بوابة سوريا

أبواب دمشق السبعة، حراس الزمن وسفراء التاريخ

سياحة

مدينة دمشق أقدم عاصمة مأهولة في العالم، تحمل في جدرانها وأزقتها تاريخاً يمتد لآلاف السنين، وتُعدُّ أبوابها السبعة من أبرز معالمها الأثرية التي بقيت شاهدة على تعاقب الحضارات، ولم تكن هذه الأبواب مجرد مداخل ومخارج للمدينة بل كانت شواهد على الحروب والانتصارات وعلى الحياة اليومية للدمشقيين عبر العصور، وفي هذا المقال سنستعرض تفاصيل هذه أبواب دمشق السبعة ونغوص في تاريخها العريق.

تاريخ وقصة الأبوب السبعة

تُعد أبواب دمشق السبعة من أقدم المعالم التاريخية التي تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، حيث كانت جزءًا من التحصينات الدفاعية للمدينة في العهدين الإغريقي والروماني، وقد ارتبطت أسماؤها بالكواكب السبعة وفقًا للمعتقدات الفلكية السائدة في تلك العصور، حيث كان يُعتقد أن لكل باب طاقة وتأثيرًا معينًا بناءً على الكوكب المرتبط به، فكانت على الشكل التالي:

  • باب الفراديس: ارتبط بعطارد، وهو الكوكب المرتبط بالحكمة والتجارة.
  • باب الجنيق: نُسب إلى القمر، الذي يرمز للهدوء والغموض.
  • باب توما: حمل رمز الزهرة، التي تمثل الجمال والحب.
  • الباب الشرقي: ارتبط بالشمس، رمز القوة والضياء.
  • باب كيسان: عُلّقت عليه صورة زحل، الذي يرمز للحكمة والتأمل.
  • باب الصغير: مثَّل المريخ، المرتبط بالحروب والشجاعة.
  • باب الجابية: حمل صورة المشتري، كوكب الخير والتوسع.

ولم تكن أبواب دمشق مجرد نقاط دخول وخروج بل كانت تحمل أبعادًا رمزية ودينية، حيث ارتبطت بمعتقدات فلكية وروحانية، وعُلّقت عليها صور الكواكب لتعزيز مكانتها في الوعي الشعبي، كما أنها لعبت دورًا في النشاط الاقتصادي، حيث كانت مراكز تجارية تزدهر حولها الأسواق والخانات.

وفي العهد الروماني كانت أبواب دمشق السبعة جزءًا من النظام الدفاعي للمدينة، ولكن مع مرور الزمن تغيرت بعض مواقع الأبواب نتيجة التجديدات المختلفة للسور، ففُتحت بعض الأبواب وأُغلقت أخرى تبعًا للظروف الأمنية والعمرانية التي مرت بها المدينة، خصوصًا خلال العهود الإسلامية والعثمانية، ومن الجدير بالذكر أن أجراءًا من هذا السور تدمرت عام 749 م بفعل العباسيين وأخذ السور بالإنهيار ثم أعيد بناؤه وتحصينه في عهد نور الدين الزنكي عام 1174م، وفتحت حينها أبواب لم تكن موجودة منها باب الفرج وباب النصر، ومن الأبواب التي لم تعد موجودة اليوم هو باب الجنيق والذي كان يربط دمشق بالطرق الشمالية المؤدية إلى حلب، أما الباب الوحيد من بين أبواب دمشق السبعة الذي ظل محتفظًا بتصميمه الروماني بمداخله الثلاثة فهو باب شرقي.

أما بالنسبة للأبواب الأخرى المعروفة اليوم في دمشق مثل باب سريجة وباب مصلى وبوابة الميدان، فهي ليست الإ أبواب الحارات القديمة والتي كان دوروها البارز هو حماية الحارات الدمشقية، حيث يمكن تحديد الأبواب الرومانية الأصلية على السور عن غيرها من الأبواب من شكلها المميز حيث تتألف من ثلاث فتحات مقوسة أكبرها الفتحة الوسطى والفتحتان الجانبيتان أصغر منها، وكانت تستخدم هاتان الفتحتان للمشاة أما الأبواب التي فتحت بعد ذلك فمانت أما مزدوجة الفتحات مثل باب الفرج أو بفتحة واحدة مثل باب السلام

ويُعتقد أن سور دمشق هو أول سور بُني بعد الطوفان العظيم، وفقًا لما ذكره ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان، ومن الجدير ذكره أنه في العهود الإسلامية كانت الأبواب تُغلق عند الغروب حفاظًا على أمن المدينة ويُعاد فتحها صباحًا لاستقبال القوافل والتجار، ويلاحظ كذلك أن عدد أبواب دمشق في الجهة الشمالية أكثر من الجهات الأخرى، وذلك لعدم إمكان توقع هجوم من هذه الجهة، بسبب الحماية التي توفرها فروع نهر بردى وقنوات المياه، بالإضافة إلى صعوبة التضاريس الناتجة عن سفوح جبل قاسيون.

اقرأ أيضًا: مقام السيدة زينب في ريف دمشق

باب توما

يقع باب توما في الجهة الشمالية الشرقية للمدينة القديمة، وهو واحد من أبواب دمشق البارزة، وسُمِّيَ بهذا الاسم نسبة إلى القديس توما أحد رسل السيد المسيح وذلك أثناء فترة انتشار المسيحية، وكان يُعرف سابقًا بأسماء أخرى مثل “باب تومـا”، “ثوماس”، “الزهرة”، “فينوس” و”أفرودايت”، نسبة إلى إله الحب والجمال عند الإغريق والرومان، ويُعتقد أن الباب بني في الأصل من قبل اليونانيين، حيث توجد نقوش يونانية على إحدى حجارة الباب، ثم أعاد الرومان بناءه لاحقًا وتم ترميمه في العهد الإسلامي وذلك في عهد نور الدين الزنكي، وتم بناء مسجد ومئذنة عليه، ليصبح جزءًا من المنشآت العسكرية خلال فترة حكم الأيوبيين، حيث كان يحتوي على كوى دفاعية مستطيلة.

ولعل أحد أبرز أعمال الترميم التي خضع لها باب توما كان في عهد الملك الناصر داود بن عيسى (1228م)، ثم جاء الترميم المملوكي في عهد نائب دمشق آنذاك تنكز (1333م)، ومع الاحتلال الفرنسي لسوريا في بداية القرن العشرين تم إزالة المسجد والمئذنة، ويحمل الباب بنقش كتابي على العتبة العليا التي تعود إلى العهد المملوكي، ويُظهر الارتفاع الحالي للباب (4.38 متر) وعرضه (3.22 متر)، في حين أن سماكته تصل إلى 7 متر، كما يُغطى بقبة مدببة موجهة نحو داخل المدينة.

كما ويعدُّ حي باب توما اليوم من أجمل الأحياء الدمشقية، حيث تتداخل فيه المباني القديمة مع المقاهي والمطاعم التي تعكس روح المدينة العريقة.

أبواب دمشق السبعة

اقرأ أيضًا: وادي النصارى… لؤلؤة خضراء تروي حكايات الزمن

باب الفراديس

باب الفراديس أيضًا أحد أبواب دمشق ويقع في الجهة الشمالية من السور، وحاليًا يقع في سوق العمارة بين باب السلام وباب الفرج، يعود إلى الحقبة الرومانية وتحديدًا إلى القرن الثاني الميلادي، وكان مخصصًا لعبادة عطارد إله التجارة والسفر عند الرومان، وأُطلق عليه اسم “باب الفراديس” في العصر الروماني لكثرة البساتين والمياه التي كانت تحيط به، كما ويعرف أيضًا ب “باب الفراديس الكبير”، كما وسُمّي باب الفراديس عند الفتح الإسلامي لدمشق بباب الناطفانين والمقصود به من يطرز الثياب بخيوط من ذهب، وفي عهد المماليك سُمّي بباب الخواصين، نسبة إلى محلّة قريبة في سوق الخيّاطين، كما أُطلق عليه في العهد الأيوبي اسم باب العمارة لأن ما يليه داخل المدينة هو حيّ العمارة الجوّانية.

أما بالنسبة لتصميمه فهو مزدوج داخلي وخارجي ومصفح بالحديد وعليه نقوش كتابية غير واضحة، وجُدّد الباب في العهد الأيوبي سنة 639 هـ.

أبواب دمشق السبعة

اقرأ أيضًا: الغابة الاستوائية في طرطوس

باب الجنيق

باب الجنيق أحد أبواب دمشق التي لم يبقى من أثرها إلا القليل، حيث يقع بين باب توما وباب الفراديس في الجهة الشمالية من سور مدينة دمشق القديمة، ومن المعروف أن اسم الباب في الأصل هو “مون” وهو اسم القمر عند اليونانيين القدماء، ثم أطلق عليه اسم “سيلينا” وهو أيضًا اسم من أسماء القمر، كما وأطلق عليه اسم “باب الجنيق” في العصر الأموي، والجنيق هو تصغير جنّة وبستان، وربما ذلك لكثرة البساتين حوله في ذلك الوقت، ومن أسمائه الأخرى “باب القمر”، “باب الميلاد”، “باب لونا”، ويتألف الباب من ثلاث فتحات أكبرها أوسطها وقد سُدّت هذه الفتحة والفتحة الجنوبية في القرون الوسطى ولم تبق إلا الفتحة الشمالية، كما كانت تعلو الباب صفوف من أحجار السور، وكان أيضًا بجوار الباب كنيسة تم تحويلها إلى جامع لتصبح بعد ذلك بيوتًا للسكن فيما بعد وتعرف المنطقة اليوم بحارة الفرايين

كما وشهد باب الجنيق العديد من الأحداث التاريخية الهامة، مثل دخول خالد بن الوليد إلى دمشق عند الفتح الإسلامي، ودخول عبد الله بن علي حين احتلها العباسيون، مماثلًا بذلك غيره من أبواب دمشق السبعة

اقرأ أيضًا: معلولا… لؤلؤة آرامية شامخة بين الجبال

باب شرقي

وهو رابع باب من أبواب دمشق التي سنتحدث عنها حيث يقع الباب في الجهة الشرقية من المدينة، كما ويُعتبر البوابة الرئيسية للمدينة من جهة الشرق، وكان يُستخدم لدخول القوافل التجارية والجيوش، ويعتد أنه بني في عهد سبتيموس سيفيروس وكركلا في القرن الثاني أو الثالث الميلادي، وهو الوحيد المتبقي من تلك الحقبة، ومن الجدير بالذكر أنه رسم فوق رتاج الباب نقش نافر على حجر عبارة عن صورة قرص الشمس وتنبعث منه أشعة نور واستمر وجوده طيلة القرون الميلادية الأولى، ويُعرف أيضًا بباب الشمس، وباب كوكب المشتري، ويُعتبر أيضًا من أضخم أبواب دمشق القديمة حيث يبلغ ارتفاعه حوالي 12 مترًا وعرضه حوالي 25 مترًا، كما كان مُزينًا بالعديد من الزخارف المعمارية الرومانية مثل الأعمدة والتيجان

ويتميز باب شرقي بتصميمه الروماني الفريد، حيث يتكون من ثلاثة أقواس قوس كبير في المنتصف وقوسين صغيرين على الجانبين، ويُعتبر هذا التصميم شاهدًا على عظمة العمارة الرومانية وتأثيرها في أبواب دمشق، أما الشارع المستقيم فيمتد على طول 1500 متر، ويتألف من طريق واسع في الوسط ورواقين جانبيين مسقوفين، وقد كانت هذه الأروقة تُستخدم كممرات للمشاة، بينما كانت المحلات التجارية تنتشر على طول الشارع.

وتضم منطقة باب شرقي العديد من الكنائس والمساجد، بالإضافة إلى المحلات التجارية التي تبيع التحف والأنتيكات، وتعدّ منطقة باب توما والأمين والمنطقة الصناعية من المناطق المجاورة لباب شرقي، وسُمّيت هذه المنطقة بهذا الاسم نسبةً إلى الباب نفسه.

بالإضافة إلى ذلك فقد شهد الباب أحداثًا تاريخية بارزة مثل دخول عبد الله بن علي إلى دمشق عند سقوط الدولة الأموية في عام 749م، والذي ارتكب مجازر في المدينة، وفي عام 1154م دخل الملك نور الدين الزنكي عبر الباب، وقام بترميمه مع باقي أبواب وأسوار دمشق، كما بنى مسجدًا صغيرًا ومئذنة أمامه وأقام باشورة في المكان. يُعتقد أن نور الدين هو من سدّ الفتحتين الوسطى والجنوبية للباب لأسباب دفاعية.

في أواخر القرن التاسع عشر، هُدمت الباشورة وأزيل المسجد الصغير، وفي عام 1206م استخدمت حجارة القنطرة القديمة في تبليط جامع الأموي، كما جرى ترميم الباب في عهد الانتداب الفرنسي عام 1926م، وحتى عام 1950م كان الباب يحتوي على مدخل واحد فقط، ولكن تم لاحقًا إعادة فتح البوابتين الوسطى والجنوبية بعد ترميم شامل للباب.

أبواب دمشق السبعة

اقرأ أيضًا: زيب لاين الشاهين… تجربة لا تُنسى في أحضان الطبيعة السورية

باب كيسان

باب كيسان أحد أبواب دمشق القديمة أيضًا حيث يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من سور دمشق القديم، واسم الباب في الأصل هو “باب زحل”، نسبة إلى كوكب زحل الذي كان يُعتبر إله الزراعة عند الرومان، وأُطلق عليه اسم “باب كيسان” في العصر الأموي، وكيسان هو اسم لمولى معاوية بن أبي سفيان، وبالإضافة إلى كل ما ذكرناه أيضًا سمي الباب بالباب القبلي وكذلك بباب قيصون ومعناه الحد الأقصى من الزاوية الجنوبية الشرقية، ويُعتبر باب كيسان من الأبواب الصغيرة نسبيًا مقارنة بالأبواب الأخرى لدمشق القديمة، حيث يتألف من فتحة واحدة صغيرة، ويُوجد فوق الباب نقش باللغة اليونانية.

وكغيره من أبواب دمشق شهد باب كيسان العديد من الأحداث التاريخية الهامة، مثل دخول يزيد بن أبي سفيان إلى دمشق عند الفتح الإسلامي، ومن الجدير بالذكر أنه تم إغلاق الباب في عهد نور الدين زنكي لأسباب دفاعية والبعض يقول أنه سُد لسبب آخر وهو فتح باب الفرج، ثم أُعيد فتحه في العهد المملوكي في زمن نائب الشام سيف الدين منكلي بغا والذي أعاد ترميمه وبنى داخله مسجدًا، ويُوجد بالقرب من باب كيسان كنيسة القديس بولس التي بُنيت تخليدًا لذكرى هروب القديس بولس من دمشق عبر هذا الباب وذلك على يد المهندس العمراني الفرنسي دولوري.

أبواب دمشق السبعة

اقرأ أيضًا: قصر الزهراوي في حمص

باب الصغير

باب الصغير باب آخر من أبواب دمشق السبعة ويقع في الجهة الجنوبية الغربية من سور دمشق القديم، وسُمّي بالصغير لأنه كان الأصغر بين أبواب دمشق السبعة، كما يُعرف أيضًا بباب الشاغور لأنه يؤدي إلى منطقة الشاغور، ويُسميه البعض بباب الجابية الصغير أو باب القبلة، وأُطلق عليه أيضًا باب الحديد في العهد العثماني.

يُوجد بالقرب من باب الصغير مقبرة باب الصغير التي تُعتبر من أقدم وأكبر المقابر في دمشق، وتضم العديد من الشخصيات التاريخية الهامة، ومن أبرز الأحداث المهمة التي مرت على هذا الباب كغيره من أبواب دمشق هو دخول يزيد بن أبي سفيان في مرحلة الفتوحات الإسلامية، أما فأبرز الترميمات التي طالت الباب والسور المحيط به فهو ترميم الملك المعظم عيسى في زمن الدولة الأيوبية عام 1226 م، ومنه اقتحم التتار دمشق بقيادة تيمورلنك عام 1401م وذلك في العهد المملوكي.

أبواب دمشق السبعة

اقرأ أيضًا: كنيسة أم الزنار… واحدة من أقدم كنائس العالم

باب الجابية

نختم أبواب دمشق السبعة بباب الجابية الذي يقع في الجهة الغربية من سور دمشق القديم، حيث أن اسم الباب في الأصل هو “باب المشتري” نسبة إلى كوكب المشتري الذي كان يُعتبر إله السماء عند الرومان، وأُطلق عليه اسم “باب الجابية” في العصر الإسلامي والجابية هي مكان لتجميع المياه، كما توجد روايات أخرى تقول أن سبب تسمية هذا الباب يعود إلى تل الجابية في منطقة حوران، لأن الذي يخرج منه يصل إليها، ويتصل هذا الباب بباب شرقي عبر الشارع المستقيم ،ومن أهم الأحداث التي مر بها هي دخول أبي عبيدة بن الجراح عند الفتح الإسلامي لدمشق، أمّا بالنسبة لترميمه فقد كان في عام 1165م في عهد نور الدين الزنكي الذي بنى حوله باشورة، لتتلوها ترميمات أخرى أبرزها في عهد الملك شرف الدين عيسى ابن الملك العادل في زمن الدولة الأيوبية.

أبواب دمشق السبعة

تمثل أبواب دمشق السبعة شواهد حيّة على عظمة التاريخ والحضارات التي تعاقبت على هذه المدينة العريقة، ومع مرور الزمن، بقيت هذه الأبواب تحكي قصص الفاتحين والتجار والحجاج، وتربط الماضي بالحاضر، لتظل دمشق أقدم عاصمة مأهولة في العالم، مدينةً لا تزال تحفظ في حجارتها سرّ الخلود.

السابق
كفر الشيخ
التالي
مراجعة رواية خاوية ، رواية مؤلمة .