بوابة سوريا

قصر الزهراوي في حمص

حمص

يُعتبر قصر الزهراوي في مدينة حمص السورية من أبرز المعالم الأثرية التي تعكس تاريخ المدينة العريق وتنوعها الثقافي، ويقع القصر في حي الحميدية ويعود بناؤه إلى العهد المملوكي أي إلى ما يقارب 750 سنة مضت، مما يجعله شاهدًا حيًا على فنون العمارة الإسلامية في تلك الفترة، وسُمّي القصر نسبةً إلى العائلة التي أقامت واستقرت فيه، كما تم استخدامه كدار للحكم في حمص بعد قلعة أسامة، ويدل على ذلك تصميم البناء وتحصيناته العسكرية.

الموقع والتسيمة

يقع قصر الزهراوي في شارع عمر المختار في حي باب تدمر في مدينة حمص القديمة، وتبلغ مساحته حوالي 600 متر مربع، وهو مبني من الحجر البازلتي الأسود، ويتألف من طابقين تعلوهما القباب، ويُعتبر القصر من أهم البيوت الأثرية في حمص، كما وسُمّي بالزهراوي نسبةً إلى العائلة التي سكنت فيه خلال الربع الأول من القرن الماضي.

قصر الزهراوي

اقرأ أيضًا: صلنفة

عمارة قصر الزهراوي

يتميز قصر الزهراوي بطرازه المعماري الفريد، الذي يجمع بين الهندسة الإسلامية والعثمانية، مع لمسات من العمارة المحلية التي كانت سائدة في حمص خلال تلك الفترة، وبني القصر من الحجر الأسود البازلتي الذي تشتهر به المدينة، ويضم مجموعة من الغرف الواسعة التي تحيط بساحة داخلية مزينة بنوافير وأقواس حجرية رائعة ويمكن تقسيم القصر إلى قسمين:

  • الأول هو الدار الكبيرة: شُيّدت في العهد المملوكي (القرن الثالث عشر الميلادي – السابع الهجري)، وتبلغ مساحتها حوالي 600 متر مربع كما تتميز بفسحة سماوية تحيط بها الأجنحة من جميع الجهات، وتتألف من طابقين:
    • الطابق السفلي: يضم الجناح الجنوبي الذي يحتوي على إيوان صيفي تعلوه قبة صدفية الشكل محاطة بمقرنصات، ويجاور الإيوان غرفتان، كما يضم قاعتين تعلوهما قباب، وتجاور كل منهما غرفتان مزدانة بعقود.
    • الجناحان الشرقي والغربي: عبارة عن غرف مغطاة بعقود.
    • الجناح الشمالي: يضم قاعة رئيسية تعلوها قبة، وتجاورها من الجانبين قاعتان أصغر.
    • الطابق العلوي: يمكن الوصول إليه عبر درجتين في الجهتين الشرقية والغربية، ويشمل كامل المبنى عدا الجناح الجنوبي.
  • القصر: يرجع تاريخ بنائه إلى أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادي (العهد العثماني) حيث بناه “أحمد أبو المعالي القاضي”، ويُظهر القصر تقاليد معمارية غنية من العهود الأيوبية والمملوكية، مثل المقرنصات الركنية والأقواس والعقود والتحصينات والشرفات، كما دلت التحريات الأثرية عام 1990 على وجود مدفن بيزنطي تحت الأقبية في الجناح الجنوبي من القصر، كما ألحق بالقصر بناء آخر في القسم الشرقي منه أنشأ فيه الشيخ “موسى بن زهرة” زاوية وجامعًا خاصًا به، أما أخر إضافة للقصر فهي الملحق الغربي وبناه “عبد القادر الزهراوي”.

وعمليًا يمكننا تقسيم قصر الزهراوي إلى خمسة أقسام فالقسم الأول يشمل الأقبية الموجودة تحت الأرض ويعلوها قبوان آخران ويقعان في الجهة الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية، والقسم الثاني فهو بناء يعود إلى العصر الأيوبي وذلك استدلالًا باللوحة الحجرية على ساكف الباب الشرقي للقصر والتي نقش عليها تاريخ 661 للهجرة، فبنى التاجر ” علي ابن أبي الفضل الأزهري” الأجنحة الثلاثة التي تطل على الفناء الداخلي للقصر الشمالي الغربي والشرقي.

أما بالنسبة للقسم الثالث فهو مملوكي أنشئ باعتباره جناحًا للحكم وذلك في عام 665 للهجرة، والقسم الرابع فحسب ما ذكر في وقفية الزهراوي المؤرخة ذكر الشيخ “موسى بن الزهراوي” فيكون بناء زاوية الشيخ “موسى الزهراوي” قبل عام 855 للهجرة، والقسم الخامس فهو القصر الغربي العثماني الذي استعمله الشيخ “عبد الحميد الزهراوي” والذي يعتبر واحدًا من رواد النهضة الفكرية في سوريا.

قصر الزهراوي في حمص

اقرأ أيضًا: التكية السليمانية

أبرز العناصر المعمارية في قصر الزهراوي

عند الدخول إلى قصر الزهراوي يظهر أمامك مدخل القصر البسيط نسبيًا مقارنة بالفخامة الداخلية، وهو بوابة حجرية تفتح على دهليز ضيق يؤدي إلى فسحة القصر الداخلية، ثم لتأتي بعد ذلك الفسحة السماوية ( الصحن الرئيسي) والتي تحيطها أجنحة وغرف من كل الجهات، علمًا أن الساحة مرصوفة بالحجر وكان فيها بحرة مائية في المنتصف تستخدم للشرب والتبريد، وعلى أطراف الساحة يمكن أن نرى أعمدة وأقواس حجرية مزخرفة تعطي المكان طابع فخم، ليأتي بعدها الجناح الجنوبي وأهم ما يميز هذا الجناح هو الإيوان الصيفي، وهو قاعة مفتوحة من جهة الفسحة ومغلقة من الجوانب الثلاثة، وفوق الإيوان قبة صدفية مزخرفة بالمقرنصات (تفاصيل حجرية منحوتة بدقة)، وإلى جانب الإيوان غرفتين مزخرفتين كانتا مخصصتين للضيوف أو كبار العائلة.

لننتقل بعدها إلى الجناح الشمالي (القاعة الرئيسية) والذي يحتوي على قاعة رئيسية كبيرة تعلوها قبة وكانت تستخدم لاستقبال الضيوف وعقد الاجتماعات العائلية، وعلى جانبي القاعة يوجد قاعتين أصغر وغالبًا كانتا تستخدمان كغرف جلوس أو استقبال، أما بالنسبة للأجنحة الشرقية والغربية فهي عبارة عن غرف مسقوفة بأقواس حجرية، وكانت تستخدم كأماكن للسكن أو التخزين، وبعض الغرف مزينة بزخارف حجرية وأبواب خشبية ضخمة، أما بالنسبة للطابق العلوي فيمكن الوصول إليه عن طريق درجتين حجريتين موجودتين بالجهتين الشرقية والغربية وهذا الطابق يغطي كل القصر تقريبًا ما عدا الجناح الجنوبي، وكان مخصصًا لغرف النوم والمجالس الشتوية.

وإذا أردنا الحديث عن جمال عمارة قصر الزهراوي فأول ما يلفت انتباهنا هو الجدران المبنية من الحجر البازلتي الأسود والأبيض مما يعطيها مظهرًا مميزًا، وكذلك الأقواس والعقود الحجرية المنتشرة في كلل مكان وبعضها مزخرف بنقوش عربية هندسية والتي يظهر عليها التأثير الفارسي بشكل واضح، حيث تلتقي الأقواس في الأعلى لتشكل قوسًا كبيرًا، كما يلاحظ وجود أقواس على شكل حدوة حصان وهذا النمط يعود إلى العمارة العباسية، كما نلاحظ أيضًا على أحد جدران القصر كتابة تعود للعهد الأموي مع وجود شعار مملوكي يعود للملك الظاهر بيبرس وهو شعاره المشهور ” السبعين المتقابلين”، والذي نقش على حجر وتم وضعه على الواجهة الشمالية لباحة القصر، أما بالنسبة للأبواب والنوافذ فهي مصنوعة من خشب منحوت بإتقان، وبعضها يحتوي على نقوش إسلامية وزخارف نباتية، كما تدل حجارة البناء على أنها منقولة من أبنية أثرية أخرى ترجع لعصور أقدم من تاريخ بناء قصر الزهراوي، مظهرة شكل عدم التوافق والتناظر الزخرفي والهندسي.

زخارف قصر الزهراوي

اقرأ أيضًا: الغابة الاستوائية في طرطوس

تحويل قصر الزهراوي إلى متحف للتقاليد الشعبية

بسبب قيمة قصر الزهراوي التاريخية والمعمارية قررت المديرية العامة للآثار والمتاحف استملاكه سنة 1976، بهدف تحويله إلى متحف للتقاليد الشعبية، ليكون مركز لحفظ وعرض التراث الحمصي والسوري بشكل عام، فبعد استملاك القصر بدأت أعمال الترميم والتوثيق للحفاظ على طرازه المعماري الأصيل، وركز الترميم على إعادة تأهيل الأجنحة وتدعيم الجدران والأقواس وترميم الزخارف الحجرية والخشبية، فتمت إعادة تأهيل الفسحة السماوية وترميم القباب والأسقف الحجرية.

ومن الجدير بالذكر أنه تم اختيار قصر الزهراوي ليكون متحفًا للتقاليد الشعبية بسبب مساحته الكبيرة وتنوع قاعاته، والفكرة هي عرض الحرف التقليدية والأزياء الفلكلورية والأدوات المنزلية التراثية، والمقتنيات الشعبية التي كانت مستخدمة في حمص والمناطق السورية المختلفة.

قصر الزهراوي

أما بالنسبة للأقسام المخطط لها في المتحف فهي كالتالي:

  • قاعة الحرف التقليدية: والتي تعرض أدوات ومعدات الصناعات اليدوية مثل النسيج، الفخار، النجارة، والزجاج اليدوي.
  • قاعة الأزياء التراثية: وتعرض ملابس تقليدية حمصية وسورية مثل الأثواب المطرزة، الطرابيش، والعباءات الرجالية والنسائية.
  • قاعة الحياة اليومية: فيها أدوات منزلية قديمة، أواني فخارية، مفروشات تراثية، وأدوات الطهي القديمة.
  • قسم المناسبات الشعبية: والذي يعرض طقوس الأعراس، الأعياد، والتقاليد الاجتماعية بحمص مثل الدبكة والموشحات.
السابق
جامع الشيخ زايد
التالي
وادي نهر قسيس، وادي الفصول الأربعة