Contents
المقدمة
هل نختار جذورنا أم أنها تفرض علينا؟بهذا السؤال الوجودي العميق، تنطلق رواية ساق البامبو للكاتب الكويتي سعود السنعوسي، لتغوص في أعماق الهوية، والتمييز الطبقي، والاغتراب، والحنين، والانتماء، من خلال سيرة فتى ولد بين ثقافتين، ونُفي من كليهما.
رواية ساق البامبو ليست فقط رواية اجتماعية أو نقدية، بل هي عمل سردي مركّب يمزج الواقعي بالرمزي، والتاريخي بالشخصي، لتطرح قضايا كبرى من خلال سرد يبدو بسيطًا، لكنه يحمل في طياته الكثير من الأسئلة المصيرية.
لمحة عامة عن الرواية
صدرت الرواية عام 2012، وفازت بجائزة البوكر العربية للرواية عام 2013. تدور أحداثها حول عيسى الطاروف، أو “خوسيه ميندوزا”، ابن خادمة فلبينية وأب كويتي من عائلة ثرية ، تبدأ الرواية منذ لحظة طرده من الكويت بعد ولادته، وعودته لاحقًا إلى الفلبين، حيث ينشأ غريبًا عن أمه وعن البيئة التي وُضع فيها، ليبدأ رحلة بحث مضنية عن هويته ومكانه في هذا العالم.
السنعوسي كتب الرواية من منظور الشخصية الرئيسية، على هيئة مذكرات، جعلت القارئ قريبًا جدًا من معاناة الشخصية وأفكارها وتساؤلاتها الداخلية.
الرؤية الفكرية للرواية
مأساة الهوية المزدوجة من أبرز الإشكاليات التي تطرحها الرواية هي الهوية المزدوجة، والصراع بين الانتماء الوراثي والانتماء الثقافي. عيسى ليس كويتيًا بما يكفي ليُقبل هناك، وليس فلبينيًا بما يكفي ليجد الراحة في الفلبين. هويته المزدوجة تصبح لعنة، ويشعر كما لو أنه شخص بلا جذور، مثل نبتة البامبو التي تنمو في أي أرض لكنها لا تتجذر في أي مكان.
“كان من المفترض أن أولد كويتيًا، أن أعيش مع أبي في بيت واحد. أن أرتاد المدرسة، أن أجد أصدقاء، أن أتعلم العربية منذ صغري. لكنني وُلدت خارج هذا السيناريو ، وكأنني لا أنتمي إليه.”
الكاتب وظّف هذه الهوية المهشّمة ليبرز مأساة العديد من الأطفال المولودين من زيجات عابرة أو علاقات مخفية بين الخادمات وسادتهم في المجتمعات الخليجية، حيث يتم تجاهلهم أو إنكار وجودهم حتى من آبائهم البيولوجيين.

رمزية نبات البامبو
نبات البامبو ليس مجرد عنوان للرواية، بل هو الرمز المركزي الذي يدور حوله النص، البامبو ينمو سريعًا في أي مكان لكنه لا يضرب جذورًا قوية، وبالتالي يمكن اقتلاعه بسهولة ، إنه رمز لحالة عيسى النفسية والثقافية: هش، متأرجح، لا ينتمي لأي بيئة بشكل فعلي.
الرواية تخبرنا أن الانتماء الحقيقي ليس وراثيًا بالضرورة، ولا تحدده الجغرافيا، بل يرتبط بالاعتراف، والحب، والقبول، وهو ما كان يفتقر إليه عيسى في كل مراحل حياته.

النساء في الرواية
النساء في رواية ساق البامبو لسن مجرد شخصيات ثانوية، بل هن مرآة للواقع الاجتماعي الذكوري القاسي. الأم جوزافين تمثل الخضوع والحرمان، ومع ذلك فهي الشخصية الأقوى من حيث العاطفة والصبر. فيما تمثل شخصيات مثل ميرلا التمرد، القوة، والانكسار الداخلي.
رأيي الشخصي
حزنت كثيراً من بداية تلك الرواية ، كيف لأب قاس القلب أن يبعث بابنته للهلاك ،حالتي كانت القرف من تلك النظرة للبنات او الأصح النساء ،لم تتعدى نظرتهم سوى أنها جسد !
يا للقرف !
المضحك المبكي هو طفل بريء من أب لم يرى من والدة الطفل سوى أنها متعة مؤقتة ، كانت لشخصية ميرلا اثرا كبيرا برفضها للواقع بقوة رغم ضعفها !
و ضقت ذرعاً بتلك العادات اهتمامنا لما سيقوله الناس عنا ولنا .
ميزنا البشر عن بعضهم والبعض مع أن الله خلقنا سواسية !أمرا محزن ان تشعر أنك منبوذ ممن انت منهم ، اختلاف اللون والعرق والدين يا للمعاناة التي تتركها تلك الفروقات التي نحن من أوجدناها .
أن تكون تائها لا تعرف ماذا تريد ومن أنت وما عليك فعله ليس بالأمر السهل .
رغبتك بالهروب من شيء بذهابك لكل شي ، ومع ذلك كله لا تنسى ،لا نعرف نحن ماذا تحمل قلوب أولئك من نحمل لهم تلك النظرة بأنهم أنانيين بلا قلب ، دون أن نعلم أن الحياة هي التي جبلت قلوبهم بتلك القسوة ، تجاربهم وآلامهم هي التي آلت بهم إلى هذا الحال .
ألم الغربة في الوطن
واحدة من أقسى التجارب التي عاشها عيسى هي إحساسه بالغربة في وطن والده ، يُطرد من الكويت لأنه ابن خادمة، رغم أنه يحمل دمًا كويتيًا! هذا ما يجعل الغربة هنا ليست غربة جسدية بل وجودية.
وماذا عن ألم الغربة في و طنك !
حزنٌ يمزق قلبك أن تكون في ارض ولدت فيها لكنك لم تكبر عليها .
و تبحث عن أي شيء لتنمو لك جذورا بها ، تتربص بأي شيء يقربك منها ؛ ذكرى ،موقف ،كلمة ، صداقة ، اي شيء.
وتيقنت اخيراً أن ما لم يكن ملكاً لك من البداية لن يكن لك ابداً .
ولا تحاول ابداً ان يتقبلك الآخرين ، عليهم أن يتقبلوك كما أنت او لا .
كن أنت دوماً ولا تغير من نفسك !الوطن ليس تلك الأرض التي نعيش عليها !!بل هي تلك القلوب التي نعيش بها .
الوطن ليس جغرافيا، بل شعور، واعتراف، وذاكرة. ليس شرطًا أن يكون الوطن هو المكان الذي وُلدت فيه، بل هو حيث يُحتضن وجودك، حيث لا تشعر بالرفض أو التحقير.
نقد الطبقية والنفاق الاجتماعي
لم يكن والد عيسى فاحش الشر أو شريرًا، لكنه كان ضعيفًا، خائفًا من المجتمع، ومن العائلة، ومن “ماذا سيقول الناس؟”، وهنا يدخل السنعوسي في قلب النفاق الاجتماعي، حيث يتحكم رأي الآخرين بمصائر الأفراد، وحيث تكون سمعة العائلة أهم من العدالة أو الرحمة.
الرواية تفضح هذه التركيبة المجتمعية دون أن تقدم خطبًا أو شعارات، بل عبر سرد إنساني بسيط، يجعل القارئ يرى نفسه في الشخصيات، أو على الأقل يرى انعكاسًا لمجتمعه.
أسلوب السرد والبنية الفنية
سعود السنعوسي اختار أن يكتب الرواية بصوت عيسى، على هيئة مذكرات، ما جعل التجربة القرائية قريبة جدًا من القلب، كأنك تقرأ اعترافات شاب يبحث عن ذاته في العالم ، كما استخدم لغة بسيطة لكنها محمّلة بالدلالات، واستعان بمزيج من العربية والإنجليزية والفلبينية أحيانًا ليجسد تعدد الثقافات الذي يعيشه البطل.
الرواية مليئة بالرموز: البامبو، جواز السفر، الخادمة، المنزل الكبير، المدرسة، كل هذه ليست مجرد عناصر قصة، بل هي رموز لحالات نفسية ومجتمعية عميقة.
لماذا نقرأ ساق البامبو؟
لأنها تجربة إنسانية صادقة، تضع القارئ أمام أسئلة لم يكن يفكر فيها، أو كان يتجاهلها ، لأن الرواية تجبرنا على مواجهة عيوبنا المجتمعية، وعلى إعادة التفكير في مفاهيم مثل “الانتماء”، و”الشرف”، و”الهوية”.
ساق البامبو ليست فقط رواية ناجحة فنيًا، بل هي رواية ضرورية أخلاقيًا وثقافيًا ، إنها صرخة في وجه التمييز، ومرآة لعالم يعاني من الطبقية والعنصرية والتفكك الداخلي.
وهي أيضًا دعوة لأن نتوقف عن تقييم الآخرين من خلال نسبهم أو أصولهم أو وظائف أمهاتهم، بل من خلال إنسانيتهم فقط.
اقتباسات
1.”كنت أظن أن من لا وطن له، لا يمكن أن يشعر بالغربة في أي مكان… لكنني كنت مخطئًا.”
2.”الغريب لا يشعر بالأمان، لا في وطنه ولا خارجه… الغريب يظل غريباً.”
3.”لم أكن أعلم أن الألم يشبه الغربة، كلاهما يعزلك عن الآخرين.”
4.”كنت أظن أنني كبرت، لكنني لم أكبر. ما زلت أبحث عن إجابة لسؤال: من أنا؟”
5.”الوطن ليس فقط تلك الأرض التي تولد عليها، بل هو المكان الذي تجد فيه نفسك مقبولًا دون قيد أو شرط.”
6.”لم يكن لي ذنب، سوى أنني وُلدت لامرأة فلبينية من رجل كويتي، لكن هذا وحده كان كفيلًا بأن يجعلني غير مرغوب بي.”
7.”كنت أبحث عن الجذور، عن ما يُشعرني أنني أنتمي… لكن جذوري، مثل ساق البامبو، لم تنغرس في أي مكان.”
8.”العالم مليء بالظلم، لكنه لا يميز، إنه يظلم الجميع بطرق مختلفة.”
9.”إذا فقدت الوطن، فلا شيء آخر يعوّضه، حتى وإن كان كل ما حولك يوحي بأنه وطن.”
