًا معتدلًا في الصيف وباردًا في الشتاء، وهو ما يجعلها وجهة مفضلة للزوار على مدار السنة، كما ويُحيط بالبلدة عدد من الغابات الكثيفة التي تتكون من أشجار السنديان والصنوبر، ما يضفي عليها مشهدًا طبيعيًا خلابًا، وتقع في الطريق بين اللاذقية ومصيف كسب الشهير وتحيط بها مجموعة من المصايف والقرى وهي ماخوس والصفصاف ووادي الرميم وسولاس وبيت ناصر وعين الرمانة والطارقية وعين الزرقا وبيت شميسة وحمام ووطى مشقيتا وغيرها، ووفق آخر الإحصائيات كان عدد سكان مشقيتا 2376 نسمة.

اقرأ أيضًا: الجامع الأموي في دمشق… جوهرة التراث الإسلامي
التاريخ وسبب التسمية
تقع مشقيتا في منطقة شهدت حضارات قديمة تعود لآلاف السنين، إذ كانت جزءًا من الأراضي التي ازدهرت فيها الحضارة الفينيقية التي عُرفت بعلاقتها القوية بالبحر وبناء السفن، لاحقًا وقعت هذه المنطقة تحت سيطرة الإغريق ثم الرومان الذين طوروا البنية التحتية للمنطقة بما في ذلك شبكات المياه والطرق، ويُعتقد أن البحيرات السبع التي تشتهر بها مشقيتا قد استفادت من مشاريع الري القديمة التي كانت موجودة في العصور الرومانية.
في العصر الحديث، وخاصة خلال فترة الانتداب الفرنسي على سوريا (1920-1946)، بدأ الاهتمام بالبنية التحتية للمنطقة يزداد، وتم إنشاء بعض الطرق التي ربطت مشقيتا باللاذقية والمناطق المجاورة، ومع استقلال سوريا عام 1946 أصبحت مشقيتا وجهة سياحية مهمة بفضل طبيعتها الخلابة وبيئتها المتنوعة.
أما بالنسبة لتسمية “مشقيتا”، فهناك عدة روايات شعبية وتفسيرات لغوية تحاول تفسير أصل الاسم ومعناه:
- الرواية الأولى – الجذر السامي: يُعتقد أن اسم مشقيتا يعود إلى الجذر السامي “شقى”، الذي يعني الري أو السقي ما يُشير إلى وفرة المياه في المنطقة، وهذا يتناسب مع الطبيعة الغنية بالبحيرات والينابيع، قد يكون الاسم في أصله يعني “أرض المياه” أو “مكان السقي”.
- الرواية الثانية – الأصل الآرامي أو السرياني: يربط بعض الباحثين الاسم باللغة السريانية أو الآرامية، وهي لغات قديمة كانت مستخدمة في المنطقة قبل انتشار العربية، وفي هذه اللغات قد يشير الاسم إلى المكان المرتبط بالمياه أو الأرض الخصبة، حيث أن كلمة “مشق” قد تدل على الامتداد أو الانسياب، وهو ما يصف تدفق المياه في البحيرات.
- الرواية الشعبية: هناك أيضًا روايات محلية تقول إن الاسم مشتق من كلمة “مشقاة” التي تعني المسقى أو مكان الشرب، نظرًا لكون البحيرات السبع كانت مصدرًا رئيسيًا للمياه للسكان المحليين وللحيوانات.

اقرأ أيضًا: مقهى النوفرة، قصيدة مكتوبة على فنجان قهوة
البحيرات السبع
تقع البحيرات السبع في قرية البهلولية بالقرب من مشقيتا، وسُمِّيت بهذا الاسم نظرًا لتشعبها الكبير، حيث تظهر من الأعلى وكأنها مقسمة إلى سبعة أجزاء بواسطة الجزر والجبال والحواجز الطبيعية الأخرى، وتحيط بالبحيرة جبال مغطاة بالأشجار الكثيفة والأحراج، وفي وسطها توجد جزر صغيرة ذات تربة حمراء تغطيها أشجار الصنوبر والسنديان. كما تنتشر على ضفافها غابات من الأشجار المتنوعة التي تعزز جمال المنظر الطبيعي.
تتمتع البحيرة بمناخ معتدل مع معدل هطول أمطار يصل إلى حوالي 1,100 ملم سنويًا ما يجعلها منطقة غنية بالتنوع المناخي والحيوي، كما أنها تعد من الأماكن النادرة الخالية من التلوث كونها بعيدة عن التجمعات السكنية، وتتراوح درجة حرارة مياه البحيرة بين 11 و25.8 درجة مئوية على مدار العام، بينما تتراوح درجة حموضتها بين 7.32 و8.28.

اقرأ أيضًا: معلولا… لؤلؤة آرامية شامخة بين الجبال
طبيعة مشقيتا ومناخها
تتمتع مشقيتا بطبيعة جبلية ساحرة، حيث تحيط بها الجبال المكسوة بالأشجار الخضراء الكثيفة لاسيما أشجار الصنوبر والسنديان والزيتون، ومن أهم غاباتها غابة النبي نوح ويرتبط اسم الغابة بأسطورة محلية أو معتقدات شعبية تقول إن هذه المنطقة كانت مرتبطة بالنبي نوح أو أنها شهدت مرور سفينته بعد الطوفان، رغم عدم وجود دلائل تاريخية موثقة تربط النبي نوح بهذه المنطقة بشكل مباشر، إلا أن هذه التسمية تضيف طابعًا روحيًا وتراثيًا إلى الغابة وتجعلها مكانًا ذا أهمية خاصة بالنسبة للسكان المحليين والزوار، وتتنوع الأشجار في غابة النبي نوح فتكثر فيها أشجار السنديان والصنوبر وأشجار الغار والزيتون البري، وبالإضافة إلى غابة النبي نوح توجد أيضًا غابة الشيخ أيوب التي لا يمكن عبورها إلا عن طريق القوارب.
وتتميز السياحة في مشقيتا بتوفير العديد من الخدمات مثل الفنادق والشقق المفروشة المعدة للتأجير والمزودة لكل الخدمات التي يحتاجها السواح، كما يوجط الكثير من المطاعم والمقاصف المطلة على البحيرات والتي تمنح السائح أكبر قدرًا من الشعور بالهدوء، بالإضافة إلى وجود الكثير من الأدلاء السياحيين المتمكننين باللغتين العربية والإنجليزية.
ولا يمكننا ذكر مشقيتا دون أن نتطرق إلى ذكر الجزر الرائعة التي تفصل بين البحيرات السبع، ولعل أبرزها هي جزيرة الغزلان التي تقع على الضفة المقابلة لقرية الطارقية والتي تشكل وجهة فريدة للاستمتاع بأجواء الحياة البرية، وتعود تسمية الجزيرة إلى الغزلان التي تم العثور عليها من قبل الجمعية السورية للاستشكاف عام 2017، وتنتمي الغزلان إلى مجموعة غزلان برية سورية نادرة من نوع اليحمور.
ومن الجدير بالذكر أن الجزيرة محاطة بغابات الصنوبر من كل الاتجاهات وطبيعتها عبارة من قمة عالية من الشمال ومنحدرة جنوبًا باتجاه البحيرة، وهي امتداد طبيعي وحيوي لغابات منطقة محيط بحيرة مشقيتا وعين البيضا، وتعتبر الجزيرة الآن مقصدًا للسياح والمغامرين ومحبي الطبيعة ويشكل أحد شواطئها الرملية مرسى للقوارب والزوراق المناسبة للرياضات المائية وتتميز أيضًا.
وأوضح نظام أن الجزيرة تشكل حاليًا مقصدًا للمؤسسات السياحية والمجموعات الشبابية لسياحة المغامرات والسياحة البيئية وسياحة البحيرات، ويشكل أحد شواطئها الرملية مرسى للقوارب والزوارق المناسبة للرياضات المائية، كما أنها تتميز بمجاورتها لشاطئ قرية الطارقية القريبة منها والتي تنتشر فيها مواقع السياحة الشعبية.
وبالإضافة إلى جزيرة الغزلان يوجد أيضًا جزيرة الأكواخ التي تتميز بأكواخها الخشبية الرائعة، و تتميز الجزيرة بطبيعتها الخضراء الساحرة ويقصدها الكثير من السياح للتخييم أو لقضاء وقت ممتع في أحضان الطبيعة.

وفي الختام، تبقى مشقيتا جوهرة طبيعية تتلألأ في قلب سوريا، بسحر مناظرها الخلابة وهوائها العليل الذي ينعش الأرواح. تجمع بين جمال بحيراتها الصافية وروعة جبالها الخضراء، لتشكل لوحة طبيعية تأسر القلوب والعقول. ومع دفء أهلها وكرم ضيافتهم، تصبح مشقيتا وجهة مثالية لكل من يبحث عن الهدوء والجمال بعيداً عن صخب الحياة.