بوابة الأردن

متحف بيت أبو جابر

على سُفوح تلال مدينة السلط في الأردن، حيث تتقاطع الأزقة الضيقة وتعلو البيوت الحجرية، يقف بيت أبو جابر شامخًا كأحد أبرز المعالم التراثية في المدينة. هذا البناء الذي تحوَّل إلى متحف السلط التاريخي ليس مجرد بيت قديم، بل شهادة حيّة على عصر ازدهار تجاري وثقافي عاشته السلط في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

من خلال جدرانه وشرفته وزخارفه الداخلية، تروي الحكاية قصة عائلة، مدينة، وتحوّل في الزمان. في هذه المقالة سنستعرض جوانب كثيرة: تاريخ البناء، تصميمه المعماري، عناصره الفنية والزخرفية، حياة أهله، تحوّله إلى متحف، معروضاته، دوره في السياحة والتراث، التحديات التي واجهها، والأفاق المستقبلية.

يعدّ بيت أبو جابر أحد أبرز البيوت التراثية في مدينة السلط، عاصمة محافظة البلقاء شمال غرب العاصمة عمّان. هذا البناء يحمل تاريخاً معمارياً وثقافياً غنياً، ويعكس حقبة من الازدهار العمراني والتجاري للمنطقة ما بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. اليوم، أصبح المبنى متحفًا يعرض تاريخ المدينة وتراثها الشعبي والمعماري.
التحول من بيت عائلي إلى متحف يعكس أيضًا جهود المحافظة والجهات المختصة في الحفاظ على التراث المحلي وتعزيزه ليكون جزءًا من الهوية الثقافية والجهد السياحي في الأردن.

Contents

أولًا: الخلفية التاريخية وظروف النشأة

موقع المدينة وأهميتها

مدينة السلط (As-Salt) تحتل موقعًا استراتيجيًا على هضبة البلقاء، غربي العاصمة عمّان، وارتفاعها يتراوح بين 790 إلى 1,100 متر تقريبًا. كان موقعها مهمًا على طرق التجارة القديمة بين عمّان وفلسطين، وهذا منحها دورًا تجاريًا وإداريًا في فترات مختلفة.
السلط تتميز بكونها مدينة غنية بالمباني الحجرية التراثية، وتضم عددًا كبيرًا من البيوت التي يزيد عمرها عن مئة عام. لقد ساهم ازدهار التجارة في نهاية العهد العثماني بجذب التجار الذين بنوا بيوتًا كبيرة تعكس ثراءهم الاجتماعي والاقتصادي.

في عام 2021، تم إدراج مدينة السلط في قائمة التراث العالمي لليونسكو تحت اسم “As-Salt: The Place of Tolerance and Urban Hospitality”، ما زاد من أهمية حماية معالمها التراثية مثل بيت أبو جابر.

عائلة الجوابرة ودافع البناء

عائلة الجوابرة (أو أبو جابر) كانت من العائلات المرموقة في السلط، وتمتلك موارد مالية، وارتبطت بُحُور التجارة والعقارات. بحسب المصادر، اشترى أبناؤها الأرض التي بنى عليها البيت في عام 1887 بمساحة نحو 700 متر مربع تقريبًا. بعد هدم البيت القديم، شرعوا في البناء تدريجيًا من عام 1892.

المهندس أو البنّاء الذي تولّى العمل يُعرف باسم عبد الرحمن العقروق، وهو من النابلسيين، وقد نسبت إليه مراحل البناء المختلفة من 1892 حتى 1906. وقد استخدم البيت مواد محلية ومستوردة، منها الحجر الأبيض من وادي شعيب والحجر الأصفر من منطقة السلالم في السلط، وكذلك رخام من إيطاليا وقِرميد من ألمانيا وزجاج من بلجيكا.

البيت بُني على مراحل:

  • المرحلة الأولى (الأرضي، الجهة الشرقية) في عام 1892 بالحجر الأبيض المستورد من وادي شعيب.
  • المرحلة الثانية (الجهة الغربية من الطابق الأرضي) عام 1896 بالحجر الأصفر من منطقة السلالم.
  • إضافة الطابق الأول عام 1902 لزيادة المساحة وتلبية احتياجات العائلة.
  • أخيرًا إكمال الطابق الثاني في حوالي عام 1905–1906.

بهذا أصبح البيت مكوَّنًا من ثلاثة طوابق (بما في ذلك الطابق الأرضي) مع متاجر في الواجهة أمام الشارع.

من الملاحظ أن تصميم البيت كان متقدّمًا على كثير من البيوت في المدينة، فقد احتوى على أنابيب صرف داخلي (سباكة داخلية) – وهو أمر نادر في البيوت آنذاك.

كما تميز البيت بكثرة النوافذ، الزجاج الملون، الأعمال الحديدية، الزخارف الجبسية، والسقوف المرسومة داخليًا، مما جعله يهيمن على المباني المحيطة في “ساحة العين” (Sahet al Ain).


ثانيًا: التصميم المعماري والخصائص الفنية

بيت أبو جابر يجسد مزيجًا بين العمارة المحلية في السلط وتأثيرات عربية وأوروبية، وهو مثال رفيع للبناء التقليدي في تلك الحقبة. إليك تفصيلًا لأبرز الخصائص المعمارية والفنية:

المواد والبناء العام

استخدم البناء حجرًا مدقّقًا ومحليًا، وبخاصة الحجر الأصفر الشهير في السلط، كسمة مميزة للعديد من بيوت المدينة التراثية.

الجدران في بعض الأماكن تتراوح سماكتها بين 60 و100 سم لتدعيم الأقبية والعقود والبناء الثقيل.

الأسقف تتكوّن من قبب متقاطعة، أو عقود برميلية، أو عقود مُتقاطعة، حسب الغرفة والغرض منها.

الزجاج الملون في النوافذ، والزخارف الجبسية المحفورة، وكذلك الأقواس الحجرية، تضفي رونقًا فنيًا داخلية وخارجية على البيت.

الرخام المستورد، قِرميد سقف أحمر (جُلب من مارسيليا في فرنسا) لإكساء السطح الخارجي، والزجاج البلجيكي في النوافذ.

التنظيم الداخلي والتقسيم

البيت مُقسَّم إلى ثلاثة طوابق:

  • الطابق الأرضي: غالبًا استُخدم كمضافات، مخازن، ومكان لاستقبال الضيوف أو الدواب، إضافة إلى متاجر في الواجهة الأمامية.
  • الطابق الأول: خصّص للسكن، حيث تُقسَّم الشقق إلى أجنحة، كل جناح يحتوي غرفة رئيسية مزينة بعقود، وغرف أخرى متقاطعة.
  • الطابق الثاني: يحتوي غرفة كبيرة للمضافة (الاستقبال)، وغرف جانبية مخصصة للراحة أو التخزين، ويتميز بزخارفه الجدارية والسقفية ورسوماته.

في الطوابق العلوية، توجد شرفات دقيقة ومدعومة بأعمدة، غالبًا مُزينة بزخارف حجرية ودعامات بارزة.

من الناحية الجمالية، البيت يتميز بكمٍّ هائل من النوافذ التي تسمح بدخول الضوء وتوزيعه في الداخل. الزجاج الملون يُكسب النوافذ لمسة فنية، وتُضاف إليها أعمال حديدية مزخرفة في الإطارات.

كما أن بعض الجدران الداخلية كانت مزينة برسومات زيتية، خاصة في “المضافة” في الطابق الثاني، حيث وُجدت رسوم تمثل الفصول الأربعة، ورسومات تظهر مناظر طبيعية أوروبية، ورسومات نباتية وزخرفية. يُعتقد أن الفنان الذي أبدع هذه الرسومات كان ألمانيًا اسمه (Menlik) جاء من حيفا مع عدد من الفنانين.

في المطبخ وجدرانه، وُجدت زخارف تُظهر نباتات أو تأثير أوراق البلوط، بطريقة تُشبه القشرة المغطاة، إضافة إلى زخارف جدارية متعددة.

من الجدير بالذكر أن بعد استخدام المبنى لأغراض غير سكنية لعدة عقود، تعرّضت هذه الرسوم للتلف. بعض أجزاءها ما زالت محفوظة، وبعضها فقد أو تم ترميمه خلال عمليات الترميم والتحويل إلى متحف.

الزخرفة الفنية والعناصر الجمالية

  • الزخارف الجصّية والجبسية: استخدمت في القوالب المحيطة بالنوافذ والأقواس الداخلية، وفي الجدران المكسوة بالجبس، وهي غالبًا مزخرفة بنقوش نباتية أو هندسية.
  • الرسوم الجدارية والسقفية: في المضافة خصوصًا، حيث استُخدمت الألوان الزيتية لتمثيل الفصول أو مناظر طبيعية، وهي تقنية غير شائعة في بيوت المنطقة، ما يجعل البيت فريدًا من هذا الجانب.
  • البلاط المزخرف: تم استخدام بلاط مزخرف في بعض الأجزاء، وقد احتوت الرسوم الزخرفية على أنماط أوروبية وأرابيسك.
  • زخارف النوافذ الحديدية والزجاج الملون: كما ذكرنا آنفًا، كانت النوافذ مزيَّنة بزجاج ملون وأُطر حديدية مزخرفة، مع أقواس حجرية محفورة.
  • الشرفات والدعامات الحجرية: الشرفات الخارجية مصممة بدقة، وتدعمها دعامات حجرية تظهر جمال البناء وتفاصيله الدقيقة.

بشكل عام، يُعتبر بيت أبو جابر مثالًا رائعًا للتلاقح بين الفن المعماري المحلي والتأثيرات الأوروبية في تلك الفترة، وقد بلغ في زخرفته الداخلية والخارجية مستوى فنيًا عالٍ يُضاهي بيوتًا تراثية في المدن العربية الأخرى.


ثالثًا: حياة البيت وسير العائلة

فترة السكن والتملّك

عاشت عائلة الجوابرة في البيت منذ بنائه في نهاية القرن التاسع عشر وحتى حوالي عام 1936، حين انتقلت العائلة تدريجيًا إلى عمّان. في تلك الفترة، استخدم البيت كمقر مهما في السلط، وقد زاره شخصيات بارزة كالأمير عبدالله (لاحقًا الملك عبدالله الأول) في عام 1922، وأيضًا شخصيات لبنانية مثل الأمير شكيب أرسلان.

بيت الجوابرة لم يكن مجرد سكن، بل كان قاعدة لمقاولاتهم التجارية، وربما مركزًا لاستقبال الضيوف والتفاوض التجاري، خصوصًا مع قربه من قلب مدينة السلط وساحة العين.

الاستخدامات المتغيرة بعد خروج العائلة

بعد انتقال الجوابرة إلى عمّان، لم يترك البيت مهجورًا، بل دخل في دورات استخدام متعددة:

  • التأجير لعدة عائلات سكانية.
  • استخدامه كمدرسة للأطفال في إحدى فترات.
  • استضاف المركز المحلي للهلال الأحمر الأردني.
  • مع هذه الاستخدامات المتعددة، تضررت بعض الرسوم الفنية الداخلية والبلاطات، بسبب الإهمال أو التعديلات التي لم تراعي الطراز الأصلي.

من التعليقات التي يذكرها الزوار، أن البيت يحوي ثلاثة طوابق، وكل طابق يُعرض فيه جانب من الحياة المحلية في السلط. كما يُذكر أن البناء بذاته يتميز بتصميم هندسي جميل، وهناك ترّاس يوفر إطلالة على ساحة المدينة. أيضاً ذُكر وجود مصعد كهربائي لتسهيل التنقل بين الطوابق.


رابعًا: التحويل إلى متحف وتنظيم المعروضات

قرار التحويل والترميم

في عام 2010 تقريبًا، تم تحويل بيت أبو جابر إلى متحف تُعرف بـ Historic Old Salt Museum أو متحف السلط التاريخي. جاء هذا التحويل كجزء من جهود حماية التراث وإعادة إحياء المدينة التاريخية كوجهة ثقافية وسياحية.

التحول إلى متحف لم يكن مجرد تغيير وظيفي، بل مصحوب بترميم شامل يُراعي المكونات المعمارية الأصلية، ويُولي اهتمامًا لعرض المعروضات بقطع أثرية، وحفاظًا على الرسوم والزخارف الموجودة. يُعتبر هذا المشروع نموذجًا نادرًا في الأردن، إذ أنه لا يكتفي بعرض تاريخ المدينة فحسب، بل يُعطي وزنًا للتاريخ الاجتماعي المحلي والتراث المادي والرمزي.

وقد رُتبت صالات العرض بطريقة تحترم التصميم الأصلي للبناء، مع إجراء أقل قدر ممكن من التعديلات الفراغية، لدمج العناصر المعمارية مع عملية العرض.

المعروضات والأقسام

المتحف يعرض تاريخ مدينة السلط وثقافتها وفولكلورها، خصوصًا في الفترة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين تقريبًا.

من المعروضات:

  • قطع فخارية تعود إلى العصر النحاسي، عُثر عليها في موقع “تليلات الغسول” في السلط.
  • جرار مائية وسُروج خزفية، من مواقع مثل منطقة السلالم والطوال الشرقي.
  • في الأقبية: قطع فخارية وأساور برونزية عُثر عليها في وادي شعيب تعود إلى العصور الرومانية، الأيوبية، والمملوكية.
  • القطع الأثرية تعرض تطور الحياة اليومية في السلط – الزراعة، التجارة، التغذية، الأدوات المنزلية، الملبس، الموروث الشعبي. (معلومة مستنبطة من طبيعة متاحف التراث)
  • بعض الغرف تم تخصيصها لعرض الخرائط، الوثائق، والوثائق المتعلقة ببنية المدينة والخرائط القديمة.
  • المتحف يحتوي أيضًا على مركز استعلامات سياحية في إحدى المتاجر في الواجهة الأمامية للمبنى، لتوجيه الزوار إلى معالم السلط الأخرى

ساعات الدخول والرسوم

المتحف مفتوح يوميًا تقريبًا، في الصيف من الساعة 9:00 صباحًا حتى 5:00 مساءً، وفي الشتاء قد تُغلق الزيارة في وقت مبكر (حوالي 4:00 مساءً).
رسوم الدخول مجانية (أي الدخول بدون مقابل مادي).
يُغلق المتحف في بعض المصادر يوم الثلاثاء، حسب ما ورد بصفحة المتحف الرسمي على “متحف بيت أبو جابر” في موقع الزيارة.

تجربة الزائر والتنظيم الداخلي

عند زيارة المتحف، يُنصح بأن يبدأ الزائر من القبو (الأقبية) ثم يصعد تدريجيًا نحو الطوابق العلوية، حيث يُعرض تاريخ المدينة تدريجيًا. الزوار غالبًا يلاحظون أن السلالم ضيقة وصعبة التنقل، وقد يُطلَب استخدام مصعد كهربائي متوفر في بعض الأوقات. من الشرفة أو التراس العلوي يمكن للزائر أن يرى جزءًا من ساحة المدينة والبيوت المحيطة، مما يضيف بعدًا جماليًا للتجربة.

زوار من موقع وصفوا المتحف بأنه “متحف صغير لكنه جميل”، وأن جولة الزائر قد تستغرق من نصف ساعة إلى ساعة تقريبًا حسب رغبة الاستكشاف. كما أن البعض أشار إلى أن الدليل الزمني قد يأخذ وقتًا أطول مما يتوقع الزائر، لكن المشاهدة تستحق ذلك.


خامسًا: الأهمية الثقافية والتراثية ودور المتحف

حفظ التراث المعماري

بيت أبو جابر هو أحد الأمثلة البارزة على أسلوب العمارة التقليدية في السلط، ويُعد من أجمل البيوت التي شُيدت في تلك الحقبة. من خلال تحويله إلى متحف وترميمه، تم الحفاظ على هذا التراث المعماري وتمكين الزوار من الاطلاع عليه، بدلاً من السماح له بأن يتداعى بفعل الإهمال.

المتحف يُعتبر نموذجًا في الأردن للاستفادة من البيت التراثي كمركز للعرض والتوعية، بحيث لا يُغيّر جوهر البناء الأصلي بل يُدمج العناصر الجديدة بلطف. كما يُعتبر أن المتحف سيشكل نقطة بداية لمسارات تراثية داخل المدينة، تكون بمثابة “إيكومتز” (Eco Museum) مرتبطة بالأزقة، السطوح، السلالم، والفضاءات العامة.

التعليم والتوعية والتراث الحي

واحدة من أهم وظائف المتحف هي التعليم والتوعية: من خلال المعروضات والشرح يُمكن للزائر أن يفهم كيف عاش أهل السلط قديماً، كيف تطورت المدينة، ما التحديات التي واجهتها، وكيف تأثّرت بعوامل داخلية وخارجية.

المتحف أيضًا يعزز الانتماء المحلي، فالأهالي يرونه معلماً يربطهم بماضيهم، ويعزز الفخر بهويتهم الثقافية. كما أن استقطاب الزوار يُساهم في نشر الوعي بضرورة صيانة البيوت التراثية الأخرى في السلط.

السياحة والترابط الحضري

كون البيت يقع في قلب مدينة السلط القديمة، فالمتحف يُعد نقطة جذب أساسية ضمن مسارات المشي التراثية في المدينة. مثلاً، المتحف يُعد نقطة انطلاق لمسار الذي يربط عدّة معالم تاريخية في السلط مثل المساجد والبيوت القديمة. زوار السلط غالبًا يبدؤون جولتهم بالمتحف لأنه يعطي نظرة شاملة على تاريخ المدينة.

من الناحية الاقتصادية، المتحف يساهم في تنشيط السياحة المحلية، إذ يجذب الزوار (محليين وأجانب) ويشجّعهم على قضاء وقت أطول في السلط وزيارة المقاهي والمتاجر في المدينة القديمة، مما يدعم الاقتصاد المحلي ويُحفّز الاهتمام بصيانة المباني المجاورة.


سادسًا: التحديات التي واجهها البيت والمتحف

على الرغم من أهميته، فإن بيت أبو جابر واجه عدة تحديات في عملية التحويل والصيانة:

تلف الرسوم والزخارف الداخلية

من جراء استخدام البيت لأغراض متعددة (مدرسة، مأوى، تأجير) بُعْد خروجه عن الاستخدام الأصلي، تضررت العديد من الرسوم الجدارية، وُشَوّهت، أو أُزيلت. بعض الجدران سُمّرت أو عُلِّقت عليها إضافات غير ملائمة.

عملية الترميم اضطرت إلى اتخاذ قرار بين الحفاظ على البقايا الأصلية أو إعادة ترميمها بالكامل، وهو تحدٍ شائع في ترميم التراث. بعض المصادر تشير إلى أن التعديلات الفراغية في السابق قد أُجريت بدون مراعاة البنية الأصلية.

التحديات المادية والتقنية

  • تأمين المواد الأصلية أو ما يُشبهها في الجودة (الحجر المدرّق، الزجاج الملون، الرخام، القرميد) كان أمرًا صعبًا وقد يكون مكلفًا.
  • معالجة الرطوبة والعوامل الجوية التي قد تؤثر على الرسوم والجدران الداخلية.
  • التأكد من أن البنى المنسية أو المضافة لاحقًا لا تضر بالبنية الأصلية.
  • تكييف المبنى ليكون مناسبًا للزوار (توفير مرايا، إنارة مناسبة، تهوية، وتركيب تجهيزات عرض دون التعدّي على العناصر الأصلية).
  • بعض الزوّار ذكروا بأن السلالم ضيقة، والتنقّل بين الطوابق قد يكون صعبًا للكبار أو ذوي الاحتياجات الخاصة.
  • أيضًا، بعض المصادر تذكر أن المتحف “غير مهيأ بالكامل لذوي الاحتياجات الخاصة”.

تحدي الاستدامة والتمويل

المحافظة على ترميم دوري وتحديث المعروضات يتطلب ميزانيات مستمرة. الحفاظ على المبنى من التآكل الطبيعي، والعناية اليومية بالزخارف والرسوم، وإدارة المتحف، كلها تتطلب دعم مادي وفني مستمر.

كذلك، جذب الزوار وضمان الإقبال المستمر يُعد تحديًا، لا سيما في أوقات الركود السياحي أو الظروف التي تقل فيها الحركة (مكان بعيدا عن المسارات السياحية الأساسية، أو ضعف الترويج).


سابعًا: أمثلة مقارنة ودور بيت أبو جابر ضمن السياق الأوسع

لكي نفهم أهمية بيت أبو جابر، يمكن مقارنته بمنازل تراثية أو متاحف تاريخية في الأردن أو في بلدان الجوار:

  • في الأردن، يوجد متحف بيت طوقان في السلط، ومتاحف تراثية في المدن الأخرى، لكن البيت في أبو جaber يُعد من أكبر وأفخم هذه البيوت التي تحولت إلى متحف.
  • في المدن العربية الأخرى، نجد بيوتًا تجارية كبيرة تحولت إلى متاحف تُعَرِض الحياة البرجوازية والتجارية في القرن التاسع عشر والعشرين، مثل بيوت دمشق أو حلب أو بيروت. بيت أبو جابر يندرج في هذا النوع، لكنه يحتفظ بخصوصيته المحلية التي تمثل الطراز المعماري العماني في السلط.
  • من الناحية الأيديولوجية، يُنظر إلى البيت كمثال على “الإحياء الحضري” وإدماج المباني التراثية في خريطة الجذب الحضري، وتحويلها من مجرد مبنى ثقيل إلى نواة للحياة الثقافية في المدينة، كما ورد في الدراسات التي تناولت والتفسير التراثي في الأردن.

ثامنًا: تقييم الزوار والرأي العام

  • يثنون على جمال التصميم المعماري للمبنى ذاته، ويعتبرونه من أجمل البيوت التي زاروها.
  • البعض يذكر أن الجولة تأخذ وقتًا أطول من المتوقع لأن المرشد يشرح بتفصيل، لكن الشرح يُقدّم قيمة إضافية.
  • الزوار يشيدون بإطلالة التراس على الساحة ومنظر المدينة المحيط.
  • بعض الملاحظات تشير إلى أن بعض الطوابق ضيقة أو السلالم صعبة، ووجود صعوبة لذوي الاحتياجات الخاصة.
  • تقييم المتحف عالٍ (حوالي 4 إلى 4.3 من 5 في مواقع التقييم) مع ملاحظات على محدودية المعروضات أحيانًا.

هذه الآراء تجعل من المتحف نقطة جذب ولكن أيضًا تُشير إلى مجالات للتحسين (تسهيل الوصول، توسيع المعروضات، تحسين التنقل الداخلي).


تاسعًا: المستقبل والأفاق المحتملة

لضمان استدامة بيت أبو جابر كموقع تراثي حي، هناك عدة فرص وتوصيات:

  1. ترميم دوري وصيانة مستمرة: لا بد من ميزانيات مخصصة للصيانة الدورية للرسوم، الجدران، الأرضيات، الأبواب، النوافذ، والمرافق الحديثة (إضاءة، التهوية).
  2. توسعة المعروضات: إدخال قطعٍ جديدة تُكمّل القصة التاريخية للمدينة، وربما إحياء عروض تفاعلية (صور، وسائط رقمية، واقع افتراضي) لربط الزائر بالماضي.
  3. تحسين الوصول وإمكانيات الزيارة: توفير مصاعد مناسبة، ممرات لذوي الاحتياجات الخاصة، لافتات إرشادية واضحة، خرائط تفاعلية داخلية.
  4. الفعاليات والأنشطة الثقافية: إقامة معارض مؤقتة، أمسيات موسيقية، ندوات تاريخية، ورش عمل للأطفال، لتجعل المتحف مقرًا نشطًا وليس مكانًا ثابتًا.
  5. الترويج والدعاية: جذب الزوار من الأردن وخارجها عن طريق الحملات السياحية، شراكــات مع وكالات السياحة، إدراج المتحف في جولات سياحية ثقافية أوسع.
  6. تكامل مع شبكة التراث في السلط: ربط المتحف بمسارات المشي التاريخية، ربطه بمعالم السلط الأخرى (المساجد، البيوت التاريخية، الأسواق) لتكوين تجربة متكاملة.
  7. تشجيع البحث العلمي: فتح المجال للطلاب والباحثين لإجراء دراسات ميدانية في البيت وتاريخ السلط، ونشر نتائجهم، مما يُغني المعرفة ويُعطي المتحف قيمة علمية إضافية.
  8. توسعة البنية التحتية الداعمة: مرافق للزوار، مقهى تراثي، مكتبة صغيرة أو متجر للكتب والهدايا التراثية، مرايا استراحة.

إذا أُحسِنت هذه الجوانب، يمكن لمتحف بيت أبو جابر أن يتحوّل إلى أحد المراكز التراثية البارزة في الأردن، وأن يجذب جمهورًا أكبر ويُسهم في تنمية السلط كوجهة ثقافية.


بيت أبو جابر في السلط هو أكثر من مجرد بناء حجري قديم؛ إنه رواية متعدّدة الأبعاد تجمع بين التجارة، العمارة، الفن، التاريخ الاجتماعي، والتحوّل الثقافي. من حجره الأصفر والزجاج الملون وزخارفه إلى القاعات التي تُعرض فيها قصص أهل السلط، يرى الزائر كيف تطورت المدينة وكيف عاش أهلها في أوقاتٍ عاش فيها التبادل بين الداخل والخارج.

تحويله إلى متحف السلط التاريخي كانت خطوة ذكية للحفاظ على هذا التراث، وتحويله من عبء ممكن إلى فرصة للتعليم، السياحة، والترميم الثقافي. التحديات كثيرة، لكن الفرص أكبر، ويكفي أن هذا المبنى أصبح نقطة جذب رئيسية في السلط ويُشكّل عنصرًا محوريًا في الهوية التراثية للمدينة.

وبالطبع ننصح بزيارته والتمتع بجمال السلط .

اقرأ أيضا : السلط.. مدينة الجبال والذاكرة والتراث الحي

السابق
كوخ العم توم: رواية الألم والحرية
التالي
جين إير: انتصار الروح الحرة