تعتبر جزيرة أرواد الواقعة قبالة الساحل السوري إحدى أقدم الجزر المأهولة في العالم، حيث تتميز بتاريخها العريق وحضارتها الفينيقية الزاهرة، مما جعلها وجهة سياحية جذابة تجمع بين سحر التاريخ وجمال الطبيعة، وفي هذا المقال سنتعرف على موقع هذه الجزيرة وتاريخها وتضاريسها وما تحتويه من معالم أثرية وتاريخية.
Contents
موقع جزيرة أرواد
تقع جزيرة أرواد في البحر الأبيض المتوسط على خط طول 35 شرق غرينتش وخط عرض 34 شمال خط الاستواء، وعلى بعد حوالي 3 كيلومترات من شاطئ مدينة طرطوس السورية، كما تمتد بطول 740 متراً وتبلغ مساحتها حوالي 20 هكتاراً، مما يجعلها أصغر جزيرة مأهولة في العالم، وتتميز الجزيرة بموقعها الاستراتيجي الذي جعلها على مر العصور محط أنظار الحضارات المختلفة نظرًا لأهميتها التجارية والملاحية.
يتراوح عدد سكان الجزيرة حوالي 5 إلى 10 الآف نسمة، كما يجدر بالذكر أن أرواد ليست الجزيرة الوحيدة في تلك المنطقة حيث يوجد بعض الجزر الأخرى مثل جزيرة النمل وجزيرة المخروط وغيرها.

اقرأ أيضًا: تدمر … جوهرة الصحراء السورية
تاريخ جزيرة أرواد
تحمل أرواد في أحشائها تاريخًا عريقًا يمتد إلى آلاف السنين ولطالما كانت هذه الجزيرة شاهدة على حضارات متعاقبة، وشهدت صعودًا وهبوطًا وحافظت على هوية خاصة بها، فيعود تاريخ الاستيطان البشري في أرواد إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، حيث استقر الفينيقيون فيها وجعلوها مركزًا تجاريًا مهمًا وأطلقوا عليها اسم أرفاد، واشتهرت حينها الجزيرة بصناعتها للأرجوان الذي كان سلعة ثمينة في العالم القديم.
وتعرضت جزيرة أرواد لهجوم المصريين عام 1299 قبل الميلاد حيث قاوم أهلها هذا الهجوم بمعركة سميت حينها معركة قادش، كما توالت على الجزيرة العديد من الحضارات، مثل الآشوريين والبابليين والفرس واليونان والرومان والعرب وكل حضارة تركت بصمتها سواء على مستوى العمارة أو الثقافة أو اللغة، لاحقًا لم تدخل أرواد الفتح العربي مع باقي المدن السورية بل بقيت قاعدة بيزنطية إلى أن قرر معاوية بن أبي سفيان فتحها وكان الأمر في عام 676 م، وأعيد بعدها استخدام أرواد كقاعدة لأساطيل الدول الإيطالية في أثناء الغزو الفرنجي، وفي نهاية القرن الثاني عشر ميلادي وبداية القرن الثالث عشر ميلادي وقعت الجزيرة تحت حكم الصليبيين عن طريق الطائفة التي عرفت بفرسان الهيكل.
وأصبحت الجزيرة المركز الرئيسي ليعقوب الطرطوسي للإغارة على الساحل بين الوقت والآخر، إلى أن حررها بعد ذلك سيف الدين كهرداش الذي كان قائد الاسطول في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون.
ليأتي بعد ذلك العثمانيون الذين حصنوا قلعة الجزيرة في عهد السلطان سليمان القانوني، الذي شيد فيها حصنان صغيران ونقل إلى السكان من قلعة المرقب وقلعة صلاح الدين، و في العصر الحديث نزلت في أرواد البحرية الفرنسية وأخضعتها لحكم فرنسا ليتم ضمها إلى سوربا بعد اتفاقية سايكس بيكو، وتحولت قلعة أرواد إلى سجن للثوار خلال فترة الانتداب الفرنسي على سوريا.
أما العصر الذهبي للجزيرة فكان في الفترة الفينيقية، حيث كانت قوة بحرية تجارية مهمة، وأسست مستعمرات عديدة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومن الجدير بالذكر أن الجزيرة كانت نقطة وصل مهمة بين الحضارات، حيث كانت تربط بين الشرق والغرب وامتلكت أسطولًا تجاريًا وحربيًا قويًا سمح لها بالسيطرة على التجارة البحرية في المنطقة.

اقرأ أيضًا: مقام الأربعين… شاهدًا على التاريخ وحاضنًا للروحانيات
تضاريس أرواد وجغرافيتها
تتميز جزيرة أرواد بتضاريسها البسيطة، فهي عبارة عن كتلة صخرية مسطحة ترتفع قليلًا عن سطح البحر لا تحوي جبال عالية أو وديان عميقة، مما يجعلها مكانًا مثاليًا للاسترخاء والاستمتاع بالطبيعة، كما تفتقر الجزيرة إلى مصادر المياه العذبة كالينابيع الطبيعية، وتحيط بها شواطئ رملية ذهبية ناعمة، فضًلا عن كون تربتها غير صالحة للزراعة، وتتميز بمياهها الصافية والزرقاء، ومن الجدير بالذكر أن عوامل التعرية الناتجة عن الحت البحري أدت إلى تآكل أطراف الجزيرة الصخرية.
وتتميز المياه المحيطة بجزيرة أرواد بغناها بالتنوع البيولوجي، حيث تعيش فيها العديد من الكائنات البحرية مثل الأسماك والشعاب المرجانية والأصداف، ويجعل هذا التنوع من الجزيرة وجهة مثالية لمحبي الغوص واستكشاف عالم البحار.
أما بالنسبة للمناخ فيتميز مناخ جزيرة أرواد بأنه معتدل على مدار العام، حيث تسود فيه درجات حرارة دافئة صيفًا ومعتدلة شتاءً، كما يتراوح معدل الرطوبة في الجو بين 60 إلى 75%، بالإضافة إلى ذلك تشتهر الجزيرة بمعدل أمطار كبير يصل إلى 700 مم سنويًا واستفيد من هذا الأمر عبر التاريخ في الحصول على مياه الشرب.
وللوصول إلى جزيرة أرواد يتوجب على الزائر ركوب قارب متجه من مرفأ أرواد على شاطئ طرطوس، إذ يوجد عشرات القوارب التي تنتظر الركاب لينطلق بعدها الزائر في رحلة بحرية قصيرة لا تتجاوز الخمس عشرة دقيقة.

اقرأ أيضًا: معلولا… لؤلؤة آرامية شامخة بين الجبال
أصل تسمية جزيرة أرواد
توجد عدة نظريات حول تسمية جزيرة أرواد، حيث يعتقد أن اسم “أرواد” مشتق من اللغة الفينيقية وهي اللغة التي كانت سائدة في المنطقة في العصور القديمة، وتعني كلمة “أرواد” أو “آراد” بالفينيقية “الملجأ” أو “الملاذ”، وقد يكون هذا الاسم قد أطلق على الجزيرة لأنها كانت تعتبر ملاذًا آمنًا لسكان الساحل السوري من الغزوات والهجمات، وتعاقبت على الجزيرة عدة تسميات على مر العصور ولعل أبرزها:
- أرادوس: هذا الاسم هو الشكل اليوناني لكلمة “أرواد” الفينيقية، وقد استخدمه اليونانيون والرومان للإشارة إلى الجزيرة.
- آراد: آراد هو الشكل الأقرب إلى الأصل الفينيقي، ويعني كما ذكرنا “الملجأ” أو “الملاذ”.
- أرفاد: هو شكل آخر من أشكال الاسم، وقد استخدم في بعض المصادر التاريخية.
- أردو: هذا الاسم قريب جداً من الاسم الأصلي، وقد استخدم أيضاً للإشارة إلى الجزيرة.
- إدار: هو شكل آخر من أشكال الاسم، ولكنه أقل شيوعاً.

اقرأ أيضًا: قلعة حلب
أهم المعالم السياحية في جزيرة أرواد
تبرز في جزيرة أرواد بعض المعالم التي شهدت تعاقب عدد من الحضارات على مر الأزمنة والعصور، ولعل كل حضارة تركت أثرها في هذه المعالم وفيما يلي نذكر بعضًا منها:
- القلعة الصليبية: تعتبر القلعة الصليبية من أبرز معالم الجزيرة، ويعود تاريخها إلى القرنين الثالث والرابع عشر قبل الميلاد أي إلى فترة الحروب الصليبة، حيث أقيمت مكان حصن مراقبة يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، وتقع القلعة وسط الجزيرة ويمكن الدخول إليها بواسطة درج يؤدي إلى الباب الرئيسي ومنه إلى داخل القلعة التي تضم 18 قاعة، وتضم أيضًا جامعًا يعود بناؤه إلى الفترة العثمانية، وتتميز القلعة بأسوارها الضخمة وأبراجها الشاهقة، وهي الآن متحف يضم مجموعة من القطع الأثرية.
- البرج الأيوبي: يقع البرج الأيوبي بالقرب من القلعة الصليبية، وهو عبارة عن برج دفاعي بني في العصر الأيوبي بين القرنين الثالث والرابع عشر قبل الميلاد، ويقع البرج في الجهة الشرقية من الجزيرة ويطل مباشرة على مرفأ أرواد، كما يتميز بارتفاعه ويمكن الدخول إليه عن طريق القلعة أيضًا.
- السور الفينيقي: يحيط بالجزيرة سور حجري ضخم يعود إلى العصر الفينيقي، ويعتبر من أقدم المعالم الأثرية في الجزيرة، وكان ارتفاع السور يصل إلى حوالي عشرة أمتار، مما يجعله حاجزًا دفاعيًا قويًا ضد أي هجوم محتمل، ويتكون السور من حجارة ضخمة يصل وزن بعضها إلى عشرين طنًا.
- المسجد القديم: يقع المسجد القديم في قلب المدينة، وهو من أقدم المساجد في سوريا كما يتميز المسجد ببساطة تصميمه وعمرانه.
- كاتدرائية سيدة طرطوشة: وهي كاتدارئية كاثولوكية بنيت في القرن الثاني عشر خلال الحقبة الصليبة.
- متحف أرواد: تم افتتاح متحف أرواد عام 1985م ويحوي العديد من الأواني الفخارية القديمة المسماة ” الأنفورا”، بالإضافة إلى بعض اللوحات الفسيفسائية التي تعود إلى العصر الكلاسيكي، إلى جانب النقوش المادية والنصوص التي تم اكتشافها في الجزيرة عام 1983م والبالغ عددها 22 نصًا، وكذلك يحوي قواعد تماثيل حجرية تحمل نقوشًا وكتابات باللغة اللاتينية و تشير إلى أهمية الجزيرة في العصر الروماني، وأيضًا قطع برونزية مثل التماثيل الصغيرة والأدوات اليومية.
- أسواق الحرف اليدوية: توجد في الجزيرة أسواق تقليدية تعرض الحرف اليدوية المحلية، مثل الفخار والتطريز والسجاد حيث يمكن للسائح شراء هدايا تذكارية فريدة من نوعها.
- المطاعم والمقاهي: تنتشر في الجزيرة العديد من المطاعم والمقاهي التي تقدم المأكولات البحرية الطازجة والأطباق السورية التقليدية، كما تتميز هذه المقاهي بإطلالات خلابة على البحر، مما يجعلها المكان المثالي للاسترخاء وتناول القهوة أو العصائر الطازجة.

أبرز احتفالات أهالي أرواد
تشتهر الجزيرة بتراثها البحري العريق وعاداتها وتقاليدها المميزة التي تجسدها احتفالاتها السنوية، ولعل أبرزها عيد المولد النبوي الذي يُعد من أهم المناسبات الدينية والاجتماعية في الجزيرة، حيث يقوم الأهالي بتجميع مئات الإطارات المستعملة وإشعالها في أجواء احتفالية تنافسية، فيتتنافس أجزاء الجزيرة المختلفة مثل الحارة القبلية والحارة الشمالية على إشعال نيران أكبر وأطول، وعلى الرغم من الانتقادات البيئية والصحية لهذه العادة إلا أنها ما زالت جزءًا من تراثهم الشعبي.

تعد جزيرة أرواد وجهة سياحية مثالية لعشاق التاريخ والطبيعة حيث تجمع بين شواطئها الرملية الذهبية، ومعالمها التاريخية، وهدوئها الذي يبعث على الاسترخاء، مما يجعلها ملاذاً مثالياً للهروب من صخب الحياة اليومية.