اقرأ معنا

بينما ينام العالم أبو الهيجاء وفلسطين

هناك نصوص تُقرأ لتُنسى، وأخرى تُقرأ لتظل محفورة في الذاكرة مثل فلسطين ، ورواية “بينما ينام العالم” من الصنف الثانيه.

نصّ لا يكتفي بأن يسرد حكاية عائلة فلسطينية، بل يفتح باب القلب على مأساة وطن كامل، ليغدو الأدب وسيلة لحفظ الذاكرة في وجه النسيان.

كتبتها سوزان أبو الهوى بوجعٍ صادق، فجعلت من حكاية عائلة أبو الهيجاء رمزًا لفلسطين كلّها، ومن بطلتها آمال مرآةً لامرأة تحمل على كتفيها عبء تاريخٍ لم يختره جيلها.

إنها رواية عن الحب والفقدان، عن الوطن والمنفى، عن الطفولة المجهضة والذاكرة التي ترفض أن تموت.

عن الكاتبة

وُلدت سوزان أبو الهوى في الكويت عام 1967 لعائلة فلسطينية مهجرة من القدس بعد النكبة. عاشت طفولتها متنقلة بين المنافي حتى استقر بها الحال في الولايات المتحدة.

ورغم بعدها الجغرافي، بقيت فلسطين تسكن قلبها ووعيها، لتترجم غربتها عن الوطن في روايتها الأولى “بينما ينام العالم” التي صدرت بالإنجليزية عام 2010، وتُرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة.

هي لا تكتب من موقع المؤرخ، بل من موقع الشاهد والابنة. تحمل في نصها ذاكرة جماعية، وتُحوِّل الحكاية الفردية إلى شهادة على قضية بأكملها.

اقرأ أيضا : العُلا جوهرة التاريخ وسحر الطبيعة

ملخص الرواية

تبدأ الرواية في قرية عين حوض القريبة من حيفا، حيث تعيش عائلة حسن وداليا أبو الهيجاء حياة ريفية هادئة، محاطة ببساتين الزيتون وأحلام البساطة.

حسن وداليا هما الزوجان اللذان يعيشان على إيقاع الأرض، في بيتٍ تغمره المحبة.

أطفالهما: آمال التي ستكبر لتصبح الصوت الأساسي للرواية وذاكرة العائلة، ويوسف الذي يعايش التحولات العاصفة، وإسماعيل، الطفل الرضيع الذي يُختطف من حضن والدته أثناء الفوضى ليُربّى في أسرة إسرائيلية، فيغدو رمزًا للفقدان والاقتلاع.

من لحظة فقد إسماعيل، تنكسر العائلة، وتبدأ رحلة التيه.

تُهجَّر العائلة إلى مخيم جنين، حيث تكبر آمال بين الخيام وذكريات القرية المفقودة. ومع كل جيل، يتكرر الفقد: أرض مسلوبة، إخوة متباعدون، وأحبة يضيعون في المنافي.

رمزية العائلة

1.عائلة أبو الهيجاء ليست مجرد عائلة، بل رمز لفلسطين.

2.البيت في عين حوض: يمثل فلسطين ما قبل النكبة، حيث البساطة والدفء والجذور الراسخة.

3.فقد إسماعيل: يرمز إلى سرقة الهوية الفلسطينية واقتلاعها من جذورها، كما سُرقت الأرض.

4.المخيم في جنين: يجسد مأساة اللجوء، لكنه أيضًا رمزٌ للصمود.

5.رحلة آمال إلى أمريكا: تمثل الشتات، حيث يظل الفلسطيني يحمل وطنه في قلبه مهما ابتعد.

اقرأ أيضا :الطريق إلى بئر السبع الانتماء والهوية

آمال

آمال ليست مجرد بطلة، بل مرآة لفلسطين في طفولتها، تكبر بين خيام جنين، تتعلم كيف يكون اللعب على أنقاض الخوف.

في مراهقتها، تفقد أحبتها واحدًا تلو الآخر، وتدرك أن قدر الفلسطيني أن يعيش بين الفقدان والحنين.

في شبابها، تغترب في أمريكا، لكنها تبقى أسيرة جرحها، تبحث عن إسماعيل وعن الوطن في كل وجه غريب.

آمال هي المرأة الفلسطينية التي لم تُمنح رفاهية الضعف، بل كُتِب عليها أن تحمل ذاكرة وطن في قلبها.

يوسف

شخصية يوسف تجسد الوجه الآخر للنكبة: الشاب الذي لا يقبل الاستسلام ،يكبر بين الخيام، لكنه لا يتصالح مع الهزيمة.

يصبح رمزًا للمقاومة وللجروح التي لم تُشفى، يوسف هو المرآة الذكورية لصمود آمال، كلاهما يعيش التيه، لكن كلٌ بطريقته.

إسماعيل

قصة إسماعيل من أكثر أجزاء الرواية إيلامًا، يُختطف رضيعًا من أمه داليا أثناء الفوضى، ويُربّى في أسرة إسرائيلية، ليكبر وهو لا يعرف أصله الحقيقي.

رمزيته واضحة: هو فلسطين المسروقة، الأرض التي زُرعت فيها هوية غريبة وجوده في الرواية ليس مجرد شخصية ثانوية، بل جرح مفتوح يذكّر القارئ بأن النكبة لم تكن فقط تهجيرًا، بل اقتلاعًا شاملًا للجذور.

الثنائيات المتضادة

الرواية تقوم على ثنائيات متكررة تعكس مأساة فلسطين.

1.الحياة / الموت: ميلاد إسماعيل يقابله فقدانه، وكأن الحياة لا تُمنح إلا لتُسلب.

2.الوطن / المنفى: عين حوض مقابل مخيم جنين وأمريكا.

3.الحب / الفقد: حب داليا لأبنائها يُخترق بخطف إسماعيل. حب آمال لحياتها يتهشم أمام الخسارات.

4.الذاكرة / النسيان: الرواية كلها مقاومة ضد النسيان.

اللغة والأسلوب

1.أسلوب سوزان أبو الهوى شاعري رغم بساطته، يجمع بين الحميمية والملحمية.

2.الوصف يفيض بالصور البلاغية، خصوصًا حين تتحدث عن بساتين الزيتون أو عن وجوه الأطفال في المخيم.

3.الحوارات قصيرة لكنها محملة بالمعاني.

4.السرد يتنقل بين الأزمنة بانسياب، وكأن الذاكرة الفلسطينية لا تعرف خطًا مستقيمًا، بل تعيش في دوائر من الفقد.

الرسائل الإنسانية في الرواية

الرواية لا تخاطب الفلسطيني وحده، بل الإنسانية كلها.

1.تُظهر أن الفقدان ليس رقمًا بل وجه أمٍ فقدت ابنها.

2.تؤكد أن المنفى لا يقتل الهوية، بل يحييها.

3.تُعلّم أن الحب، حتى وسط الركام، فعل مقاومة.

اقتباسات

1. “الوطن ليس بيتًا فقط، بل حنينٌ لا ينطفئ.”

2. “حين يُسرق الطفل، يُسرق معه المستقبل كله.”

3. “ذاكرتنا هي سلاحنا الأخير، ما دمنا نتذكر لن نموت.”

4. “في المخيم نتعلم أن الطفولة ترفٌ لا يُمنح لنا.”

5. “اللاجئ لا يشيخ، بل يظل عالقًا عند اللحظة التي فقد فيها وطنه.”

6. “الأرض لا تموت، حتى لو غُصبت، فهي تحفظ أسماء أصحابها.”

7. “كنت أبحث عن أخي إسماعيل في وجوه الغرباء، كأنني أبحث عن فلسطين.”

8. “المخيم ليس بيتًا، لكنه وطننا الذي لم يبقَ لنا سواه.”

9. “الحب في زمن المنفى فعل مقاومة.”

10. “أحنُّ إلى قريتي عين حوض كما يحن الجذر إلى التربة.”

11. “النكبة ليست ذكرى، إنها حاضر يرفض أن ينتهي.”

12. “كل فقدان يفتح في القلب جرحًا لا يلتئم.”

13. “يوسف لم يكن شقيقي فقط، بل كان صدى المقاومة في داخلي.”

14. “كلما ابتعدتُ عن فلسطين، ازدادت فلسطين التصاقًا بي.”

15. “بينما ينام العالم، نواصل نحن حمل ذاكرتنا لئلا نموت.”

نقد الرواية

الإيجابيات

1.نجحت في تقديم الرواية الفلسطينية للقارئ الغربي بلغة إنسانية.

2.دمجت التاريخ مع السرد الشخصي ببراعة.

3.الشخصيات واقعية، تحمل أبعادًا إنسانية مؤثرة.

الملاحظات

1.بعض النقاد رأوا أن الرواية تركز بشكل مبالغ فيه على المأساة، وقد يُخشى أن يختزل القارئ الغربي فلسطين في الحزن فقط.

2.الجانب السياسي يظهر أحيانًا بوضوح يطغى على الأدبية.

لكن رغم ذلك، تبقى الرواية وثيقة أدبية لا غنى عنها.

فلسطين التي لا تنام

رواية “بينما ينام العالم” ليست فقط عن عائلة أبو الهيجاء، بل عن فلسطين كلها. هي نصّ يصر على أن الحكاية الفلسطينية لا يمكن أن تُمحى مهما حاول العالم أن ينام.

إنها رواية تذكّرنا أن الأدب قد يكون أحيانًا أصدق من التاريخ، لأنه يحفظ العاطفة والذاكرة معًا.

رواية “بينما ينام العالم” ليست مجرد نص أدبي، بل هي شهادة إنسانية ممتدة على جرحٍ لم يندمل منذ أكثر من سبعة عقود. هي ليست حكاية آمال وحدها، ولا وجع حسن وداليا عند فقد إسماعيل، ولا غضب يوسف وهو يقاوم، بل هي الحكاية الجماعية لكل فلسطيني حمل وطنه في قلبه أينما ارتحل.

تكمن قوة الرواية في أنها تجعل القارئ شريكًا في التجربة. لا يستطيع أن يظل متفرجًا من بعيد، بل يجد نفسه يذرف دمعة على كتف داليا وهي تصرخ على ابنها الرضيع، أو يشارك يوسف غضبه، أو يشعر بالتيه في قلب آمال وهي تبحث عن وجه أخيها المفقود في وجوه الغرباء.

هذه القدرة على جعل الوجع الفلسطيني وجعًا إنسانيًا عالميًا، هي ما يمنح الرواية أهميتها الأدبية والإنسانية.

إنّ إسماعيل، الرضيع الذي سرقه الاحتلال من حضن أمه، لا يمثل فقط طفلاً ضائعًا، بل هو رمز لجيل كامل حُرم من حقه في الانتماء، وجيل آخر حُرم من حقه في الذاكرة.

وبهذا المعنى، تُذكّر الرواية أن المأساة الفلسطينية لم تنتهِ مع النكبة، بل تستمر ما دام هناك اقتلاع، وما دام هناك جرح مفتوح في قلب كل أم فقدت ابنها أو كل عائلة فقدت بيتها.

وإذا كان العالم ينام على صمته، فإن الفلسطينيين لا يملكون هذا الترف،عليهم أن يظلوا مستيقظين حاملين ذاكرتهم، فالمخيمات ليست مجرد مساكن للفقر، بل أرشيف حيّ للذاكرة.

ورواية سوزان أبو الهوى تأتي كجزء من هذا الأرشيف، لتقول: “إننا هنا، وإننا لم ننسَ.”

إن قراءة هذه الرواية ليست مجرد متعة أدبية، بل مسؤولية أخلاقية أيضًا. فهي تضع بين يدي القارئ صورة صادقة عن معنى أن تُقتلع من جذورك، وأن تعيش منفى يتوارثه الأبناء.

إنها رواية تُعلّم أن الذاكرة هي أعدل أشكال المقاومة، وأن السرد قد يكون أقوى من الرصاص أحيانًا.

وبينما ينام العالم حقًا، تبقى الرواية شاهدة، تبقى آمال تحمل الوطن في قلبها، وتبقى فلسطين حيّة في ذاكرة الأدب.

التقييم النهائي 📚

اسم الكتاب: بينما ينام العالم 🌍

اسم الكاتبة: سوزان أبو الهوى ✍️

عدد الصفحات: حوالي 400 صفحة (حسب الطبعة) 📖

اللغة: الإنجليزية (مترجمة للعربية) 🌐

التصنيف: رواية تاريخية / أدب فلسطيني / أدب الشتات 🕊️

التقييم: ⭐⭐⭐⭐⭐ ✨📚❤️🔥🌍

السابق
حي القيمرية في دمشق: قلب المدينة القديمة بين الأسواق والزوايا والخانات
التالي
السماح بالرحيل ، تحرر من الداخل