يقع مقام السيدة زينب في سوريا في ضواحي دمشق الجنوبية في منطقة تُسمى السيدة زينب، ويبعد حوالي 15 إلى 20 كيلومترًا عن مركز المدينة، وتختلف المسافة حسب نقطة الانطلاق داخل دمشق والاتجاه الذي تتبعه، ولكنها بشكل عام تعتبر في ضواحي المدينة، ويُعتبر هذا الضريح واحدًا من أقدس الأماكن في العالم الإسلامي وخاصة لدى الشيعة، كما يشهد الموقع العديد من الأنشطة الدينية والاحتفالات، بما في ذلك زيارة عاشوراء التي يتم فيها إحياء ذكرى معركة كربلاء.
Contents
تاريخ مقام السيدة زينب
تعود قصة مقام السيدة زينب إلى حادثة وفاتها في عام 61 هـ (680م) بعد معركة كربلاء، التي استشهد فيها أخوها الإمام الحسين بعد مذبحة كربلاء، وانتقلت السيدة زينب إلى مدينة دمشق حيث كانت أسيرة مع أهل بيت الإمام الحسين، وكان لها دور بارز في نقل وقائع كربلاء والوقوف أمام الظلم، ويُقال إن السيدة زينب قضت آخر أيامها في دمشق ومن ثم دُفنت في مكان المقام الحالي.
مر مقام السيدة زينب بتطورات متعددة على مر العصور، حيث لم يتم بناؤه في وقت واحد بل تم تجديده وتوسيعه عبر مختلف الفترات التاريخية، كما لم يُعرف تاريخ دقيق لأول بناء فوق الضريح، لكن تشير بعض المصادر إلى أن أول مبنى معروف بالقرب منه كان مسجدًا شيّده رجل من حلب عام 500 هـ / 1106 م.
في القرن الرابع عشر قام نقيب الأشراف في الشام حسين الموسوي،ط بتخصيص أراضٍ وبساتين للمقام وأعاد تجديد البناء، لكن ظل بسيطًا حتى منتصف القرن التاسع عشر عندما بدأ السلطان العثماني عبد العزيز الأول بترميم القبة عام 1302 هـ / 1884 م، وفي العقود التالية شهد المقام توسعات متتالية حيث أضافت عائلة آل نظام غرفًا لاستراحة الزائرين عام 1935، وشكّل العلامة محسن الأمين العاملي لجنة لتوسيع الحرم والصحن وإضافة الأروقة عام 1950 م بمشاركة الحاج محمد مهدي البهبهاني، الذي كان له دور بارز في هذه الأعمال، وفي نفس العام أهدى رجل الأعمال محمد علي حبيب شباكًا من الذهب والفضة يزن 12 طنًا.
استمرت عمليات التوسعة والتطوير ففي عام 1953 م قدم تجار إيرانيون شباكًا جديدًا صُنع على يد الفنان الإيراني محمد سميع، واستغرق تصنيعه 30 شهرًا وتم استقباله بحضور شخصيات بارزة منهم رئيس وزراء سوريا آنذاك صبري العسلي، كما شهد عام 1960 م إهداء مئذنتين بارتفاع 54 مترًا وبابًا ذهبيًا للمقام إلى جانب أبواب مذهّبة أخرى، أما أبرز التطويرات الحديثة فقد تم إكساء القبة الخارجية بالذهب عام 1992 م، وفي 2022 م تم استبدال الشباك القديم بآخر حديث قُدّم كهدية من الوقف الشيعي العراقي، ليبقى المقام شاهدًا على مراحل طويلة من التوسعة والتجديد، مع احتفاظه بمكانته الروحية لدى زواره.

اقرأ أيضًا: الغابة الاستوائية في طرطوس
هندسة مقام السيدة زينب العمرانية وأقسامه
يتميز مقام السيدة زينب بتصميمه الفخم وزخارفه الغنية، ويضم عدة أقسام رئيسية، تشمل الضريح، القبة، الصحن، الأروقة، والمآذن، بالإضافة إلى المرافق الملحقة لخدمة الزوار، وتبلغ مساحة الموقع حوالي 15000 مترًا مربعًا ويتسع خمسة الآف شخص.
الضريح
يُعتبر الضريح قلب المقام، حيث يوجد ضريح السيدة زينب ضمن قفص مصنوع من خشب الابنوس المطعم بالفضة والذهب والعاج ويحيط به صندوق ثاني من الزجاج، وقد تم استبداله في عام 2022 بآخر حديث، وكان هدية من الوقف الشيعي العراقي، ويعلو الصندوق شبك مصنوع من هيكل خشبي متين باستخدام الخشب البورمي، ويتكون من أربعة أعمدة ركنية رئيسية وعشرة أعمدة وسطية تحاذي المشبّكات المعدنية، إلى جانب أربعة جسور سفلية وأربعة جسور علوية تربط بين الأعمدة لتعزيز المتانة والاستقرار، يبلغ وزن الشباك 7.5 طن، وارتفاعه 4.5 متر، وعرضه 3.22 متر، وطوله 4.22 متر.
أما أرضية الحرم فمكسوة بالرخام الفاخر، والجدران مزينة بالزخارف الإسلامية والمرايا التي تعكس الضوء بطريقة تزيد من جمالية المكان، ويحيط بالضريح مجموعة من الأعمدة ذات النقوش الهندسية الدقيقة، مما يمنح المكان طابعًا مهيبًا، والسقف مزخرف بالخطوط العربية والزخارف الإسلامية المتشابكة، مع وجود ثريات ضخمة تضيف طابعًا من الفخامة الروحانية.

اقرأ أيضًا: مقهى النوفرة، قصيدة مكتوبة على فنجان قهوة
القبة والمآذن
من أبرز معالم المقام هي القبة الحالية والتي لم تكن في شكلها الذهبي الفخم منذ البداية، بل مرّت بعدة مراحل من البناء والتطوير، ففي العصور القديمة كانت القبة بسيطة ومتواضعة، ولكن مع مرور الزمن خضعت لتحسينات كبيرة ففي في القرن الـ19 قام السلطان العثماني عبد العزيز الأول بتجديد القبة ضمن عمليات تطوير المقام، وفي عام 1950 تم توسيع الحرم وإعادة بناء القبة وتزيينها بالنقوش الإسلامية، بعدها وفي عام 1992 تم تنفيذ أكبر عملية تطوير للقبة حيث تم إكساؤها بالكامل بالذهب، مما جعلها واحدة من أبرز المعالم الإسلامية في دمشق.
وتقوم القبة على قاعدة مربعة ضخمة تنتقل إلى شكل مثمّن ثم إلى القبة الدائرية، مما يعطيها توازنًا هندسيًا رائعًا، وتتضمن زخارف القبة نقوشًا إسلامية دقيقة وخطوطًا قرآنية محفورة بأسلوب بارز، كما أنها مدعومة بأقواس وزخارف داخلية تساهم في إبراز الطابع الفاخر للمقام، ويبلغ ارتفاع القبة من القاعدة حتى قمتها يزيد عن 20 مترًا، مما يجعلها بارزة للأنظار من مسافات بعيدة.
أما بالنسبة للمآذن فخلال توسعة المقام عام 1950، تم بناء مئذنتين شاهقتين ضمن مشروع إعادة التصميم والتوسعة، وفي عام 1960 تم تحسين شكل المآذن ورفع ارتفاعهما ليصل إلى 54 مترًا، ما جعلها من أعلى المآذن في دمشق، وللمآذن شكل اسطواني بتصميم مستوحى من العمارة الإسلامية العثمانية والفاطمية، وكل مئذنة تتكون من ثلاثة مستويات وهي القمة المخروطية المغطاة بالزخارف والمطعمة بصفائح ذهبية وتنتهي بهلال ذهبي لامع، والقاعدة المربعة التي تدعم البناء وتحمل الزخارف والنقوش، ثم البدن الأسطواني وهو الجزء الأوسط الذي يزداد نحافة كلما ارتفع للأعلى، ويضم شرفات مزينة بزخارف هندسية ونقوش قرآنية.

اقرأ أيضًا: قلعة المرقب
الصحن الخارجي
يُعتبر الصحن الخارجي لمقام السيدة زينب أحد أهم الأجزاء العمرانية في المزار، حيث يشكّل ساحة واسعة تحيط بالحرم، وتُستخدم لاستقبال الزوّار وتنظيم الشعائر الدينية، ويتميز الصحن بامتداده الكبير وزخارفه الإسلامية، وهندسته المعمارية ويُحيط به من جميع الجهات أروقة وأعمدة مزخرفة، مما يمنحه طابعًا هندسيًا متناسقًا، كما يتكوّن من عدة أقسام رئيسية:
- الساحة الرخامية الواسعة
- الأروقة المحيطة
- المداخل والأبواب الضخمة
- النوافير والزخارف
- أماكن الجلوس والاستراحة
وتُحيط بالصحن أروقة مرتفعة تحتوي على أعمدة رخامية تحمل زخارف إسلامية دقيقة، وتتزيّن الأعمدة بنقوش خطيّة وآيات قرآنية محفورة بألوان ذهبية مما يعزز البعد الروحاني للمكان، وتوفر الأروقة مناطق ظلّ تحمي الزوّار من حرارة الشمس، وتستخدم أيضًا كمكان لاستراحة المصلين والحجاج.
ويتميز الصحن بعدة مداخل ضخمة تؤدي إلى الحرم أبرزها:
- الباب الذهبي الغربي: أُضيف عام 1960 وهو الباب الرئيسي للمقام، مصنوع من الذهب الخالص، ومحفور عليه نقوش إسلامية دقيقة.
- الباب الشمالي والباب الجنوبي: مذهّبان بالمينا، ويمتازان بتصاميم هندسية معقدة تجمع بين الفنون الفاطمية والصفوية.
- بوابات مزخرفة بالخشب والمعدن، بعضها يحتوي على آيات قرآنية محفورة ومطعمة بالفضة.
كما يحتوي الصحن على نوافير رخامية تستخدم للوضوء، ويتميز تصميمها بوجود مجارٍ مائية توفّر تدفقًا مستمرًا للمياه العذبة، وبعض النوافير مزينة بالفسيفساء والنقوش الإسلامية مما يضفي عليها طابعًا جماليًا وروحانيًا، ويوجد في الصحن أيضًا مقاعد رخامية مخصصة للزوار والمصلين، موزعة في أنحاء الساحة لتوفير أماكن مريحة للاستراحة، بالإضافة إلى ذلك يحتوي الصحن على ثريات ضخمة ومصابيح معلقة تعطي إضاءة جميلة ليلًا، مما يعزز جمالية المكان، وتم تركيب نظام إنارة حديث يتكيف مع المناسبات الدينية، حيث يُستخدم لإضاءة النقوش والزخارف بشكل مميز، وتوجد مكبرات صوت مخفية داخل الأروقة والجدران، تُستخدم لنقل الأذان وتلاوة القرآن الكريم أثناء المناسبات الدينية.

اقرأ أيضًا: مشقيتا والبحيرات السبع… جنة مخفية في أحضان اللاذقية
الشخصيات المدفونة حول مقام السيدة زينب
يوجد حول مقام السيدة زينب في دمشق عدة قبور لأعلام بارزين في التاريخ الإسلامي، سواء من آل البيت أو من شخصيات هامة أخرى، إليك بعض الشخصيات البارزة المدفونة بالقرب من المقام:
- السيد محسن الأمين العاملي (1351 هـ / 1952 م): أحد أبرز علماء الشيعة في القرن العشرين، وهو صاحب موسوعة “أعيان الشيعة”، وكان له دور كبير في إعمار المقام، ويقع قبره في الساحة الخارجية للمقام.
- السيد محمد رضا الحكيم: أحد العلماء البارزين من العراق، كانت له إسهامات دينية وعلمية كبيرة.
- السيد حسين الشيرازي: عالم دين إيراني، كان من أبرز الشخصيات الفقهية، ودفن قرب المقام تقديرًا لمكانته.
- المفكر الإيراني علي شريعتي
- الأديب العراقي مصطفى جمال الدين
- الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري.

على مرّ العصور، حظي مقام السيدة زينب باهتمام الملوك والعلماء والمحبّين، فشهد عمليات توسعة وتجديد متواصلة، حتى أصبح اليوم تحفة معمارية مهيبة تجمع بين الطراز الإسلامي العريق والزخارف الفاخرة، ومع استمرار تدفق الزوار من مختلف أنحاء العالم، يبقى المقام منارةً للزائرين ووجهةً روحية تجسّد مكانة السيدة زينب الخالدة في قلوب المؤمنين.