يتصدى الدكتور عماد رشاد في كتابه العميق والجارح في آنٍ معًا: “أحببت وغدًا: التعافي من العلاقات السامة”.لموضوع هل يمكن أن نُشفى من وجع الحب؟ وهل ثمة جدوى من محاولة استعادة أنفسنا بعدما تمزقت في علاقة لم نكن فيها سوى ظلال باهتة لما كنا عليه؟ هذه الأسئلة الملغومة، القابعة في أعماق من مروا بتجربة حب مؤذية،سنجد لها الإجابات في هذا الكتاب .
الكتاب ليس مجرد تأملات في الحب، ولا هو كتيب تعليمات للتعافي، بل هو رحلة نفسية وروحية تأخذ بيدك – كقلب مكسور – وتحملك من بين الركام إلى ضفة الأمان. هو كتاب كُتب بنبضٍ حيّ، ودمعةٍ صامتة، ونَفَس متقطع ما بين الذكرى والشفاء.

Contents
ثقل الكلمة في أحببت وغدًا
منذ العنوان الأول “أحببت وغدًا”، نحن أمام مفارقة تشبه خنجرًا يُغرس في خاصرة القلب، كيف يمكن لحبٍ أن يقترن بكلمة “وغد”؟ كيف نجمع بين أسمى مشاعر الإنسان وأحقر سلوك يمكن أن يُمارس ضدّه؟ هذا التناقض لا يفضي إلى العبث، بل يكشف عن واقعٍ يعيشه كثيرون، غالبًا في الخفاء، ويخشون الاعتراف به: لقد أحببت من لا يستحق، لقد منحت قلبي لوغدٍ تلاعب بمشاعري.
“أحببت وغدًا” ليست مجرد جملة، بل هي اعتراف، وصدمة، وبداية وعي ، لقد أحببت وغدًا، وأنا الآن أُشفى. ولعل هذه الجملة المتكررة في الكتاب تصبح لاحقًا شهادة ميلاد جديدة للذات.
وقد كرر الكاتب هذه الجملة في أكثر من موضع، وكأنها نغمة حزينة تُعيد تشكيل اللحن الداخلي للقارئ:”نعم، لقد أحببت وغدًا، ظننت أنه الأمان، فإذا به السُم الزعاف.”
“أحببت وغدًا، فهل يعني هذا أنني غبية؟ لا. بل إن قلبي كان طيبًا، فقط طيبًا أكثر مما ينبغي. “
البنية العامة للكتاب
الكتاب مقسم إلى مجموعة من المقالات النفسية والوجدانية، التي تمشي بخطى حذرة بين التحليل العلمي والتجربة الذاتية، لا يشعر القارئ بالجمود أو التعالي، بل يجد نفسه أمام صديق ناصح، حنون، لكنه لا يجامل، هو صديق يقول لك الحقيقة كما هي، حتى لو جرحتك، لأنه يعلم أن في الجرح شفاء.
يعتمد الدكتور عماد على لغة أدبية راقية، ممزوجة بلغة نفسية تحليلية، دون أن يُغرق القارئ في مصطلحات معقدة، سهل ممتنع، يكتب بلغة من عاش، لا من قرأ فقط.
اقرأ أيضًا : “صاحب الظل الطويل ” رسائل الروح إلى المجهول
العلاقات السامة في أحببت وغدًا
يركز الكتاب على فكرة محورية: العلاقات السامة ليست خطأك، ولكن استمرارك فيها هو مسؤوليتك.
يُحلل الكاتب أنماط الشخصيات السامة: النرجسي، المتلاعب، المتسلط، المتنمر العاطفي،كما يشرح لماذا نقع ضحايا لهذه الشخصيات، وكيف أن جراح الطفولة، والحرمان العاطفي، والحاجة الماسة للقبول، قد تجعلنا فريسة سهلة.
في أحد المقاطع التي شدتني، كتب:”أحببت وغدًا، لأنه في البدء جعلني أصدق أنني أخيرًا وُجدت. وحين صدقت، اختفى.”
ما أقسى هذا الاعتراف! لكنه يحمل في طياته حقيقة مرة: العلاقات السامة تبدأ بإغراقك بالحب، وتنتهي بإغراقك في الشك.
الضحية والجلاد في أحببت وغدًا
من هو المذنب؟
من الأمور العميقة التي تناولها الكتاب هو تفكيك دور “الضحية” في استمرار العلاقة السامة، فالكاتب لا يكتفي بوصف الجلاد، بل يتوجه إلى الضحية أيضًا، يسائلها:”متى كان يجب أن تهربي؟ لماذا صمتِ؟ ما الذي ربطكِ به رغم كل شيء؟”
وهنا يفتح الكتاب بابًا خطيرًا وضروريًا: مسؤوليتنا في تدمير ذواتنا حين لا نستجيب لصوت الحدس، حين نبرر، ونسامح بلا توقف، ونتعلق بوهم من الحب.
“أحببت وغدًا، ليس لأنه جميل، بل لأنني كنت عطشى لأي ماء، ولو كان سرابًا.”
هذا الاقتباس وحده كفيل بأن يُلخص قصة آلاف النساء والرجال ممن وقعوا في فخ علاقات تستنزفهم.

مرحلة ما بعد الانفصال
الألم ثم الشفاء
الكتاب لا ينتهي بانتهاء العلاقة، بل يبدأ من هناك. لأنه يدرك أن الجرح الحقيقي يبدأ حين تخرج من العلاقة وتواجه نفسك.
يتحدث الدكتور عماد عن مراحل الألم:
الإنكار
الغضب
الحزن
التعلق
ثم أخيرًا: القبول والتعافي
ويُطمئن القارئ:”أحببت وغدًا، وها أنا الآن أنجو. لا لأنني أقوى، بل لأنني أستحق النجاة.”
اللغة هنا مشحونة بالعاطفة والصدق، تشعر أن الكاتب لا يكتب من برج عاجي، بل من خندق التجربة الحية.
اقرأ أيضًا : ساق البامبو صراع الهوية والبحث عن الوطن
التسامح مع النفس
من أجمل ما في الكتاب، هو أنه لا يُدين القارئ أبدًا، بل يُشجعه على التعاطف مع نفسه، على غفرانها، على فهم لماذا وقع، ولماذا صدق، ولماذا تأخر في الرحيل.
كتب في موضع مؤلم:”أحببت وغدًا، وظللتُ أعذره، حتى كدتُ أقتل روحي لأحفظ صورته.”
ثم عاد ليكتب:”لكني اليوم أُحبني، وهذا هو الفارق.”الانتقال من “أحببته” إلى “أحبني” هو خلاصة رحلة التعافي كلها.
علاقة الكتاب بالواقع
الكتاب يُخاطب كل من عاش علاقة لم تُشبهه، لكن أصرّ على أن يجعلها تناسبه بالقوة، كل من خذل نفسه مرارًا، كل من جعل الحب شماعة لتبرير الهوان، كل من قال لنفسه “ربما يتغير”، ولم يتغير أحد إلا هو للأسوأ.
“أحببت وغدًا، ولست نادمًا على الحب، بل على أنني لم أحب نفسي بما يكفي لأحميها منه.”
جماليات الكتابة في أحببت وغدًا
الأسلوب الذي كتب به الدكتور عماد يتميز بـلغة شعرية دون تصنع و تشبيهات مؤثرة: مثل قوله “كنت أرتق ثقوبه بخيوط دمي”، أو “ضحكته كانت طُعما في فخٍ أعده بإتقان”
وتميز أيضًا تكرار العبارات المحورية بطريقة تجعلها تلتصق بالذاكرة: “أحببت وغدًا”، “أنا أستحق”، “الحدس لا يكذب”.
اقتباسات من أحببت وغدا
1. “أحببت وغدًا، ثم أدركت أن الحب وحده لا يكفي حين يغيب الاحترام.”
2. “لا أحد يكسر قلبك مرتين إلا إن سلمته القطع بيدك.”
3. “كل مرة تسامحه فيها، أنت تؤذيك أكثر مما آذاك هو.”
4. “التعلق ليس حبًا، هو فقط خوف من الفقد.”
5. “أحببت وغدًا، لأنني لم أعرف بعد كيف يبدو الحب الحقيقي.”
6. “الذي يُحبك لن يُربك قلبك، لن يجعلك تنام باكيًا وتصحو حائرًا.”
7. “الاعتذار الذي لا يتبعه تغيير، ليس حبًا… بل إدمان تحكم.”
8. “في العلاقات السامة، لا تنتهي القصة عند الفراق، بل عند عودتك لنفسك التي تركتها خلفك.”
9. “كنت أبحث عنه في كل تفصيلة، بينما كنت أضيع عن نفسي شيئًا فشيئًا.”
10. “لم يكن يحبني، بل كان يحب انعكاسه في عينيَّ حين كنت أُعطيه كل شيء.”

لماذا تقرأ هذا الكتاب؟
لأنه مرآة لكل علاقة مؤذية مررت بها أو كدت تمر بهاو لأنه يُعيد لك صوتك الداخلي الذي صمت طويلًا.
لأنه يُذكّرك بأن النجاة لا تعني فقط الهرب، بل بناء نفسك من جديد ولأنه ببساطة، كتاب كُتب بدم القلب لا بحبر القلم.
حين تنجو، لا تعود كما كنت…
النجاة من علاقة سامة لا تعني فقط أنك خرجت منها، بل أنك خرجت منها وأنت تحمل وعيًا جديدًا، ونظرة أكثر حنانًا لنفسك .
أنت الآن تعرف كيف يبدو الحب حين يكون مؤذيًا، وكيف أن بعض القلوب ليست مكانًا آمنًا، مهما أظهرت لك من دفء مؤقت.
التعافي الحقيقي لا يعني نسيان من أحببت، بل فهم لماذا أحببته رغم كل الإشارات التي كانت تقول لك: اهرب.
كتاب “أحببت وغدًا” لا يقدم وعودًا كاذبة بالتجاوز السريع، بل يسير معك خطوة بخطوة نحو أن تحتضن ألمك دون أن تعيش فيه.
يذكّرك بأن الشجاعة ليست فقط في الرحيل، بل في قرارك أن تعيد بناء نفسك من الداخل، حجراً حجراً، حتى تقف من جديد وأنت أكثر وعيًا، أكثر لطفًا، أكثر استعدادًا لأن تُحب – هذه المرة – من يستحق.
وفي النهاية، ربما نُجمع كلنا على هذه الحقيقة البسيطة والمؤلمة:”أحببت وغدًا… ونجوت. وها أنا أتعلم أن أحبني أولًا.”
هذا الكتاب ليس مجرد صفحات تقلبها، بل مرايا متعددة ترى فيها مراحل وجعك وتعافيك. وقد تدمع، وقد تبتسم، لكنك بالتأكيد لن تكون كما كنت قبل قراءته.
“أحببت وغدًا”… جملة ستُرافقك طويلًا، ليس لأنها حزينة، بل لأنها صادقة.
وقد تكون في النهاية، أول اعتراف نحو الحرية.