اقرأ معنا

السحر… حين يتحوّل الامتنان إلى طاقة

السحر

منذ السطر الأول في كتاب “السحر” للكاتبة الأسترالية روندا بايرن ندرك أننا لسنا أمام كتاب تنمية بشرية تقليدي، بل أمام رحلة داخل الروح، رحلة تقول لك – بطريقة ناعمة أحيانًا وحادّة أحيانًا أخرى – إن الحلول التي تبحث عنها ليست خارجك بل في الداخل، وإن السعادة التي تطاردها لن تأتي إلا حين تلتفت إلى ما لديك قبل أن تنظر إلى ما ينقصك.

يقدّم الكتاب مفهومًا واحدًا، لكنه مفهوم عميق بما يكفي ليهزّ حياتك كلها:
إن الامتنان هو سِحرٌ قادر على تغيير كل شيء.

الامتنان

يبدو الامتنان لأول وهلة فكرة بسيطة، وربما مبتذلة، لكن الكتاب يجعلها مركز الكون.
تقول روندا بايرن:


“إن السحر يبدأ حين تقول كلمة واحدة: شكرًا.”

لكن الامتنان هنا ليس شكرًا عابرًا، بل حالة عميقة، طاقة، ممارسة يومية، التزام، إعادة برمجة للعقل، وإعادة تدريب للقلب ليرى ما هو موجود بدلًا من أن يعلّق حياته على ما هو مفقود.

الامتنان كجسر يعيد الإنسان إلى ذاته

حين نتوقف أمام فكرة الامتنان كما يقدّمها كتاب “السِّحر”، نكتشف أن الأمر أعمق من مجرد ممارسة يومية أو تمرين عابر. الامتنان هنا يتحوّل إلى جسر داخلي يعيد الإنسان إلى ذاته، إلى تلك المنطقة الهادئة التي ننسى وجودها بسبب الركض المستمر خلف المسؤوليات والضغوط.

فحين نمسك الورقة والقلم لنكتب ما نحن ممتنون له، نشعر بأننا نعيد ترتيب الفوضى داخلنا، وكأننا نلمّ شتات أيامنا رقمًا رقمًا ونعمةً نعمة.

الامتنان يمنحنا لحظة صمت، لحظة صراحة، لحظة مواجهة مع أنفسنا دون تزييف أو ادعاء. فهو لا يطلب منا أن نكون مثاليين أو سعداء طوال الوقت، لكنه يذكّرنا بأن في قلب كل معاناة نافذة صغيرة يدخل منها الضوء. هذا الضوء هو ما يجعلنا نستمر، وما يدفعنا لنرى أن الحياة رغم صعوبتها ما زالت تحمل لنا ما يستحق العيش. إن الامتنان في جوهره ليس كلمة نقولها، بل طريقة ننظر بها إلى العالم… طريقة تجعلنا أقوى، أهدأ، وأقرب إلى حقيقتنا.

الامتنان والقدرة على تحويل الألم إلى نمو

الجميل في فكرة الامتنان كما يقدّمها كتاب “السِّحر” أنها لا تتجاهل الألم أو الصعوبات، بل تعلّمنا كيف نحوّلها إلى فرص للنمو الداخلي. حين نواجه خيبة أمل أو تحديًا صعبًا، الامتنان يجعلنا نتوقف لنسأل أنفسنا: ما الشيء الجيد الذي لا يزال موجودًا؟ ما الدرس الذي يمكن استخلاصه؟ بهذه الطريقة، يتحوّل الألم من عبء يثقل القلب إلى مادة خام تصقل روحنا وتمنحنا القوة. تقول الكاتبة:


“لا يمكنك أن تشعر بالسلبية وأنت ممتن.”


وهي جملة بسيطة لكنها تحمل معنى عميقًا: الامتنان لا يمحو الصعوبات، لكنه يمنحك القدرة على مواجهتها بطريقة أهدأ وأكثر وضوحًا، وبهذا يصبح السحر الحقيقي هو تغيير نظرتك لا تغيير الواقع نفسه.

لماذا ينجح الامتنان؟

لأن الإنسان – حين ينظر فقط للنقص – يعيش في دائرة حرمان لا تنتهي.
ولأن الامتنان يوسّع دائرة الرؤية، ويريك أن حياتك أكثر امتلاءً مما كنت تظن.
ولأن عقل الإنسان يبرمج نفسه وفقًا لما يركز عليه:
تركز على الخسارات → يزداد إحساسك بالفقد.
تركز على النعم → يزداد إحساسك بالوفرة.

هذه الفلسفة ليست جديدة، ولكن طريقة سردها في الكتاب تمنحها وهجًا عاطفيًا يجعلك تشعر أنك تعيد اكتشاف الحقيقة رغم بساطتها.

أسلوب الكتاب

تمتاز روندا بايرن بلغة مباشرة جدًا، لكنها قادرة على تحريك شيء ما في القارئ لا تستخدم المصطلحات النفسية المعقدة ولا تدخل في فلسفات طويلة هي تخاطب القلب قبل العقل، وتجعل القارئ يحسّ أنه يخاطب نفسه.

تقول الكاتبة:


“إن الامتنان هو أعظم قوة في الوجود.”

وقد تبدو العبارة مبالغًا فيها، لكنها تُقال بثقة تجعل القارئ مستعدًا للتجربة.

من ناحية أدبية، قد يراها البعض لغة بسيطة أكثر من اللازم، لكنها بسيطة لأنها تريد أن تصل إلى الجميع، من أي عمر، من أي ثقافة.

بنية الكتاب

يقسّم الكتاب ممارسات الامتنان إلى 30 يومًا، بحيث يمارس القارئ تمرينًا واحدًا يوميًا.
وهو تقسيم ذكي جدًا لأن العقل يحتاج 21–30 يومًا ليكوّن عادة جديدة.

من أهم التمارين:

1. تعداد النعم يوميًا (10 أشياء تشكر عليها يوميًا).
2. استخدام كلمة “شكرًا” بوعي قبل كل مهمة يومية.
3. تخيل الصحة، العلاقات، المال، العمل… وهي تتحسن بامتنانك لها.
4. علاج المواقف السلبية عبر الامتنان.
5. وضع حجر الامتنان بجانب سريرك لتتذكر اللحظة الأفضل في يومك.

هذه التمارين قد تبدو بسيطة، لكنها حين تتكرر تصبح جزءًا من طريقة تفكيرك… وذلك هو التغيير الحقيقي.

لماذا يحبه القراء؟

لأن الكتاب يشعرك بأن حياتك يمكن أن تتغيّر دون أن تغيّر الواقع، بل بتغيير زاوية النظر إليه. ولأن الامتنان يعطي الإنسان شعورًا فوريًا بالراحة النفسية. ولأن الناس في هذا الزمن المثقل بالقلق يبحثون عن طريقة لالتقاط أنفاسهم.

ولأن روح الكتاب تبعث الطمأنينة، تشبه يدًا تربت على كتفك وتقول:
“أنت بخير… فقط انظر حولك.”

نقاط القوة في الكتاب

  1. سهولة التطبيق.
    كل تمرين واضح، بسيط، ويمكن القيام به فورًا.
  2. الأثر العاطفي.
    الكتاب يمسّ نقاطًا داخل القارئ، خاصة حين يشعر أن الحياة أثقل مما يحتمل.
  3. تحسين الصحة النفسية.
    الامتنان يقلل القلق، يقلل التوتر، ويحسّن جودة النوم.
  4. تحسين العلاقات.
    حين تشكر الناس، تتغير طريقتك في التعامل معهم ويتغير ردّهم تجاهك.
  5. التركيز على الجانب الإيجابي دون إنكار الألم.
    الامتنان لا يمنع وقوع المشاكل، لكنه يمنعها من السيطرة عليك.

نقاط الضعف في الكتاب

ورغم قوة الرسالة، إلا أن الكتاب ليس كاملًا، وهذه أهم ملاحظاتي:

  1. مبالغة في بعض الوعود.
    تقول الكاتبة مثلًا:
    “الامتنان يجلب لك كل ما تريد.”
    وهذا غير منطقي تمامًا. الامتنان يساعد، لكنه ليس عصًا سحرية.
  2. عدم تقديم تفسير علمي عميق.
    لو كانت الكاتبة دمجت قليلًا من علم النفس العصبي أو علم السلوك، لكان الكتاب أقوى بكثير.
  3. التكرار.
    بعض الفصول تشبه بعضها، خاصة عند شرح قوة الامتنان.
  4. مثالية شديدة.
    الحياة ليست كلها امتنانًا. أحيانًا نحتاج أن نغضب، أن نحزن، أن نصرخ… وهذا جزء من النمو النفسي.

ورغم هذه الملاحظات، تبقى الفكرة قوية بما يكفي لتستحق القراءة.

اقرأ أيضا : السماح بالرحيل ، تحرر من الداخل

تأثير الكتاب على القارئ

لأن الامتنان يغيّر طريقة الدماغ في معالجة المعلومات. حين يشعر الإنسان أنه غارق في المشاكل، يقوم عقلُه بتضخيم كل شيء سلبي.
لكن حين يمارس الامتنان، يحدث العكس: الدماغ يعيد ترتيب الأولويات، ويبدأ يرى الواقع كما هو، لا كما يصوّره الخوف.

الامتنان أيضًا يعطي إحساسًا بالسيطرة، لأنك تشعر أنك قادر على تحسين يومك، ولو بشيء صغير.وهذا وحده يجعل الحياة أكثر احتمالًا.

التأثير الاجتماعي

الامتنان يجعل الإنسان ألطف، أكثر قدرة على التفاهم، أكثر رحمة، وأكثر حضورًا.
فجأة يبدأ يرى أن علاقاته ليست عبئًا كما كان يظن، بل نعمة.

التأثير الروحي

  • قد يختلف القراء في تفسيراتهم:
  • البعض يرى الامتنان قوة روحية.
  • والبعض يراه قانون جذب.
  • والبعض يراه أمرًا دينيًا، لأن الامتنان جزء أساسي من الإيمان.

لكن مهما كان التفسير، يبقى الأثر واحدًا: راحة داخلية.

اقرأ أيضا : كتاب السر : سرّ القوة الداخلية

اقتباسات

1. “المعجزة التي ستغير حياتك بالكامل هي الامتنان.”
2. “عندما تكون ممتنًا، تتغير حياتك بالكامل.”
3. “كلما شكرت أكثر، زاد ما يمكنك الحصول عليه.”
4. “الامتنان هو الطريق إلى الوفرة.”
5. “الحياة تتغير عندما تقول شكرًا.”
6. “لا يمكنك أن تشعر بالسلبية وأنت ممتن.”
7. “كل ما تركز عليه يزداد.”
8. “امتنانك اليوم يصنع غدك.”
9. “حين تكون ممتنًا، تجد السلام.”
10. “الامتنان يفتح لك باب السعادة.”

لماذا يستحق القراءة رغم ملاحظاتي

كتاب “السحر” ليس كتابًا فلسفيًا عميقًا، ولا بحثًا علميًا، ولا عملًا أدبيًا متينًا.
لكنه دليل عملي لتغيير طريقة التفكير، وأظن أنه من الكتب التي يجب قراءتها مرة واحدة على الأقل…
ليس لأنه سيحل كل شيء… بل لأنه يعيد ترتيب الأشياء داخلك.

هو كتاب يبدأ بالامتنان، لكنه ينتهي بإعادة تعريفك لعلاقتك بحياتك.

قد لا يغيّر الواقع، لكنه يغيّر نظرتك للواقع.
وأحيانًا… هذا وحده يكفي.

بعد قراءة الكتاب وتجربة تطبيق بعض التمارين، يتضح أن الامتنان ليس مجرد أداة لتحسين اللحظة الحالية، بل طريقة حياة كاملة. هو ليس نشاطًا مؤقتًا، ولا وصفة سحرية سريعة، بل عادة يومية، ووعي دائم، وممارسة تفتح القلب والعقل. تعلمنا روندا بايرن أن كل لحظة شكر نمارسها تترك أثرًا في أعماقنا، تجعلنا أكثر وعيًا بما لدينا، وأكثر قدرة على الصبر والتسامح، وأكثر استعدادًا للاستمتاع باللحظة الحالية.

الامتنان يعيدنا إلى البساطة، إلى القدرة على رؤية جمال الأشياء الصغيرة: ضحكة صديقة، شمس مشرقة، كوب قهوة دافئ، لحظة هدوء بعد يوم طويل. كل هذه اللحظات، التي عادة ما نتجاهلها، تصبح في ضوء الامتنان مصادر قوة وسعادة. ومن هنا نفهم لماذا أصبح هذا الكتاب من أكثر الكتب تأثيرًا وانتشارًا: لأنه يعلّمنا كيف نكون سعداء بالقدر الذي نمتلكه بالفعل، وكيف نحول طاقة القلق والخوف إلى طاقة تقدير وفرح.

ختامًا، قراءة هذا الكتاب هي رحلة اكتشاف الذات، رحلة تعلمنا أن الحياة ليست دائمًا ما نتمناه، لكنها دائمًا ما نستطيع أن نجد فيها سببًا للامتنان. وهذا، في زمننا المزدحم والمليء بالضغوط، هو أعظم سحر يمكن أن نحصل علييبقى كتاب “السِّحر” واحدًا من تلك الكتب التي لا يمكن تصنيفها بسهولة، فهو ليس رواية، وليس بحثًا، وليس محاضرة طويلة. إنه تجربة. رحلة قصيرة لكنها تترك أثرًا عميقًا. رحلتك مع الامتنان فيها أشبه بأن تعيد الإمساك بخيوط نفسك بعد أن كانت تتبعثر بفعل الحياة.

من أجمل ما في الكتاب أنه يعلّمك كيف تتوقف قليلًا كي تنظر إلى حياتك بعين أخرى: عين ترى الامتلاء، لا النقص. ترى النعم، لا الغيوم. ترى اللحظات الصغيرة التي تمرّ سريعًا لكنها تحمل في داخلها جمالًا لا يُقدّر.
والأهم… يجعلك تدرك أن الامتنان ليس سلوكًا جانبيًا، بل مهارة حياتية تعيد بناء قلبك وروحك وعلاقاتك.

أن تكون ممتنًا يعني أن تخفّف الحمل عن نفسك.
أن تعترف أنك لست وحدك.
أن تفهم أن الحياة – رغم قسوتها – لم تكن يومًا بخيلة تمامًا.
أن تعود إلى البدايات النقية، إلى الأشياء التي نسيتها وسط الضجيج، إلى الضحكات الصغيرة، والنعم التي تعيش بها دون أن تشعر بقيمتها.

ولأن الإنسان كائن ينسى، فإن هذا الكتاب يذكّرك… كل يوم… على مدى ثلاثين يومًا… كيف ترى الحياة بوضوح أكثر.

ربما لن تغيّر كل شيء حولك، وربما لن تأتيك المعجزات كما وعدت الكاتبة، لكنك ستخرج بسلام أكبر، وبقلب أخفّ، وبروح تعرف كيف تجد النور ولو في أحلك اللحظات.

وهذا – في زمننا هذا – سِحر كافٍ تمامًا.

التقييم النهائي

اسم الكتاب: السحر (The Magic)
الكاتب: روندا بايرن
عدد الصفحات: 280 صفحة
التقييم: 4 / 5
الفئة المناسبة: كل من يبحث عن راحة نفسية وتحسين علاقاته وتخفيف القلق
اللغة: بسيطة جدًا
الموضوع: الامتنان وتأثيره في تحسين جودة الحياة

السابق
محافظة إربد: دليل شامل عن عروس الشمال
التالي
نظرة في مرآة الروح: نظرية الفستق