اقرأ معنا

استمتع بحياتك لأن الحياة لا تنتظرك

كتاب “استمتع بحياتك” للشيخ الدكتور محمد العريفي لا يأتي فقط ليكون كتابًا في التنمية الذاتية، بل هو بلسمٌ روحي ونفسي، يُعيد ترتيب الفوضى في داخلنا بلغة مؤمنة، رقيقة، وعميقة التأثير.

في هذا العالم المتسارع، حيث يتكالب علينا الإحباط والقلق وتضجّ أرواحنا بالصراعات اليومية، نحتاج إلى مرساة نلقي عليها قلوبنا المتعبة.

هو ليس مجرد صفحات مطبوعة، بل خلاصة تجربة عميقة عاشها المؤلف، جمع فيها بين تأملاته الشخصية، وخبراته الاجتماعية، ومعرفته الشرعية، ليكون النتيجة كتابًا يهمس للقلب: “لك حق أن تعيش سعيدًا.. فلا تهدر عمرك في اجترار الألم.”

روح الكتاب

منذ السطور الأولى، يشعر القارئ بأن هذا الكتاب ليس موجّهًا له كمجرد قارئ عابر، بل كإنسان له قيمة، وله أحزان وانكسارات وانتصارات.

الكاتب يتحدث بلغة القربى، يطرق أبواب الذاكرة، ويستخرج منها تلك المواقف التي نخجل منها أو نغضب أو نتألم لأجلها، ثم يربّت على القلب بحنان.

يقول الشيخ العريفي:”الحياة قصيرة مهما طالت، فلا تقضها في الحزن على ما فاتك، بل في السعي لما يُسعدك ويُرضي ربك.”وهذه الروح هي ما تجعل الكتاب مختلفًا عن غيره من كتب التنمية الذاتية التي قد تبدو أحيانًا سطحية أو تجارية.

الأسلوب

يتميّز أسلوب الدكتور العريفي بالسلاسة غير المفرطة، وبالعذوبة غير المتكلّفة.

فهو يكتب بأسلوب أدبي قريب إلى النفس، يسنده بشواهد من القرآن الكريم والحديث الشريف، ويعزّزه بكثير من القصص الواقعية التي استخلص منها دروسًا عظيمة.

واحدة من أجمل مميزات الكتاب أنه لا يكتفي بالنظرية، بل يُقرب الفكرة إلى ذهن القارئ بمثال حيّ، كأن يقول: “كنت ألقي محاضرة في إحدى المدارس، وبعد انتهائي تقدمت إليّ طالبة وقالت لي: شيخ، أنا لا أستطيع أن أحب أمي!..”

ثم يُكمل القصة بطريقة مؤثرة، ويقترح أساليب تربوية ونفسية للتعامل مع المشاعر، دون أحكام مسبقة.

البناء المنهجي للكتاب

يتكون الكتاب من عدة فصول قصيرة، كل فصل يحمل فكرة واحدة أو مهارة حياتية محددة، مثل:

١.كن نافعًا

٢.عامل الناس كما تُحب أن يُعاملوك

٣.فن التأثير في الآخرين

٤.اصنع ابتسامتك

٥.احترم مشاعر الآخرين

٦.سامح واصفح

٧.لا تكن ثرثارًا

٨.اجعل لصمتك معنى

كل فصل يُقدَّم بأسلوب قصصي أو حواري أو بمشهد حياتي مؤثر، ثم ينتقل منه إلى الفكرة المركزية التي يريد إيصالها، ويختم بنصيحة عملية سهلة التطبيق.

هذا الأسلوب يجعل القارئ لا يشعر بالملل أبدًا، بل وكأنه يقرأ رسائل قصيرة تصله في قلبه مباشرة.

أعمق ما في الكتاب

من أجمل التجليات في هذا الكتاب، أنه يجعلك ترى نفسك بين السطور:ترى تصرفاتك، كلماتك، مواقفك، حتى أخطاؤك…ثم يعيد إليك حقك في الخطأ، ويقول لك:”نعم، أخطأت، لكنك لست خطأ. يمكنك أن تُجدد نفسك وتبدأ من جديد.”

تأمل قوله:”من الناس من تجده يدخل على أهله مكفهر الوجه، ضيّق الصدر، لا يسلم، ولا يبتسم، ويجلس كالصنم، فلا يُشعر من حوله أنه إنسانٌ حيّ! فما ظنّك بمن يعيش مع هذا النوع سنين؟!”

بهذا العمق العاطفي، يوقظ الكتاب ضمير الإنسان، ويحفّزه لأن يكون أجمل، لا من أجل الناس فقط، بل من أجل ذاته أيضًا.

بين النصيحة والدعابة: توازن فريد الشيخ محمد العريفي لا يقدم الوعظ الثقيل على النفس، بل يمرّر النصيحة من بين ضحكتين، أو من خلال قصة طريفة، أو بمشهد مضحك لكن يحمل درسًا كبيرًا.

كقوله:”كان أحدهم يتحدث كثيرًا، وفي كل مرة يسرد قصة لا تمت للموضوع بصلة، فقال له أحد الحضور: يا أخي، أتدري أننا أصبحنا نأتي لنراك لا لنسمعك!”

هذا التوازن بين الجد والدعابة، يُريح القارئ ويجعله مستعدًا لتقبّل الرسائل الأخلاقية والنفسية بسهولة ويسر.

اقرأ أيضا :في قلبي أنثى عبرية رواية إيمان يتنفس وجع

العبرة الكبرى

من أجمل المحاور التي يركّز عليها الكتاب أن السعادة ليست شيئًا ننتظره من الآخرين، بل هي قرار داخلي، ومهارة يمكن تعلّمها.

“إنك لا تستطيع أن تُرضي كل الناس، لكنك تستطيع أن تُرضي نفسك وربك، وهذا يكفيك.”

يؤكد الكاتب على أهمية حب الذات السليم، والتصالح مع النفس، والتخلّي عن جلد الذات، لأن من يُحسن إلى نفسه، يفيض بالخير على من حوله.

القوة في اللطف

الكتاب لا يُعلمك كيف تفرض رأيك، بل كيف تُلهمه، لا كيف ترفع صوتك، بل كيف تهمس بالكلمة الصادقة التي تغيّر القلوب.

إنه يُقدّم فنّ التأثير في الآخرين من خلال:

١.حسن الاستماع

٢.احترام الرأي الآخر

٣.انتقاء العبارات اللطيفة

٤.فهم النفسيات المختلفة

٥.الكلمة الطيبة بوصفها صدقة لا تكلّف شيئًا

ويستشهد كثيرًا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ويبيّن كيف كان صادقًا، رحيمًا، مؤثرًا، حتى في أقسى المواقف.

اقرأ أيضا :البؤساء: صرخة في وجه الظلم ورحلة نحو الخلاص

لكل علاقة إنسانية

الجميل أن “استمتع بحياتك” لا يخاطب فئة دون أخرى، بل هو كتاب للأب، للأم، للزوجين، للأبناء، للأصدقاء، للمعلمين، وللجميع.

فهو يُقدم مفاتيح للعلاقات الإنسانية، ويشرح كيف تنجح علاقتك بالناس إن أنت عرفت كيف تُحب بصدق، وتُسامح بصدق، وتُعبّر عن مشاعرك دون خوف أو تردد.

“أحيانًا لا تحتاج إلى أن تتكلم كثيرًا، يكفي أن تنظر بعينيك نظرة محبة، أن تلمس كتفًا برفق، أن تبتسم حين يعبس الكل.”

اقتباسات

1.”عامل الناس كما تُحب أن يعاملوك، وسامحهم كما تُحب أن تُسامَح.”

2.”ابتسم، فالحياة أقصر من أن تقضيها بوجهٍ عبوس.”

3.”من الخطأ أن تنشغل بتغيير الآخرين بينما تحتاج أنت أولًا أن تصالح نفسك.”

4.”لا تستصغر الكلمة الطيبة، فقد تغيّر بها حياة إنسان.”

5.”الحياة لا تنتظرك لتتعلم متأخرًا.. فاستمتع بها قبل أن تمضي.”

6. “كن جميلاً في تعاملك، فإن الناس لا يرون نواياك، بل يرون أفعالك.”

7. “ليس النجاح أن تملك القلوب فقط، بل أن تحافظ على مكانتك فيها.”

8. “عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، ولا تنتظر المقابل، بل اجعل رضا الله هو هدفك.”

9. “كن متفائلًا، فإن الله لا يضيع عبده، ما دام قلبه معلقًا به.”

10. “ليس الذكاء أن ترد الإساءة بالإساءة، بل أن تملك نفسك عند الغضب.”

11. “اجعل من كل لحظة تمر فرصة لتحب، لتسامح، لتبني، ولتبتسم.”

12. “كلما زادت أخلاقك.. زادت قيمتك عند الله وعند الناس.”

13. “لا تنتظر السعادة من أحد.. اصنعها بنفسك، وزرعها في من حولك.”

14. “لو تأملت في نعم الله عليك، لنسيت ما فاتك.”

15. “تعامل مع الناس بنقاء، فالحياة قصيرة، والقلوب لا تُصلحها القسوة.”

ما الذي يُميّز الكتاب

1.دمج رائع بين المعرفة الدينية والمهارات النفسية.

2.لغة بسيطة تصلح للمراهقين والكبار.

3.قصص واقعية مؤثرة تدخل القلب مباشرة.

4.أسلوب قريب من النفس دون تعقيد.

5.كل صفحة تمنحك فكرة قابلة للتطبيق.

نقد خفيف بنّاء

رغم الجمال العام، إلا أن بعض القراء قد يجدون أن الكتاب موجه أكثر لمن يفضلون الطابع الديني أو التقليدي، وقد لا يجد فيه محبو الكتب الغربية ما يلبّي ذائقتهم التحليلية المعمّقة.

لكن الحقيقة أن الكتاب لم يُكتب لمنافسة الغرب، بل ليكون مرآة داخلية تُرينا أنفسنا كما نحن في ضوء إيماننا وهويتنا.

“استمتع بحياتك” ليس فقط كتابًا تقرؤه، بل هو تجربة تعيشها.

هو الرفيق الذي يربّت على كتفك حين تضيق، والمرآة التي تُريك ملامحك الجميلة حين تنساها، والنافذة التي تُطل منها على عالمك الخاص وتقول لنفسك:

“أستحق أن أكون سعيدًا، لا لأنني بلا أخطاء، بل لأنني أُحاول أن أكون أفضل.”

التقييم النهائي

اسم الكتاب: استمتع بحياتك

اسم الكاتب: الدكتور محمد العريفي

عدد الصفحات: 300 صفحة تقريبًا

الفئة المناسبة: الشباب والكبار من الجنسين

التقييم: ⭐⭐⭐⭐✩ (4.7 من 5)

الموضوع: تطوير الذات – العلاقات الإنسانية – الراحة النفسية

السابق
حلاوة الجبن: سُكر الشام وعبق الذاكرة
التالي
أفاعي النار رواية العشق والخراب والهوية الممزقة