بوابة مصر

جامع المؤيد شيخ| أجمل مساجد العصر المملوكي

جامع المؤيد شيخ

في قلب القاهرة القديمة حيث تتقاطع الحكايات وتتنفس الجدران عبق التاريخ، يبرز اسم جامع المؤيد شيخ كرمزٍ للفخامة المعمارية والروحانية العميقة، هذا المسجد الذي يجمع بين الجمال الفني والدلالة الدينية، ليس مجرد بناء قديم، بل هو سجل مفتوح لتاريخ مملوكي حافل بالتحولات السياسية والازدهار الثقافي، من مآذنه الشامخة إلى نقوشه المذهلة، يعكس الجامع ذروة ما وصل إليه فن العمارة الإسلامية في عصره، في هذا المقال المفصل، سوف نأخذك من خلال موقع بوابات العرب في جولة شاملة داخل هذا الصرح العظيم، لنتعرف معًا على تاريخه، وجماله المعماري، وتأثيره على المحيط الثقافي والديني.

ما هو جامع المؤيد شيخ؟

جامع المؤيد شيخ ليس فقط مكانًا للعبادة، بل قطعة فنية نادرة تعكس روح العصر المملوكي، هو مسجد مملوكي بُني في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي على يد السلطان المؤيد أبو النصر شيخ، ويقع بجوار باب زويلة أحد أبواب القاهرة الفاطمية الشهيرة.

من هو المؤيد شيخ؟ 

السلطان الذي حوّل السجن إلى مسجد، شخصية المؤيد شيخ مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتاريخ الجامع، إذ تعكس قصة تحوله من أسير إلى سلطان مدى درامية الحياة السياسية في العصر المملوكي

  • الاسم الكامل: السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي.
  • فترة حكمه: حكم مصر من عام 1412م حتى وفاته عام 1421م.
  • قصة السجن: سُجن في نفس الموقع الذي شُيّد عليه الجامع لاحقًا، مما يعطي البناء رمزية خاصة.

التصميم المعماري لجامع المؤيد شيخ

يمثل جامع المؤيد شيخ تحفة فنية ناطقة بلغة العمارة الإسلامية المملوكية، فهو يزخر بالزخارف والزوايا الفنية الفريدة

  • المخطط العام: يتكون من صحن مربع مفتوح تحيط به أربعة إيوانات كبيرة، وفق الطراز المعروف بالـصحن والإيوانات.
  • المآذن: يمتلك الجامع مئذنتين شاهقتين قائمتين فوق باب زويلة، مما يمنحه طابعًا مميزًا.
  • القبة: فوق المحراب قبة مزخرفة من الداخل بزخارف نباتية وهندسية مدهشة.
  • المنبر: مصنوع من الخشب المطعم بالعاج والأبنوس، ويُعد من أروع المنابر المملوكية.
  • المحراب: محاط بزخارف فسيفسائية إسلامية بدقة لا توصف.
  • الأبواب: باب الجامع الخشبي الكبير مزين بزخارف نحاسية مذهبة، يُعد من أجمل أبواب المساجد القديمة.
  • النوافذ: ذات طراز جصي ملون يسمح بدخول الضوء بطريقة فنية رائعة.
  • الزخارف: تشمل الكتابات الكوفية، والزخارف الهندسية، والنقوش النباتية البديعة.

أهمية موقع جامع المؤيد شيخ بجوار باب زويلة

يقع جامع المؤيد شيخ في أحد أكثر المواقع التاريخية شهرة في القاهرة، وتحديدًا بجوار باب زويلة، ذلك الباب الذي شهد أحداثًا عظيمة، وكانت له رمزية قوية في التاريخ المصري

  • باب زويلة: رمز القوة والسيادة: باب زويلة هو واحد من الأبواب الثلاثة الباقية من أسوار القاهرة الفاطمية، وكان يُستخدم كمنفذ رئيسي للقاهرة، كما ارتبط بأحداث سياسية كبيرة، منها تعليق رؤوس المماليك عليه.
  • الموقع الجغرافي الدقيق: الجامع يتوسط حي الدرب الأحمر، وهو من أقدم الأحياء القاهرية، مما يسهل الوصول إليه من عدة اتجاهات.
  • الرؤية السياسية في اختيار الموقع: المؤيد شيخ لم يختر هذا المكان اعتباطًا، بل أراد أن يربط سلطته بالمكانة الرمزية للباب، ليعلن من خلال الجامع بسط نفوذه على قلب القاهرة.
  • الارتباط بالعامة: المنطقة حول باب زويلة كانت من أكثر الأماكن ازدحامًا، ما جعل الجامع مركزًا روحيًا واجتماعيًا للناس.
  • البُعد السياحي لاحقًا: الموقع الاستراتيجي ساعد في جعل الجامع مقصدًا للسياح، وخاصة أنه جزء من المسار السياحي لشارع المعز.
  • مزيج بين الفن والدين والسياسة: الجامع وباب زويلة يشكلان لوحة فنية وثقافية مكتملة، حيث تلتقي العمارة الدينية مع الهندسة العسكرية والتاريخ السياسي.
  • صدى تاريخي: قرب الجامع من باب زويلة جعل المؤرخين يربطون بينهما في كل ذكر، ما منح الجامع ديمومة تاريخية أكبر.
  • سهولة الدفاع: بعض المؤرخين يرون أن وجود الجامع قرب باب زويلة أعطى له ميزة دفاعية في وقت الاضطرابات، إذ إن الأبواب كانت تُغلق للحماية.

الزخارف والنقوش في جامع المؤيد شيخ

لا يمكن الحديث عن جامع المؤيد شيخ دون التوقف عند الزخارف والنقوش التي تُعد من أجمل ما أبدعته يد الفنان المملوكي

  • الزخرفة الهندسية: يتميز الجامع بزخارف هندسية معقدة ومتداخلة، تغطي المحراب، الأعمدة، وحتى النوافذ.
  • الزخرفة النباتية: نقوش أوراق العنب وزهور اللوتس تزين جدران الجامع، وتدل على ذوق فني رفيع.
  • الزخرفة الكتابية: الآيات القرآنية مكتوبة بخط الثلث والنسخ، وبعضها مؤطر بأشرطة زخرفية ذهبية.
  • الزخارف على الخشب: المنبر، الأبواب، والمقرنصات الخشبية محفورة بدقة مذهلة، تعكس مهارة عالية.
  • الزخارف على الرخام: الأرضيات وبعض الأعمدة مزينة بأعمال فسيفسائية من الرخام الملون، في تنسيق بصري يبعث على السكينة.
  • التوازن بين الزخرفة والفراغ: لم يُفرط في الزينة، بل جرى توزيعها بحيث تُبرز الجمال من دون ازدحام.
  • رمزية الأشكال: النجمة الثمانية، والمضلعات، والدوائر، ليست فقط زخرفات، بل رموز روحانية تُمثل التناغم والتناسق.
  • استخدام اللون: تنوع الألوان ما بين الذهبي، الأزرق، الأخضر والأحمر، منح الجامع أجواء روحانية تُضاهي الكنوز الفنية.

الضريح الملكي داخل الجامع

واحدة من أبرز ملامح جامع المؤيد شيخ هي وجود الضريح الذي دُفن فيه السلطان نفسه، ما يمنح المكان قدسية إضافية

  • موقع الضريح داخل الجامع: يقع الضريح خلف المحراب، في قاعة مربعة تعلوها قبة أنيقة.
  • شكل الضريح: يتكون من صندوق رخامي مزخرف بزخارف نباتية وكتابات قرآنية، يغطيه قماش أخضر فخم مطرز.
  • القبة الداخلية: مرصعة بزخارف غاية في الجمال، تحمل أشكالًا نباتية وهندسية تتدرج حتى قمتها.
  • الشعور الروحي بالمكان: الوقوف داخل الضريح يمنح الزائر إحساسًا بالرهبة والسكينة في آنٍ واحد.
  • زيارات المتصوفة: على مدار القرون، كان الضريح مقصدًا للمتصوفة والعامة للزيارة والدعاء.
  • العناية الملكية بالضريح: حرص السلطان المؤيد على جعل ضريحه فخمًا يليق بمكانته، ليُخلّد ذكره مع الجامع.
  • الاهتمام المعماري: لم يكن مجرد قبر، بل بُني كتكوين معماري مستقل داخل الجامع.
  • التصوير الفني: القبة المزخرفة، والمنطقة المحيطة بالضريح، تُعد من أجمل ما صوره المستشرقون في كتبهم.

وظائف جامع المؤيد شيخ عبر العصور

لم يكن الجامع مجرد مكان للصلاة، بل لعب أدوارًا متعددة جعلته مركزًا متكاملاً في المجتمع

  • مكان للعبادة: الوظيفة الأصلية والأساسية كانت إقامة الصلوات الخمس، وخطب الجمعة.
  • مركز علمي: وُجدت فيه حلقات لتدريس الفقه والحديث واللغة، واستقطب علماء من مختلف البقاع.
  • مأوى روحي: استخدمه المتصوفة كمكان للذكر والخلوة، خاصة في الضريح المُلحق.
  • منبر سياسي: في بعض الفترات، كانت تُلقى فيه خطب سياسية تحشد الدعم للسلطان.
  • مستودع للكتب: ضم الجامع مكتبة صغيرة احتوت على كتب دينية وقانونية.
  • مدرسة دينية: خُصصت بعض الإيوانات لتعليم الأطفال القرآن والتجويد.
  • مركز اجتماعي: كان يُستخدم لإقامة المناسبات الدينية مثل المولد النبوي، ورمضان.
  • ملاذ للمحتاجين: في فترات الاضطراب، استُخدم كملجأ للفقراء والمحتاجين.

ترميم جامع المؤيد شيخ والاهتمام الحديث به

في العقود الأخيرة، أصبح الحفاظ على التراث المعماري الإسلامي من أولويات الدولة والجهات المختصة
وجامع المؤيد شيخ نال نصيبًا من هذه العناية نظرًا لقيمته المعمارية والتاريخية الفريدة

  • مشكلات التدهور السابقة: مع مرور الزمن، عانى الجامع من الإهمال وتآكل بعض أجزائه بسبب الرطوبة والتلوث البيئي والتعديات العمرانية.
  • أعمال الترميم الأولى: بدأت محاولات الترميم منذ أوائل القرن العشرين، إلا أنها كانت محدودة، واقتصرت على بعض الأجزاء المتضررة.
  • الترميم الشامل في العصر الحديث: في السنوات الأخيرة، خضع الجامع لترميم دقيق تحت إشراف وزارة السياحة والآثار، شمل القباب والمئذنتين والمحراب والمئذنة الشرقية.
  • استخدام تقنيات حديثة: تم استخدام أجهزة ليزر وتقنيات تصوير ثلاثي الأبعاد لتوثيق الحالة الأصلية بدقة قبل الترميم.
  • إعادة إحياء الزخارف: فرق متخصصة قامت بإعادة إبراز النقوش الأصلية دون طمس هويتها التاريخية، في محاولة للربط بين الماضي والحاضر.
  • تأهيل المكان لاستقبال الزوار: تمت إضافة لوحات إرشادية وإضاءة داخلية تسلط الضوء على أبرز معالم الجامع، وتسهّل تجربة الزوار.
  • التعاون مع المؤسسات العالمية: تم التعاون مع اليونسكو وهيئات دولية لضمان تنفيذ الترميم وفق المعايير العالمية.
  • أهمية الترميم ثقافيًا وسياحيًا: إحياء الجامع لم يُعد فقط معلمًا دينيًا، بل نقطة جذب سياحي تعكس عظمة العمارة الإسلامية، وتُثري الذاكرة البصرية لكل من يزوره.

الجامع في عيون المستشرقين والزائرين الأجانب

لم يكن جامع المؤيد شيخ محل إعجاب المصريين فقط، بل لفت أنظار المستشرقين والمستكشفين الأوروبيين الذين زاروا القاهرة

  • الرسومات القديمة: العديد من المستشرقين رسموا الجامع من زوايا مختلفة، وظهرت صوره في كتب السفر الأوروبية منذ القرن الثامن عشر.
  • وصف معماري دقيق: بعض المستشرقين كتبوا عن أناقة المئذنتين وشموخهما فوق باب زويلة، معتبرين إياهما تاجًا يزين بوابة القاهرة.
  • الاهتمام بالزخارف الداخلية: وصفوا الدقة في الزخرفة وكأنها نقش على الهواء، واعتبروا المسجد لوحة حية من فنون الشرق.
  • التصوير الفني: استخدم كثير منهم تقنيات الرسم بالألوان المائية لتوثيق تفاصيل الجامع، ويمكن اليوم رؤية هذه اللوحات في متاحف أوروبية.
  • انبهارهم بالضوء والظل: كتب بعضهم عن الطريقة التي تنعكس بها أشعة الشمس عبر النوافذ المزخرفة، مكونة مشاهد ساحرة.
  • الجامع كمادة دراسية: تم استخدامه في كليات العمارة والفنون كأحد النماذج الكلاسيكية للفن المملوكي.
  • أثره في الأدب الأوروبي: بعض الأدباء استوحوا منه مشاهد في رواياتهم، ووصفوه بأنه صرح مهيب تنبعث منه رائحة التاريخ.
  • إعجابهم بالجمع بين الدين والفن: أكثر ما أثار دهشتهم أن الجمال المعماري لم يكن على حساب الرسالة الدينية، بل في خدمتها.

دور جامع المؤيد شيخ في السياحة الثقافية بالقاهرة

اليوم، يُعد جامع المؤيد شيخ أحد أبرز المعالم السياحية الإسلامية في القاهرة القديمة لكن ما الذي يجعل زيارته تجربة لا تُنسى للسائحين؟

  • جزء من شارع المعز: يقع ضمن المسار الذهبي لشارع المعز، أحد أهم الوجهات السياحية الإسلامية في مصر.
  • الجمع بين الدين والتاريخ والفن: في زيارة واحدة، يمكن للسائح أن يتأمل جمال العمارة، ويعيش أجواء روحانية، ويطّلع على تاريخ طويل.
  • جولات إرشادية: تتوفر جولات بصحبة مرشدين يشرحون تاريخ الجامع، مما يُثري التجربة ويزيد من وعي الزائر بقيمته.
  • مكان للتأمل والتصوير: الزخارف والعمارة تجذب عشاق التصوير، وتمنحهم صورًا لا مثيل لها.
  • وجوده بجوار معالم أخرى: قرب الجامع من باب زويلة، وشارع الخيامية، ومساجد أخرى، يجعل منه جزءًا من جولة ثقافية متكاملة.
  • نشاطات ثقافية: أحيانًا تُقام فعاليات ثقافية وفنية في محيط الجامع، ما يزيد من ارتباطه بالمشهد الحضاري الحديث.
  • الترويج الإلكتروني: أصبح الجامع يحظى بتغطية واسعة عبر مواقع التواصل، ما ساعد على زيادة الإقبال عليه من جنسيات متعددة.
  • سهولة الوصول: بفضل تطوير المنطقة المحيطة، أصبح من السهل زيارة الجامع حتى في الجولات القصيرة داخل القاهرة.

ختامًا، يظل جامع المؤيد شيخ شاهدًا على روعة العمارة المملوكية، وعلى عبقرية اختيارات السلاطين في مواقع مساجدهم، فهو ليس مجرد صرح ديني، بل لوحة فنية حية تنطق بالتاريخ والعراقة والجمال، ويستحق أن يكون في صدارة المزارات الإسلامية في العالم.

السابق
بلدة قنوات (كاناثا القديمة): مدينة منقوشة على حجر التاريخ في جبل العرب