بوابة سوريا

بلدة قنوات (كاناثا القديمة): مدينة منقوشة على حجر التاريخ في جبل العرب

بلدة قنوات

تُعد بلدة قنوات (كاناثا القديمة) في محافظة السويداء السورية إحدى أهم المدن الأثرية في منطقة جبل العرب وشاهدًا حيًا على تعاقب الحضارات.

اشتهرت قنوات بكونها إحدى مدن حلف الديكابوليس الروماني، وتميزت بآثارها الرومانية والبيزنطية الغنية التي جعلتها متحفًا أثريًا مفتوحًا.

أكمل معنا هذا المقال لتتعرف أكثر على تاريخ بلدة قنوات عبر العصور المختلفة، وأبرز معالمها الأثرية المتبقية.

الموقع الجغرافي لبلدة قنوات

تقع بلدة قنوات المعروفة تاريخيًا باسم كاناثا أو كانثا على بعد حوالي 7 كيلومترات شمال شرق مدينة السويداء في منطقة جبل العرب بسوريا، كما ترتفع البلدة حوالي 1200 متر عن سطح البحر وتحيط بها الجبال المغطاة بالغابات، مما يمنحها موقعًا استراتيجيًا وطبيعة خلابة.

ويبلغ عدد سكانها 8324 نسمة وفقًا لتعداد عام 2004 الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء السوري، كما تُعرف قنوات بكونها واحدة من أقدم المدن في العالم وقد حظيت بمكانة تاريخية مرموقة خاصة خلال العصور الرومانية، حيث كانت إحدى المدن العشر في حلف الديكابوليس.

بلدة قنوات

اقرأ أيضًا: مدينة شهبا الأثرية… مدينة الأباطرة التي حاكت روما في قلب السويداء

تاريخ بلدة قنوات الضارب في القدم

تُظهر بلدة قنوات تاريخًا غنيًا يمتد لآلاف السنين بدءًا من عصور ما قبل التاريخ وصولًا إلى العصر الحديث مرورًا بفترات ازدهار وتراجع، حيث ذُكرت مدينة كاناثا الهلنستية الرومانية لأول مرة في عهد هيرودس الأول (القرن الأول قبل الميلاد)، حيث كانت نقطة خلاف بين القوات العربية النبطية والجيش اليهودي منذ عهد بومبيوس الكبير وحتى تراجان، كما كانت بلدة قنوات (كاناثا القديمة) جزءًا من حلف الديكابوليس وهو اتحاد فضفاض للمدن سمح لها الرومان بالتمتع بدرجة من الحكم الذاتي.

وفي القرن الأول الميلادي ضُمت إلى مقاطعة سوريا الرومانية وأعيد تسميتها باسم «سبتيميا كاناثا» بواسطة سيبتيموس سيفيروس، وأصبحت مستعمرة رومانية ثم نُقلت إلى مقاطعة العربية البترائية، كانت قنوات مدينة تجارية هامة على طريق دمشق-بصرى وشهدت تطورًا كبيرًا في مجال الزراعة خلال القرن الأول الميلادي.

كما تم تصنيفها كواحدة من أهم عشر مناطق رومانية أثرية في العالم وسُكت النقود البرونزية باسمها “كاناثا”.

وفي العصر البيزنطي، شغلت قنوات مركزًا أسقفيًا مهمًا ارتبط بأنطاكية وشكلت مركزًا للحج المسيحي، حيث شارك أسقف واحد فقط من كاناثا وهو ثيودوسيوس في مجمع اللصوص في أفسس عام 449، وفي مجمع خلقيدونية عام 451 وفي سينودوس دعا إليه البطريرك غناديوس الأول القسطنطيني عام 459 ضد السيمونية.

أما في العصر الإسلامي المبكر والعثماني استولى المسلمون على بلدة قنوات أو كاناثا عام 637 وانخفضت أهميتها حتى القرن التاسع الميلادي، حيث تحولت إلى قرية فقيرة في عام 1596 ظهرت قنوات في سجلات الضرائب العثمانية كجزء من ناحية بني ناصية من سنجق حوران، وكان عدد سكانها آنذاك اثني عشر مسلمًا وخمسة أسر مسيحية بالإضافة إلى مجموعة من البدو المستقرين.

تُركت بلدة قنوات مهجورة بين القرنين السابع عشر والثامن عشر وبحلول عشرينيات القرن التاسع عشر، كما كانت من أوائل القرى في جبل حوران التي أعاد المهاجرون الدروز من جبل لبنان إعمارها.

حيث استقرت فيها خمس أو ست عائلات درزية واستفادوا من ماضيها الروماني بوجود ممرات معبدة ومنازل خالية ومصادر مياه متاحة بسهولة، ونمت البلدة تدريجيًا بين عامي 1830 و1850 وأصبحت مقرًا لشيخ العقل البارز، ومركزًا للسياسة المحلية في خمسينيات القرن التاسع عشر.

بلدة قنوات

اقرأ أيضًا: مدينة سرجيلا الميتة: شاهد على حضارة سورية عريقة

المعالم الأثرية الرئيسية

تُعد بلدة قنوات متحفًا أثريًا طبيعيًا في الهواء الطلق غنيًا بالآثار التي تروي تاريخًا عريقًا، حيث تمتد أطلال المدينة القديمة على مساحة واسعة تبلغ حوالي 1500 متر طولًا و750 متر عرضًا، ومن أبرز معالمها:

1_ المعابد الرومانية: ومنها معبد زيوس (إله السموات) الذي يقع في أعلى المدينة العليا (الأكروبول)، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الأول قبل الميلاد، كما يوجد معبد هيليوس (إله الشمس) الذي كُرس لعبادته ومعبد أثينا اللات (إلهة الحكمة).

2_ السرايا الأثرية: تُعد السرايا من أوسع آثار البلدة وأمنعها، وهي مبنية على أنقاض معبد روماني يعود إلى القرن الثاني الميلادي، وتحولت لاحقًا إلى بازيليكا مسيحية في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، حيث تتميز بواجهتها الغربية التي تفتح على ساحة مبلطة واسعة وتضم بوابة كبيرة عالية وبوابتين أصغر على جانبيها.

3_ المسرح الروماني والأوديون: يوجد في بلدة قنوات مسرح روماني منحوت في الصخر يضم تسعة صفوف من المقاعد وأوركسترا بقطر تسعة عشر مترًا، كما يوجد الأوديون وهو مسرح صغير الحجم يقع على الضفة الشرقية للوادي.

4_ الحمامات الرومانية: تشكل الحمامات الأثرية شاهدًا معماريًا فريدًا وتُعد نموذجًا مصغرًا للحمامات الرومانية في مدينتي شهبا وبصرى، حيث بُنيت وفق الطراز الإمبراطوري الروماني في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي وكانت تتسع لنحو 500 شخص.

5_ خزان المياه الأثري (الصهريج): يقع إلى الجنوب الغربي من السرايا ويعود تاريخ بنائه إلى حوالي 1500 سنة، ويتميز بجدرانه المصنوعة بإتقان من الحجر البازلتي والفخار ويضم 18 قوسًا حجريًا متتاليًا لتوزيع المياه إلى أنحاء المدينة، بالإضافة إلى شبكة من أقنية المياه تحت الأرض بنظام متطور، وكذلك على جسر روماني ومباني أديرة وبوابات وسور ومدافن وأبراج.

بلدة قنوات

ختامًا، تُعد بلدة قنوات في سوريا كنزًا أثريًا وتاريخيًا فريدًا يعكس عظمة الحضارات التي تعاقبت عليها، من كونها إحدى مدن الديكابوليس الروماني إلى مركز أسقفي بيزنطي ثم موطنًا للدروز، حافظت قنوات على شواهدها الأثرية التي تروي قصصًا من الماضي.

السابق
قلعة الخوابي: جوهرة معمارية وتاريخية في قلب الجبال الساحلية السورية
التالي
جامع المؤيد شيخ| أجمل مساجد العصر المملوكي