اقرأ معنا

مراجعة كتاب “حديث الصباح”

يأتي كتاب “حديث الصباح” للكاتب الفلسطيني – اللبناني أدهم الشرقاوي على شاشاتنا، والقلوب تضيق بما تحمله من أوجاع وهموم.

هذا الكتاب ليس رواية ذات أحداث متسلسلة، ولا بحثًا أكاديميًا يعرض أطروحات معرفية، بل هو سفر أدبي يمزج بين الحكمة والخواطر والتجارب الإنسانية. إنه كتاب أشبه بصديق يزورك كل صباح ليحدثك بكلمات رقيقة، فتبدأ يومك بطاقة جديدة ونظرة مختلفة للأشياء.

عن الكاتب

أدهم الشرقاوي، الذي يكتب أحيانًا باسم قيس بن الملوح، كاتب معروف بأسلوبه الأدبي البسيط والعميق في الوقت نفسه. وهو صاحب عدد من الكتب التي لاقت رواجًا واسعًا، مثل: حديث المساء، نبض، مع النبي، وإذا الصحف نشرت.

يتميز الشرقاوي بلغته القريبة من القلب، وبفكره الإنساني والروحاني الذي يلامس القارئ العادي كما يلامس المثقف. كتاباته غالبًا لا تحتاج إلى تفسير معقد، لكنها تحمل دومًا رسائل عميقة.

فكرة الكتاب

جاء الكتاب بعنوان “حديث الصباح”، وهو عنوان موحٍ جدًا. الصباح رمز البداية، الأمل، الضوء الجديد، والروح المتجددة. وفي كل صباح، هناك فرصة للإنسان ليعيد ترتيب حياته وأفكاره ومشاعره.

الكتاب مقسّم إلى مقالات وخواطر متفرقة، كل منها يحمل فكرة محددة أو قصة قصيرة أو تأمل في الحياة. ليست هناك حبكة روائية واحدة، بل فسيفساء من المواضيع التي تتناثر على امتداد الصفحات، لكنها جميعًا تصب في معنى واحد: كيف يعيش الإنسان بكرامة وطمأنينة وأمل.

أسلوب الكاتب

أسلوب الشرقاوي هنا يتسم بالآتي:

  1. السلاسة والوضوح: الجمل قصيرة، يسهل قراءتها، لكنها محمّلة بالمعنى.
  2. النبرة الأدبية: الكثير من العبارات أقرب إلى الشعر المنثور منها إلى النثر البسيط.
  3. الاستشهاد بالأمثلة: أحيانًا يلجأ إلى قصص واقعية أو حكايات قصيرة ليدعم فكرته.
  4. الروحانية: ربط دائم بين الإنسان وربه، بين القلب والإيمان.
  5. التكرار الفني: يكرّر بعض الأفكار بصياغات مختلفة لتثبيتها في ذهن القارئ.

موضوعات الكتاب

  1. الأمل كبوصلة حياة

يتكرر الحديث عن الأمل في الكتاب كنسغٍ يروي جذور الروح. الشرقاوي يرى أن الإنسان لا يمكن أن يواصل حياته دون أن يتشبث بخيط من نور، مهما بدا ضعيفًا.

من أجمل ما قال:
“كل صباح هو فرصة جديدة لتكون أفضل مما كنت، فلا تحمل همّ الأمس على أكتاف اليوم.”

هذا الخطاب ليس وعظًا بقدر ما هو محاولة لإيقاظ الروح النائمة في داخلنا.

  1. الحب بأبعاده الواسعة

الحب عند الشرقاوي لا يقتصر على علاقة عاطفية بين رجل وامرأة، بل يتسع ليشمل حب الأم، حب الخير، حب الله، وحتى حب التفاصيل الصغيرة التي تصنع يومنا.

كتب يقول:
“الحب ليس كلمة نقولها، بل فعل صغير نفعله، ابتسامة نمنحها، يداً نمدها، أو قلبًا نحتويه.”

الحب هنا قيمة إنسانية عليا، وركيزة أساسية لبناء مجتمع أفضل.

  1. الفقد والحزن

لم يغفل الكاتب عن جانب الفقد الذي يرافقنا جميعًا. تحدث عن الغياب، وعن الموت، وعن رحيل الأحبة، لكنه لم يكتب بمرارة جارفة، بل بلغة هادئة تحمل عزاءً وطمأنينة.

“ثمة مقاعد فارغة حولنا لن يملأها أحد، لكنها تذكّرنا أن الحب لا يموت برحيل أصحابه.”

هذه العبارة وحدها كفيلة بأن تهزّ وجدان أي قارئ فقد قريبًا أو حبيبًا.

  1. القيم الإنسانية

الكتاب مليء بالدعوات إلى الصدق، الرحمة، العطاء، حفظ اللسان، احترام الآخر. الشرقاوي يعيدنا إلى تلك القيم التي نظنها بسيطة لكنها في الواقع أساس كل حضارة إنسانية.

“الكلمة الطيبة لا تكلّف شيئًا، لكنها قد تبني حياة إنسان.”

  1. العلاقة مع الله

يحضر البعد الإيماني في نصوص الكتاب بشكل مؤثر. لا يقدمه الكاتب في إطار خطاب وعظي جاف، بل في صورة حب وقرب وطمأنينة.

“الإيمان ليس كلمات نحفظها، بل سلوك نعيشه، هو أن نصنع الخير حتى حين لا يرانا أحد.”

اقرأ أيضا :بينما ينام العالم أبو الهيجاء وفلسطين

قيمة الكتاب

1.على المستوى الفردي

يمنح القارئ راحة نفسية، فهو بمثابة صديق يرافقه كل صباح.

يشجعه على إعادة النظر في يومياته الصغيرة: كلماته، أفعاله، علاقاته.

يذكّره بقيم قد يغفل عنها تحت ضغط الحياة.

2.على المستوى الاجتماعي

يعزز فكرة أن المجتمع لا يبنى إلا بالإنسان المتوازن الذي يحب ويعطي ويحترم.

يساهم في نشر ثقافة الرحمة والتسامح بدلًا من العنف والكراهية.

نقد وتحليل

لا يخلو أي عمل أدبي من ملاحظات:

  1. التكرار: بعض الأفكار أعادها الكاتب أكثر من مرة، ربما بصياغة مختلفة، لكن المعنى واحد.
  2. غياب التسلسل: كون الكتاب خواطر متفرقة، قد يشعر بعض القراء بالتيه لعدم وجود خط سردي متصل.
  3. النبرة الوعظية أحيانًا: في بعض المقاطع يميل الكاتب إلى لغة مباشرة، أقرب إلى النصيحة التقليدية منها إلى الأدب الراقي.

لكن هذه النقاط لا تنتقص كثيرًا من جمالية الكتاب، بل تبقى تفاصيل أمام الأثر الكبير الذي يتركه في القلوب.

اقتباسات مختارة

1.”لا تغيّر مبادئك لترضي أحدًا، فالمبادئ التي تتنازل عنها من أجل شخص، سيأتي يوم يذكّرك أنك لم تكن استثناءً من القاعدة.”

2.”كل صباح هو حياة جديدة تهدى لنا، فاغتنمها بشكرٍ لله وابتسامةٍ للناس.”

3.”الكلمة مثل الرصاصة، قد تقتل وقد تحيي، فاختر دائمًا أن تكون حياتك كلمات طيبة.”

4.”أحيانًا تكون لمسة يد أقوى من خطبة، وابتسامة أصدق من مئة وعد.”

5.”الإيمان أن تثق أن الخير سيأتيك حتى لو تأخر، وأنك بين يدي الله في كل حين.”

6.”ما يجعلنا بشرًا ليس قدرتنا على الكلام، بل قدرتنا على الإصغاء بصدق.”

7.”لا شيء يربحنا أنفسنا مثل العفو، ولا شيء يربك أعداءنا مثل التسامح.”

8.”كل الذين غادرونا تركوا في القلب ندوبًا، لكنهم أيضًا تركوا في الروح درسًا.”

9.”ابحث عن نور داخلك، فإن لم تجده، فكن أنت النور.”

10.”الصباح ليس وقتًا، الصباح فكرة.”

اقرأ أيضا :رواية “نبض” لأدهم الشرقاوي

عندما يغلق القارئ كتاب حديث الصباح، يشعر أنه لم يقرأ مجرد نصوص متفرقة، بل خاض رحلة مع نفسه. كل مقطع هو مرآة، وكل كلمة نافذة، وكل اقتباس هو دعوة إلى أن نحيا بعمق أكثر، ووعي أكبر، ورضا أوسع.

هذا الكتاب لا يُقرأ دفعة واحدة ثم يُترك، بل هو من الكتب التي يعود إليها القارئ مرارًا، يفتحها على أي صفحة فيجد رسالة كأنها كُتبت له خصيصًا.

لقد استطاع أدهم الشرقاوي أن يجمع في هذا الكتاب بين الأدب والفلسفة، بين الإيمان والإنسانية، بين الهدوء والتحريض على الحياة. ولعل أجمل ما فيه أنه يشبه الصباح فعلًا: بداية جديدة، طاقة متجددة، وضوء يبدّد عتمة الأمس.

إنه كتاب لمن فقد الأمل في لحظة، ولمن يبحث عن حب صادق، ولمن يحتاج إلى كلمة عزاء، ولمن يرغب في أن يرى الحياة من زاوية أعمق.

حين ننتهي من قراءة حديث الصباح، نشعر وكأننا استيقظنا من حلم جميل، أو كأننا خرجنا من جلسة دافئة مع صديق حكيم يعرف متى يصمت ومتى يتكلم. هذا الكتاب ليس مجرد صفحات مكتوبة، بل هو تجربة شعورية تعيد ترتيب فوضى الداخل.

الشرقـاوي يذكّرنا أن الإنسان بحاجة إلى الكلمة الطيبة كما يحتاج إلى الهواء، وأن للحياة دائمًا وجهًا آخر أكثر إشراقًا مهما كستها الغيوم. ولعل أجمل ما يمنحه الكتاب أنه لا يفرض عليك أفكاره، بل يترك لك مساحة للتأمل، لتجد نفسك في السطور وكأنها انعكاس لرحلتك الخاصة.

“حديث الصباح” لا يصلح أن يكون كتابًا يُقرأ مرة واحدة ثم يُغلق، بل هو رفيق درب، يمكن أن تضعه على طاولتك لتفتحه كلما أثقلتك الدنيا، فتجد بين صفحاته بلسمًا يخفف عنك. إنه كتاب يزرع في القلب يقينًا بأن الصباح الحقيقي ليس شروق الشمس فقط، بل إشراقة الروح بالأمل.

وبهذا، يثبت أدهم الشرقاوي أن الكلمة إذا كُتبت بصدق صارت حياة، وإذا نُثرت بحب صارت نورًا، وأن الكتابة ليست ترفًا، بل قوة خفية قادرة على شفاء القلوب وإيقاظ العقول.

💫 في النهاية، يمكن القول إن “حديث الصباح” ليس مجرد كتاب، بل صحبة روح. هو أشبه بمصباح صغير نضيئه مع بداية اليوم، لنمضي في طريقنا أكثر يقينًا وأملاً.

التقييم النهائي

اسم الكتاب: حديث الصباح

المؤلف: أدهم الشرقاوي

عدد الصفحات: 348 صفحة تقريبًا

اللغة: العربية

الفئة المناسبة: كل القراء، خصوصًا الشباب والباحثين عن التحفيز الروحي والفكري

الموضوع: خواطر وتأملات حول الحياة، الحب، الفقد، الإيمان، الإنسانية

التقييم: ⭐⭐⭐⭐✨ (4.5 من 5) 🌿

السابق
رواية “نبض” لأدهم الشرقاوي
التالي
عندما التقيت عمر بن الخطاب