بوابة سوريا

قصر العظم في دمشق

قصر العظم في دمشق

قصر العظم واحد من أجمل وأشهر القصور التاريخية في دمشق، ويعتبر مثالًا رائعًا على العمارة الدمشقية في العصر العثماني، حيث يقع في قلب دمشق القديمة وتحديدًا في سوق البزورية، ويتوضع شماله الجامع الأموي فيبعد عنه حوالي 100 متر تقريبًا، كما يجاور خان أسعد باشا وهو أحد أقدم الخانات التجارية في دمشق، ويمكن الوصول إليه عن طريق باب الجابية أو باب توما وهما من مداخل دمشق القديمة، ثم المشي إلى القصر عبر الأزقة التراثية، حيث تحيط به البيوت الدمشقية التقليدية والأسواق الشعبية، ويعكس بفخامته ودقة تفاصيله أسلوب الحياة الأرستقراطية في ذلك الزمن.

تاريخ القصر وبناؤه

بُني قصر العظم في منتصف القرن الثامن عشر، ليكون مقر إقامة والي دمشق أسعد باشا العظم، وهو أحد الشخصيات البارزة في التاريخ العثماني السوري، ففي عام 1749 م (1163 هـ) قرر أسعد باشا العظم، الذي كان واليًا على دمشق في تلك الفترة، بناء قصرٍ يعكس مكانته السياسية والاجتماعية، بمساحة إجمالية 6400 متر مربع وبثلاث أجنجة رئيسية وهي جناح العائلة أو الحرملك وجناح الضيوف أو السلاملك وجناح أخير كان يستخدم كمطبح ومخازن وغير ذلك، حيث أراد القصر أن يكون رمزًا للفخامة والرفاهية، يجمع بين الجمال المعماري والراحة، ليكون مقرًا لإدارته وسكنًا لعائلته.

ويعتقد بعض المؤرخين بأن قصر العظم يقع على أنقاض قصر سابق، وهو قصر الأمير المملوكي سيف الدين تنكز الذي تعرض للهدم خلال الغزو المغولي لمدينة دمشق على يد تيمورلنك عام 1401م، حيث يشير بعض المؤرخين إلى أن هنالك جناح في القصر يرجع لعهود سابقة ويقع هذا الجناح في الزاوية الجنوبية الشرقية من القصر.

ويقال أيضًا أن بناء القصر استغرق بين ال سنتين والثلاثة سنوات، حيث استُخدمت فيه أفضل مواد البناء واستُقدم أمهر الحرفيين والمعماريين الدمشقيين لتنفيذه، وبلغ عددهم 800 عامل وحرفي.

كما وتعرّض قصر العظم لأضرار جسيمة خلال القصف الفرنسي لدمشق أثناء الثورة السورية الكبرى عام 1925، حيث استهدفت القوات الفرنسية الحي القديم مما أدى إلى احتراق أجزاء واسعة من القصر، وبعد انتهاء القتال باشرت السلطات الفرنسية بترميم المباني التي تضررت، وبدأ العمل بإشراف المهندس لوسيان كيفارو بمساعدة مايكل يكوراد، وحاول الفريق إعادة القصر إلى حالته الأصلية قدر الإمكان، إلا أنهم واجهوا عدة تحديات، أبرزها نقص الأدلة والمواد الأولية، وقلة الحرفيين المهرة.ونتيجة لذلك، جاءت بعض الترميمات أقل زخرفة وبأسلوب مبسط مقارنة بالتصميم الأصلي.

وفي عام 1930 خصصت الحكومة الفرنسية قصر العظم كمقر للمعهد الفرنسي للدراسات العلمية، وتم تكليف مايكل يكوراد بتصميم منزل جديد للرئيس، وفي عام 1946 وبعد استقلال سوريا سُلِّم القصر للحكومة السورية، وأُخلي المعهد الفرنسي منه، وبقي جناح الضيوف مغلقًا حتى عام 1950، حيث استمرت أسرة العظم في الإقامة فيه، ورغم موافقة الفرنسيين على تقديم تعويضات لإصلاح أضرار القصف لم تتم أي أعمال ترميم لجناح الضيوف.

وفي عام 1951، اشترت الحكومة السورية الجزء المتبقي من قصر العظم من عائلة العظم مقابل 100,010 ليرات سورية أنذاك، وقررت المديرية العامة للآثار ترميمه وتحويله إلى متحف وطني، وكُلّف شفيق الإمام بالإشراف على المشروع، حيث بدأ بترميم القصر بالكامل بدءًا من جناح الضيوف الذي كان في حالة سيئة، ليتم افتتاح المتحف رسميًا في 13 سبتمبر 1954، وشهد إقبالًا كبيرًا فاق التوقعات مما دفع شفيق الإمام إلى تصميم درج جديد لتنظيم حركة الزوار بحيث يكون الدخول والخروج من اتجاهين مختلفين.

وفي عام 2011 م تم افتتاح قاعات العرض بالإضافة إلى قاعة أطلق عليها مسمى شفيق الإمام تكريمًا لأوائل مؤسسي المتحف.

دمشق

اقرأ أيضًا: مقام السيدة زينب في ريف دمشق

عمارة قصر العظم

يقسم قصر العظم لعدة أقسام، كل واحد فيه خصوصيته ووظيفته وهو كالتالي:

  • القسم الخارجي (السلاملك): هذا القسم كان مخصص لاستقبال الضيوف والزوار، وكان فيه أماكن مخصصة للاجتماعات والرسمية، ولعل أبرز عناصره:
    • الإيوان: قاعة واسعة مفتوحة على ساحة القصر مزينة بالنقوش والزخارف الدمشقية.
    • الغرف الشتوية والصيفية: مصممة بطريقة تناسب الطقس حيث أن الشتوية مغلقة ومدفأة، والصيفية مفتوحة على الهواء.
    • الحمام الدمشقي: نموذج مصغر للحمامات العامة وفيه أقسام مثل البراني، الوسطاني، والجواني، وكل واحد منهم مخصص لمرحلة معينة بالاستحمام.
    • البحرة: نافورة مائية في الساحة الداخلية، تساعد على تلطيف الجو وإضافة جمالية للقصر.
  • القسم الداخلي (الحرملك): كان هذا القسم مخصص للعائلة، ويضم:
    • غرف النوم: مجهزة بسرائر وأثاث شرقي تقليدي.
    • المطبخ: مصمم بطريقة تعكس عادات الطهي الدمشقية.
    • المستودعات: لحفظ المؤن والأطعمة.
    • باحة تطل على للسماء فيها حوض كبير من الشجر والزرع
    • بركة مستطيلة كبيرة وأخرى مضلعة الشكل تتحلق حولها في الطبقة الأرضية11 قاعة كبيرة وإيوان ورواق، وتطل عليها غرف الطابق العلوي.
  • جناح الخدم: مكان مخصص للخدم، فيه غرفهم ومستودعات صغيرة وأماكن للطبخ والغسيل كما يتكون من:
    • باحة تطل على السماء مساحتها متوسطة وفي وسطها بركة
    • 3 قاعات في الطابق الأرضي
  • الاصطبل: يقع إلى الشمال من باب القصر، وكان يوجد مقابل القصر مرآب للعربات ولكنه هدم في عشرينينات القرن العشرين وأنشئ مكانه عمارة

أما بالنسبة لعمارة قصر العظم الفريدة فتم بناء واجهات المبنى بالكامل من الحجر، معتمدة على تقنية الأبلق التي تمزج بين الحجر الأبيض والوردي (الصهباوي) والأسود، مما يضفي طابعًا جماليًا متناغمًا، كما يبرز المدخل الرئيسي بتصميم فخم حيث يؤدي إليه سلمان متناظران ويتوج بقوس حجري مزخرف بتداخلات هندسية دقيقة.

وتبرز فوق المدخل لوحة زخرفية مستطيلة مرصعة بالرخام والصدف اللامع، وتحيط بها أحجار بيضاء وصهباوية يحدها إطار رخامي أسود، وفي وسط اللوحة نقوش بارزة تزيدها فخامة تتضمن بسملة وآية قرآنية، بالإضافة إلى أربعة أبيات شعرية كتبت بخط الثلث المذهب على خلفية لازوردية.

كما تتميز نوافذ قصر العظم بتصميم مستطيل ذي أقواس منخفضة، تعلوها لوحات زخرفية بإطارات رخامية من الأبيض والصهباوي مزينة بفسيفساء جصية، أما النوافذ العلوية فهي مناور طبيعية للقاعة المرتفعة، تتوسطها نافذتان متجاورتان فوق الباب وتحيط بهما نوافذ مستطيلة وكوات دائرية، كما تزين جدران الأواوين والأقواس زخارف هندسية دقيقة وتضم المشكاوات مصابيح قديمة، بينما تتميز إطارات النوافذ العلوية بالحجر القرمدي المزخرف مع رفارف مخرمة وتيجان أعمدة مقرنصة، وتبرز الأبواب والنوافذ الخشبية بتشابكات هندسية مزينة بحلقات نحاسية مخرمة، أما عتبة الرواق فمزينة بفسيفساء من قطع رخامية ملونة.

عمارة إسلامية

اقرأ أيضًا: التكية السليمانية

قصر العظم بعد تحويله إلى متحف

يحتوي متحف قصر العظم على 15 قاعة تعرض مشاهد تمثيلية تجسد الحياة السورية القديمة، وتقدم صورة حية عن الماضي السوري من خلال الدمى التمثيلية والمقتنيات التراثية ويمكن تقسيمها كما يلي:

  • قاعة الكتابة والتدريس: تجسد نموذجًا للمدرسة التقليدية القديمة (الكتاب)، حيث كان الطلاب يتعلمون القرآن، اللغة العربية، والحساب.
  • قاعة الاستقبال: تضم أثاثًا دمشقيًا فاخرًا مصنوعًا من خشب الجوز المطعم بالصدف، ومغطى بقماش الأغباني الحريري المطرز بالذهب والفضة.
  • قاعة الآلات الموسيقية: تعرض آلات شرقية نفخية ووترية وإيقاعية، بالإضافة إلى فونوغرافات واسطوانات شمعية، وصور لأعلام الموسيقى العربية.
  • قاعة الصدف: تحتوي على أدوات وأثاث منزلي مصنوع من الخشب المطعم بالصدف.
  • قاعة العروس: تستعرض مراسم الأعراس التقليدية، بما في ذلك أزياء العروس، الهدايا، والأواني الزجاجية.
  • قاعة الحماية: تجسد مشاهد من الحياة العائلية الدمشقية، مثل الجدة والكنائن.
  • قاعة الملك فيصل: تضم مقتنيات تعود للملك فيصل.
  • قاعة الحج: تعرض محمل الحج الشامي القديم مع أمير الحج والسنجق، إضافةً إلى لباس الحجيج والهدايا التي كانوا يجلبونها من مكة، كما تضم مصاحف مذهبة، التقويم الهجري، أسماء الله الحسنى، ومقتنيات نادرة مثل حبة قمح منقوشة بأبيات شعرية وبيضة كتبت عليها سورة الواقعة.
  • قاعة المقهى الشعبي: تحاكي أجواء المقهى الدمشقي التقليدي، وتعرض أنشطة مثل الحكواتي، صندوق العجائب، ومسرح خيال الظل.
  • قاعة السلاح: تضم أسلحة تاريخية استخدمت في الدفاع عن سوريا، مثل السيوف، الخناجر، البنادق، ولباس الحروب.

بالإضافة إلى غيرها من القاعات مثل قاعة الجلود وقاعة الزجاج وقاعة النحاس والإيوان وقاعة النسيج.

قصر العظم في دمشق

في الختام، إذا كنت تبحث عن تجربة تجمع بين الجمال التاريخي والثقافة السورية العريقة، فإن قصر العظم هو المكان المثالي، حيث أنه يفتح أمامك نافذة على الماضي بطريقة مميزة ومؤثرة، وستكتشف فيه تفاصيل تجعل كل لحظة تقضيها فيه تجربة لا تُنسى، وتمنحك فهمًا أعمق لتراث هذه المدينة الرائعة.

السابق
لوحة مومياوات الفيوم
التالي
أفضل 5 مطاعم في شرم الشيخ