بوابة سوريا

نوروز الأكراد في سوريا… احتفال بالربيع والهوية والتاريخ

عيد النوروز

عيد النوروز أو النيروز الذي يعني “اليوم الجديد” باللغة الكردية والفارسية، هو واحد من أهم الأعياد القومية للأكراد وهو عيد رأس السنة الفارسية والسنة الكردية، إذ يرمز إلى التجدد والحرية وبداية الربيع، ويحتفل به الأكراد في سوريا والعراق وتركيا وإيران، إضافة إلى بعض الدول الآسيوية الأخرى، فلا يُعتبر النوروز مجرد عيد بل يحمل في طياته أبعادًا تاريخية وثقافية ونضالية، خاصة بالنسبة للأكراد الذين يرون فيه رمزًا لتمسكهم بهويتهم رغم التحديات. في سوريا، يُقام النوروز كل عام في 21 مارس وسط احتفالات تمتزج فيها الأغاني الفلكلورية، والرقصات، والنيران المتقدة التي تُعَدُّ أحد أبرز رموزه.

الأكراد في سوريا وتوزعهم

يُشكّل الأكراد جزءًا مهمًا من النسيج الاجتماعي السوري، ويتواجدون بشكل رئيسي في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من البلاد، ولعل أبرز المناطق التي يقطنها الأكراد هي:

  • محافظة الحسكة: تُعتبر هذه المحافظة من أكثر المناطق التي يتواجد فيها الأكراد، خاصة في مدن مثل القامشلي والمالكية (ديريك) وعامودا.
  • محافظة حلب: يتواجد الأكراد في مدينة حلب نفسها، خاصة في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية، بالإضافة إلى منطقة عفرين وريفها.
  • محافظة الرقة: توجد تجمعات كردية في بعض مناطق هذه المحافظة.
  • دمشق وريفها: يتواجد الأكراد في بعض أحياء دمشق وريفها، مثل حي ركن الدين.
الأكراد

اقرأ أيضًا: نواعير حماة… أسطورة الماء والتاريخ

تاريخ عيد النوروز وأصوله

ترجع أصول عيد النوروز إلى أكثر من 2700 عام حيث يعود إلى الديانة الزرادشتية لكنه استمر حتى بعد الفتوحات الإسلامية، وأصبح من أهم الأعياد لدى القومية الفارسية، ويُحتفل به في إيران، أفغانستان، تركيا، والمناطق الكردية في العراق وسوريا، كما انتقل بين الشعوب عبر طريق الحرير مما جعله تقليدًا واسع الانتشار، وهو اليوم عطلة رسمية في إيران، أذربيجان، العراق، وقرغيزستان، وبالنسبة للأكراد يرتبط النوروز بأسطورة البطل كاوا الحداد، الذي قاد ثورة ضد الملك الظالم الضحاك، وتروي الأسطورة أن الضحاك كان ملكًا مستبدًا يقتل الشباب الكردي يوميًا لإطعام ثعابين نمت على كتفيه، ثم ثار كاوا الحداد ضد هذا الظلم، وبعد قتله للضحاك أشعل نارًا على قمة الجبل لإعلام الناس بالتحرر والنصر، منذ ذلك الحين أصبحت إشعال النار رمزًا لعيد النوروز وللأكراد وللحرية والانتصار على الظلم.

كما تحكي الأساطير أن الملك الفارسي جمشيد الملقب بـ”جم” كان يتجول في أنحاء العالم، وعندما وصل إلى أذربيجان أمر بنصب عرش له، وعندما جلس عليه أشرقت الشمس وسطع نورها على تاجه وعرشه، فابتهج الناس وأطلقوا على هذا اليوم اسم “اليوم الجديد”، والذي يُعرف اليوم بـالنوروز، ويُقال إن اسم جمشيد جاء من إضافة كلمة “شيد”، والتي تعني “الشعاع” باللغة البهلوية إلى اسمه.

أما من الناحية التاريخية، فتشير النقوش الأثرية إلى أن الساسانيين الذين حكموا بلاد فارس قبل الإسلام، كانوا يحتفلون بعيد النوروز وفق تقويم يستند إلى الحسابات الفلكية التي أجراها الكهنة البابليون والمجوس الإيرانيون، حيث كان التقويم يعتمد على رصد النجوم، لكنه لم يكن دقيقًا في حساب السنوات الكبيسة، مما تسبب في تغير موعد النوروز عبر الزمن.

أما في العصور الإسلامية فلم يكن عيد النوروز ذا أهمية كبيرة، لكنه بدأ يأخذ طابعًا رسميًا في العصر الأموي، حيث ورد أن الحجاج بن يوسف الثقفي كان أول من قدم الهدايا للفرس خلال هذه المناسبة، ولاحقًا ألغى عمر بن عبد العزيز هذه المراسيم، لكنها عادت في العصر العباسي حيث أصبح تبادل الهدايا جزءًا من تقاليد القصر، كما فعل أحمد بن يوسف الكاتب عندما قدّم سفطًا من الذهب للخليفة المأمون، ولم يكن موعد النوروز ثابتًا في ذلك الوقت فقد تأثر بالتقويم الفارسي الشمسي الذي كان يُعدّل وفق السنوات الكبيسة على غرار التقويم المسيحي، لكن مع انتشار الإسلام توقف العمل بهذا النظام.

وتاريخيًا كان يوم النوروز يرتبط بجمع الضرائب، ففي عهد الخليفة المتوكل (847-861م) قُدّم موعد جمع الخراج بشهرين، وفي سنة 245 هـ تم تثبيت موعده في 17 يونيو، كما ورد في كتاب “الوافي بالوفيات” للصفدي.

أكراد سوريا

اقرأ أيضًا: أبواب دمشق السبعة، حراس الزمن وسفراء التاريخ

أصل تسمية النوروز في اللغة والتاريخ

كلمة “نوروز” تتألف من “نو” بمعنى جديد و”روز” بمعنى يوم في اللغتين الفارسية والكردية وبالتالي تعني “اليوم الجديد”، وقد تم تعريب الكلمة قديمًا لتصبح “النيروز”، كما وردت في معاجم التراث العربي مثل لسان العرب وأقرب الموارد لسعيد الخوري الشرتوني، حيث وصفه بأنه أول يوم من السنة الشمسية، ويوافق دخول الشمس في برج الحمل أي بداية فصل الربيع.

ويُروى أن الإمام علي بن أبي طالب عندما قُدّم إليه شيء من الحلوى في هذا اليوم، قال: “نيرزونا كل يوم”، لكن هذه الرواية غير مؤكدة، حيث كان السلف الصالح يبتعدون عن الاحتفال بالمناسبات ذات الجذور الجاهلية.

وفي الأدب العربي استخدم الشعراء كلمة “نوروز” للدلالة على بداية الربيع، كما ورد في أبيات البحتري الذي وصف النوروز بأنه يوقظ أزهار الربيع بعد سباتها الشتوي، كما أُطلق عليه أسماء أخرى مثل “التحويل” و”دورة السنة”، في إشارة إلى تغير الفصول وبداية عام جديد وفق التقويم الشمسي.

عيد النوروز

اقرأ أيضًا: الغابة الاستوائية في طرطوس

طقوس الاحتفال بعيد النوروز في سوريا

يحتفل السوريين الأكراد كل عام بعيد النوروز حيث وتتشابه طقوسهم غالبًا في مناطق انتشارهم في سوريا وهي كالتالي:

  • إشعال النيران (رمز النور والانتصار): تُعد النار العنصر الأساسي في الاحتفالات، حيث يقوم الأكراد بإشعال مشاعل ضخمة في الساحات العامة أو على رؤوس التلال والجبال مساء يوم 20 مارس، ويعتبر هذا الطقس رمزًا للانتصار على الظلام والشر، كما أن بعض الشباب يقومون بالقفز فوق النار ثلاث مرات أو أكثر في طقس يرمز إلى التخلص من الذنوب والمصاعب واستقبال الحياة الجديدة بطاقة إيجابية.
  • الرقص والدبكات الشعبية: يُعتبر الرقص الجماعي جزءًا رئيسيًا من احتفال الأكراد، حيث تتجمع المجموعات في حلقات كبيرة لأداء الدبكات الكردية التقليدية على أنغام الموسيقى الفلكلورية، والتي غالبًا ما تتسم بالإيقاع السريع والحماسي، ويرافق الرقص العزف على آلة الطنبور، الدف، والزورنا، وهي من الأدوات الموسيقية التقليدية في الثقافة الكردية.
  • ارتداء الملابس الفلكلورية التقليدية: حيث يحرص المحتفلون على ارتداء الأزياء التقليدية الكردية، التي تتميز بألوانها الزاهية والمطرزة يدويًا، فيرتدي الرجال الزي الكردي الفضفاض المكوّن من سروال واسع وقميص مع شال يوضع حول الخصر، أما النساء فيرتدين فساتين طويلة ملونة ومزينة بأقمشة براقة، مع وشاح أو غطاء رأس مزخرف.
  • التنزه والخروج إلى الطبيعة: يُعتبر الخروج إلى الطبيعة من الطقوس الأساسية لهذا العيد عند الأكراد، حيث يتوجه المحتفلون إلى الحدائق، الجبال، أو ضفاف الأنهار لقضاء اليوم في أجواء من الفرح والبهجة، وتُقام هناك جلسات غنائية وألعاب جماعية، ورحلات عائلية احتفالًا ببداية فصل الربيع، حيث يتشارك الناس الطعام ويتبادلون التهاني والتمنيات بسنة جديدة مليئة بالخير.
  • تحضير المأكولات التقليدية: يُعد الطعام جزءًا مهمًا من احتفالات الأكراد، حيث يتم تحضير أطباق شعبية مثل الكباب المشوي وهو من الأكلات الرئيسية في هذه المناسبة، والبرغل بأنواعه حيث يتم طهيه مع الخضار أو اللحم، وكذلك المعجنات المحشوة باللحم أو الجبن، بالإضافة إلى الحلويات التقليدية مثل البقلاوة أو الحلويات المصنوعة من العسل والمكسرات.
أكراد سوريا

ختامًا، عيد النوروز هو مناسبة غنية بالتقاليد والرموز التي تعكس قيم الحب، الحرية، والتجدد، ومن خلال طقوسه المميزة يعبر الأكراد في سوريا عن ارتباطهم بجذورهم الثقافية، كما يمثل فرصة للاحتفال بالحياة والتفاؤل بمستقبل مشرق. ورغم كل التحديات، يبقى النوروز مناسبة حية ومؤثرة تجمع الناس تحت راية الفرح والأمل، وتعبر عن روح الإنسانية التي تتوق دائمًا للحرية والتجدد.

السابق
قلعة صافيتا… ببرجها العريق تروحي حكايات الزمن
التالي
مسجد ابن طولون ـ شاهد أجمل الآثار الإسلامية بالقاهرة