بوابة سوريا

مقهى النوفرة، قصيدة مكتوبة على فنجان قهوة

النوفرة

في قلب دمشق العتيقة حيث تتداخل الحكايات والأزمنة، يتربع مقهى النوفرة كشاهدٍ حيّ على تاريخ المدينة العريق، هذا المقهى الذي يمتد تاريخه إلى أكثر من خمسة قرون والذي يعتبر أكثر من مجرد مكان لتناول القهوة والشاي، بل رمزٌ للتراث الدمشقي ومكانٌ للتلاقي والحوار، ومرآة تعكس تطور الحياة الاجتماعية في المدينة.

موقع مقهى النوفرة

يقع مقهى النوفرة في حي النوفرة أحد أقدم أحياء دمشق وأكثرها حيوية، ويطل مباشرة على الجهة الخلفية الجنوبية للجامع الأموي، كما ويقع سوق الحميدية الشهير على مقربة من المقهى، وإذا أردنا الوصف الدقيق لموقعه فهو في نهاية سلسلة من الدرجات المؤدية من سوق الحميدية إلى الجامع الأموي، ويقع خان القهوة بالقرب من المقهى وهو مكان تاريخي كان يستخدم قديمًا لتخزين القهوة وتوزيعها، بالإضافة إلى ذلك يحيط بالمقهى حارات دمشق القديمة الضيقة والمتعرجة، والتي تتميز بعمارتها التقليدية وأزقتها المرصوفة بالحصى.

ويتكون المقهى من صالة داخلية تبلغ مساحتها 60 متر مربع، تتسع ل 24 طاولة بحيث يجلس على كل منها 4 أشخاص، كما ويتكون من صالة خارحية مساحتها 30 متر مربع تتسع ل 12 طاولة يجلس على كل منها شخص واحد فقط.

ويعود تاريخ مقهى النوفرة إلى أكثر من خمسة قرون مما يجعله واحدًا من أقدم المقاهي في العالم، ويتميز المقهى بعمارته التقليدية الدمشقية التي تتميز بالبساطة والأناقة، فالسقوف العالية المزينة بالخشب المنقوش والجدران المكسوة بالطوب الأقدم والأرضيات المرصوفة بالحجارة، كلها عناصر تعكس الطراز المعماري الدمشقي الأصيل.

وأكثر ما يميز المقهى هو عمارته العريقة كما في الساحة المرصوفة بأحجار البازلت السوداء، بالإضافة إلى موقعه الفريد الذي جعله محطة لا بد وأن يمر بها أي متجول في منطقة دمشق القديمة بعد زيارة الجامع الأموي، كون جميع حارات دمشق القديمة تتفرع من عند هذا المقهى.

حكواتي

اقرأ أيضًا: مقام الأربعين… شاهدًا على التاريخ وحاضنًا للروحانيات

سبب تسمية مقهى النوفرة

يعود سبب تسمية مقهى النوفرة بهذا الاسم إلى عدة عوامل تاريخية وجغرافية وهي كالتالي:

  • النافورة التاريخية: الاسم الأشهر والأكثر ارتباطًا بالمقهى هو وجود نافورة ماء كبيرة وجميلة كانت تقع بالقرب منه، وكانت تشتهر هذه النافورة بارتفاع الماء المتدفق منها، والذي كان يصل إلى 4 أو 5 أمتار، مما جعلها معلمًا بارزًا في المنطقة، وجفت هذه النافورة التي كان يغزيها نهر يزيد منذ 50 عامًا إلا أن اسمها ظل مرتبطًا بالمكان.
  • حي النوفرة: يقع المقهى في حي دمشقي يُسمى حي النوفرة، والذي سمي بدوره نسبة إلى هذه النافورة الشهيرة.
  • دار النوفرة: يقع بجوار المقهى دار كانت تدير أمور الحكم الأموي ويطلق عليها دار النوفرة، كما يوجد فيها غرفة ونقش عليها عبارة “هنا أقام الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز”، وهي مغلقة في الوقت الحالي.
تاريخ

اقرأ أيضًا: غابة النبي متى… واحة في قلب الدريكيش

أهم ما يميز مقهى النوفرة

من أبرز معالم مقهى النوفرة هو الحكواتي فكان ولا يزال عنصرًا أساسيًا من عناصر الحياة الثقافية في المقهى وبالأخص في دمشق القديمة، حيث كان الحكواتي يمثل جسرًا يربط بين الماضي والحاضر وبين الخيال والواقع، وبين الناس وقصصهم.

فيمكننا تعريف الحكواتي أنه شخص ماهر في فن سرد القصص والحكايات الشعبية، ويتمتع بصوت جذاب وذاكرة قوية وقدرة على تجسيد الشخصيات والأحداث بطريقة مشوقة، وكان الحكواتي يلعب دورً هامًا في تسلية الناس وتثقيفهم، ونقل التراث الشعبي من جيل إلى جيل.

قصص وحكايات

وفي مقهى النوفرة، كان الحكواتي يجلس على كرسي خشبي مرتفع ويحيط به مجموعة من المستمعين الذين يتوقون لسماع قصصه، فكان يبدأ بسرد قصة مشوقة مستخدمًا لغة بسيطة وواضحة، ومصحوبًا بإيماءات وتعبيرات وجهية تعكس ما يرويه، ومن أشهر القصص التي كان يرويها الحكواتي قصص الخيال مثل قصص ألف ليلة وليلة، وقصص البطولات مثل قصة عنترة بن شداد وسيف بن ذي يزن، وقصص الحب مثل قصة ليلى ومجنون.

ومن أشهر الحكواتيين الذين تركوا بصمة في دمشق:

  • رشيد الحلاق: يعتبر رشيد الحلاق من أبرز الحكواتيين في العصر الحديث، فقد أعاد إحياء هذا الفن في مقهى النوفرة، وكان يتمتع بصوت قوي وحضور ساحر، وكان يروي قصصًا متنوعة مثل قصة عنترة بن شداد والملك الظاهر بيبرس.
  • شادي الحلاق: شادي الحلاق ابن رشيد الحلاق، حيث ورث عنه موهبة السرد وحب التراث، واستمر في إحياء فن الحكواتي بعد وفاة والده، كما شارك في العديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية.
  • محمد خير كيلاني: جسد شخصية الحكواتي في العديد من المسلسلات التلفزيونية، مما ساهم في التعريف بهذا الفن لدى الجيل الجديد.

ولا يكتمل الحديث عن مقهى النوفرة دون الحديث عن القهوة العربية التي يشتهر بها، فقهوة النوفرة تتميز بطعمها القوي ورائحتها العطرة، حيث تحضر بطريقة تقليدية باستخدام المطحنة اليدوية والقدح النحاسي.

الجامع الأموي

ختامًا وفي خضم الزحام والضوضاء، يظل مقهى النوفرة واحة من السكينة والهدوء، يحمل بين جدرانه قصصًا وأسرارًا تمتد عبر قرون، فهو أكثر من مجرد مقهى بل إنه جزء من روح دمشق ويظل شاهدًا على تاريخها العريق ومتغيراتها المتلاحقة، فبين فنجان قهوة عربي ودخان الأرجيلة وضحكات الزبائن، تتجسد الحكايات وتتجدد الذكريات لتذكرنا بأهمية الحفاظ على تراثنا وتاريخنا.

السابق
غابة النبي متى… واحة في قلب الدريكيش
التالي
محافظة مطروح