في قلب القاهرة الفاطمية، وبين أزقتها الضيقة التي تعبق برائحة التاريخ، يقع معلم فريد من نوعه يُدعى حمام السلطان إينال، هذا الحمام الأثري ليس مجرد مبنى قديم، بل هو صفحة حية من صفحات الحضارة الإسلامية، يروي قصصًا من عصور مضت، حين كان الاستحمام طقسًا اجتماعيًا وروحيًا، ومكانًا للراحة والتجميل واللقاء، يعكس الحمام براعة العمارة المملوكية، ودقة التصميم الذي يدمج بين الفن والخدمة، دعونا نغوص سويًا في تفاصيل هذا المكان الأسطوري وذلك من خلال موقع بوابات العرب ونتعرف على أسراره، تاريخه، هندسته، ورمزيته في الثقافة الإسلامية القديمة.
Contents
ما هو حمام السلطان إينال

حمام السلطان إينال هو حمام أثري مملوكي أنشئ في القرن الخامس عشر الميلادي على يد السلطان سيف الدين إينال، أحد سلاطين الدولة المملوكية الشركسية، بني الحمام ليخدم أهالي القاهرة ويُستخدم كوسيلة للنظافة الشخصية، وفي الوقت ذاته كمكان للاسترخاء والتطهر.
- يعود بناء الحمام إلى عام 861 هـ / 1456 م.
- يقع الحمام في حي الجمالية بالقاهرة، وهو جزء من مجمع أثري يشمل أيضاً مسجدًا وخانقاه.
- يعتبر واحدًا من أقدم الحمامات الإسلامية الباقية في مصر.
- كان يُستخدم بشكل يومي من قبل السكان في طقوس التنظيف قبل الصلاة أو المناسبات.
- صُمم وفق الطراز المملوكي الذي يدمج بين العملية والزخرفة.
- الحمام مكون من عدة غرف حرارية تتدرج في الحرارة.
- تميز باستخدام القباب ذات الفتحات الصغيرة التي تسمح بمرور الضوء الطبيعي.
- تعرض الحمام للإهمال لفترات طويلة، لكنه خضع لعدة مراحل من الترميم.
- يعتبر اليوم من المعالم السياحية المهمة لكنه لا يزال غير معروف على نطاق واسع.
- يمثل شاهداً حيًا على الحياة الاجتماعية والدينية للمصريين في العصور الإسلامية.
من هو السلطان إينال
لكي نفهم أهمية الحمام، يجب أن نعرف أكثر عن صاحبه، السلطان سيف الدين إينال كان أحد حكام المماليك الذين لعبوا دورًا بارزًا في التاريخ الإسلامي خلال القرن الخامس عشر.
- ولد السلطان إينال في القوقاز وتم بيعه كعبد قبل أن يرتقي في صفوف المماليك.
- كان محاربًا شجاعًا وشارك في حملات عسكرية كثيرة قبل أن يصبح سلطانًا.
- تولى الحكم في عام 1453م بعد عزل السلطان جقمق.
- كان من أبرز أعماله العمرانية بناء الحمامات، الخانقاهات، والمدارس.
- حرص على توفير مرافق عامة للمواطنين، مثل الحمام الذي نحن بصدده.
- سعى في حكمه لتحقيق التوازن بين القوة العسكرية والنهضة العمرانية.
- تعرض لحملات من الفوضى الداخلية، لكنه حافظ على استقرار البلاد لفترة.
- كان يولي اهتمامًا كبيرًا بالعمارة الإسلامية ويعتبر الحمام أحد نماذجه الفريدة.
- لقب بـسلطان العدل بسبب إصلاحاته في القضاء والأسواق.
- توفي عام 1461م ودفن في القاهرة.
لماذا كانت الحمامات العامة مهمة في العصور الإسلامية
الحمام في الإسلام له مكانة خاصة، فهو ليس فقط مكانًا للاستحمام، بل هو جزء من نمط الحياة اليومية وطقوس العبادة.
- الطهارة جزء أساسي من الصلاة، لذا كان لا بد من وجود أماكن مخصصة لها.
- الحمامات كانت تمثل بيئة للاجتماع، حيث يجتمع الناس من مختلف الطبقات.
- كان الرجال والنساء يستخدمون الحمام في أوقات مختلفة للحفاظ على الخصوصية.
- في بعض الأحيان، كانت تُستخدم الحمامات للطب الشعبي والتدليك والعلاج بالبخار.
- الحمام كان أيضًا مكانًا للتجمل، خاصة قبل الأعراس والمناسبات.
- كثير من الحمامات كانت تتضمن قاعات للتجميل وحلاقة الشعر.
- الهندسة الإسلامية اهتمت بترتيب درجات الحرارة داخله: بارد، دافئ، حار.
- العديد من العلماء والفقهاء تحدثوا عن أداب الحمام، مما يدل على أهميته.
- كان الحمام مكانًا للنقاشات اليومية وتبادل الأخبار.
- مع مرور الزمن، أصبح الحمام رمزًا من رموز الرفاهية والذوق العالي.
موقع حمام السلطان إينال الجغرافي وأهميته

لا يمكن الحديث عن حمام السلطان إينال دون التوقف عند موقعه، الذي كان وما زال يتمتع بأهمية استراتيجية داخل المدينة القديمة.
- يقع الحمام في حي الجمالية، أحد أقدم وأعرق أحياء القاهرة.
- يتوسط شارع المعز لدين الله الفاطمي، الشارع الذي يُعد متحفًا مفتوحًا للفن الإسلامي.
- قربه من عدة معالم مثل مسجد الحاكم بأمر الله وخان الخليلي جعله في قلب الحركة التجارية والدينية.
- وجود الحمام في هذا المكان كان يخدم التجار، الزوار، والمصلين على حد سواء.
- سهولة الوصول إليه من بوابات القاهرة القديمة مثل باب الفتوح وباب النصر ساعدت على استقطاب الناس.
- الموقع سمح أيضًا باستفادة الحمام من شبكات المياه القديمة مثل السقايات والمجاري الحجرية.
- الموقع المرتفع نسبيًا سهل تصريف المياه من الداخل للخارج.
- المحيط الحضري حول الحمام يعج بالمباني الأثرية، مما يزيد من جاذبيته السياحية.
- المكان ما زال إلى اليوم نابضًا بالحياة، خاصة في المناسبات الدينية.
- بعض الجولات السياحية تُدرجه ضمن برامجها، لكنه لا يزال ينتظر مزيدًا من الترويج والاهتمام.
العمارة الداخلية للحمام وأقسامه
عند دخولك إلى حمام السلطان إينال، تشعر وكأنك انتقلت عبر الزمن، فالعمارة الداخلية تعكس عبقرية التصميم المملوكي الذي جمع بين الجمال والوظيفة في مصر، ومن أقسام الحمام ما يلي:-
- يتكون حمام السلطان إينال من ثلاث غرف رئيسية: الباردة، الفاترة، والساخنة.
- الغرفة الباردة تُعرف باسم البراني وتُستخدم للجلوس والاستراحة قبل وبعد الاستحمام.
- الغرفة الفاترة تُعرف باسم الوسطاني وتكون مهيأة للتمهيد للدخول إلى الحرارة المرتفعة.
- الغرفة الساخنة أو الجوّاني وهي قلب الحمام، حيث تتم عملية التعرق والاستحمام.
- يوجد في الداخل حوض حجري كبير لتجميع المياه الساخنة.
- الجدران مكسوة بالحجر الجيري المصقول والزخارف الهندسية الإسلامية.
- القباب مزودة بفتحات صغيرة دائرية تُعرف بـالقمريات تسمح بمرور الضوء بطريقة سحرية.
- أرضيات الحمام كانت مُجهزة بشبكات تصريف دقيقة، تسمح بتجديد المياه وتنظيف المكان.
- الاعتماد على نظام الهيبوكوست لتسخين المياه عبر قناة نارية أسفل الأرض.
- زوايا حمام السلطان إينال تحتوي على مصطبات للجلوس وعمل الحمام التقليدي من تنظيف وتدليك.
كيف ساهمت جهود الترميم في إنقاذ حمام السلطان إينال من الاندثار
بعد عقود من الإهمال، شهد حمام السلطان إينال محاولات جادة لإعادته للحياة، وهو ما يُعد نموذجًا هامًا للحفاظ على التراث.
- تعرض الحمام لعوامل التعرية البيئية، مما أدى إلى تدهور حالته.
- قررت وزارة السياحة والآثار ترميم الحمام ضمن مشروع تطوير شارع المعز.
- بدأت أعمال الترميم في التسعينيات، وشملت دعم الأساسات والجدران.
- تم ترميم الزخارف الجدارية دون المساس بطابعها التاريخي.
- أعيد تركيب بعض الأجزاء المتساقطة من القبة بطريقة حرفية دقيقة.
- استُخدمت مواد قريبة من الأصلية للحفاظ على أصالة الحمام.
- تمت إعادة توصيل الحمام بشبكة مياه وصرف حديثة لضمان إمكانية تشغيله.
- أشرف على الترميم مجموعة من خبراء العمارة الإسلامية في مصر.
- فتح الحمام أبوابه للزيارات السياحية بعد الترميم.
- أصبح الحمام نموذجًا يُحتذى به في مشاريع الحفاظ على التراث الإسلامي.
الحمام كمعلم سياحي وثقافي اليوم
رغم جماله التاريخي والمعماري، لا يزال حمام السلطان إينال غير معروف بما يكفي في أوساط السياحة المحلية والدولية.
- يُفتح الحمام أمام الزوار ضمن جولات محددة بداخل شارع المعز.
- بعض المرشدين السياحيين يشرحون للزوار طريقة عمل الحمام في الماضي.
- لا توجد حتى الآن لوحات إرشادية تفصيلية أو فيديوهات تعريفية داخل الحمام.
- السياح الأجانب ينبهرون بدقة العمارة وتوزيع الضوء داخل المبنى.
- لا تتوفر خدمات مرافقة كالكافيهات أو الهدايا التذكارية بالقرب من الحمام.
- لم يُستغل الحمام كمساحة لإحياء تجربة الحمام التقليدي بطريقة تفاعلية.
- بعض الفنانين والمؤرخين طالبوا بتحويل الحمام إلى مركز ثقافي أو متحف صغير.
- يمكن استغلال الحمام في عروض مسرحية قصيرة تحكي قصة المكان.
- غياب التسويق الإلكتروني يؤثر على انتشاره عالمياً.
- يوجد فرصة كبيرة لتحويل الحمام إلى نقطة جذب ضمن السياحة الثقافية والتراثية.
في النهاية، يبقى حمام السلطان إينال شاهدًا حيًا على عظمة الحضارة الإسلامية وعبقرية العمارة المملوكية، مكان ينبض بالتاريخ، ويستحق أن نُعيد إليه الحياة والاهتمام، زيارته ليست فقط رحلة في الزمان، بل تذكرة دائمة بقيم النظافة، والراحة، والجمال الذي لا يبهت.